الانتخابات الإسرائيلية على الأبواب (9 أبريل)، وعلى عكس العديد من دول العالم التى لا تمثل فيها قضايا السياسة الخارجية أى أهمية انتخابية، نجد أن الناخب الإسرائيلى يضع قضايا الخارج وعلى رأسها علاقة إسرائيل بالولاياتالمتحدةالأمريكية كعامل أساسى فى حساباته الانتخابية. الولاياتالمتحدة أدركت أهمية هذا الكارت الانتخابى الذى تملكه، وسعى بعض الرؤساء الأمريكيين لاستخدامه، منهم على سبيل المثال الرئيس السابق كلينتون الذى سعى لدعم مرشح حزب العمل الإسرائيلى شيمون بيريز فى انتخابات عام 1996، كما رفض الرئيس باراك أوباما مقابلة نيتانياهو قبل الإنتخابات الإسرائيلية عام 2015، للتعبير عن عدم تحمسه لامكانية استمرار نيتانياهو كرئيس للوزراء. الوضع اليوم يختلف فيما يتعلق بالرئيس الأمريكى ترامب و نيتانياهو، حث قام ترامب بالإعلان صراحة عن تأييده نيتانياهو، وقدم له العديد من الهدايا الانتخابية ومنها على سبيل المثال تبنى تنظيم مؤتمر وارسو قضايا الشرق الأوسط الذى عقد فى فبراير الماضى، وحضره نيتانياهو وقادة من 60 دولة مختلفة، وكان أحد أهدافه الرئيسية هو تعزيز المكانة الدولية لنيتانياهو، ثم قام وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو بزيارة إسرائيل وأطرى على قيادة نيتانياهو ولم يقابل أيا من خصومه الانتخابيين كما جرت التقاليد السابقة، ثم كانت زيارة نيتانياهو للبيت الأبيض ولقاؤه مع ترامب، والذى تم فيه الإعلان عن الهدية الانتخابية الكبرى المتعلقة بموافقة الولاياتالمتحدة على ضم الجولان لإسرائيل، ثم قام ترامب بوضع إعلان انتخابى لحملة نيتانياهو على صفحته على الإنستجرام، وكأنه يشارك فى الدعاية له. يضاف لذلك أن نيتانياهو يردد فى دعايته الانتخابية أنه هو الذى أقنع الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، وأن فى عهده تم الاعتراف الأمريكى بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها. هذه الهدايا أسهمت فى تحييد منافسى نيتانياهو فى الانتخابات، حيث لم يعترض أي منهم عليها، بل أقروا بأهميتها بالنسبة لإسرائيل، كما أن هذه الهدايا أيضا قد غطت على أى حديث يتعلق بفضائح أو تحقيقات حول الفساد متهم فيها نيتانياهو. ولكن لماذا هذا الرهان الترامبى على نيتانياهو؟ الأسباب كثيرة، أولها التوافق الأيديولوجى، فعلى عكس العلاقة التى شهدت لحظات توتر بين نيتانياهو وكل من الرئيسين السابقين كلينتون وأوباما اللذين ينتميا للتيار الليبرالى الأمريكى، نجد أن كلا من ترامب ونيتانياهو ينتميان لنفس التيار اليمينى المحافظ ويشتركان فى الكثير من الفكر والرؤى، وبينهما درجة من الولاء المشترك. يضاف لذلك العلاقات الشخصية التى تربط نيتانياهو بعدد من المقربين من ترامب، وعلى رأسهم جاريد كوشنر صهر ترامب والمسئول عن ملف الشرق الأوسط بالبيت الأبيض. هناك أيضا تأثير التيار الإنجيلى المسيحى الذى يمثل القاعدة الانتخابية الأهم للرئيس ترامب والحزب الجمهورى، والذى يساند إسرائيل لأسباب عقائدية، وتتوافق رؤيته مع التيار اليمينى الإسرائيلى بخصوص قضايا الشرق الأوسط. السبب الأخير يتعلق بما سمى «صفقة القرن»، فمما لاشك فيه ان هناك توافقا كبيرا بين ترامب ونيتانياهو بشأن هذه الصفقة، وربما يكون نيتانياهو واحداً من مجموعة صغيرة اطلعت على تفاصيلها الكاملة، وقد طلب من ترامب عدم الإعلان عنها حتى تنتهى الانتخابات الاسرائيلية والانتهاء كذلك من تشكيل ائتلاف حكومى جديد، يراهن نيتانياهوعلى أنه سيكون قادرا على تشكيله حتى لو لم يحصل حزبه (الليكود) على أكثرية الأصوات. ولكن يبقى سؤال هو هل يمكن أن يحصل ترامب على مقابل لهذه الهدايا فى إطار صفقة القرن، أو بمعنى أخر وكما يقول المثل المصري هل ترامب قدم السبت (وهو الهدايا الانتخابية) كى يلاقى الأحد (فى صورة تنازلات إسرائيلية فى إطار صفقة القرن). وجهة نظرى أن المقابل الذى ربما حصلت عليه إدارة ترامب من نيتانياهو هو الموافقة على مبدأ الدولتين (دولة فلسطينية بجانب إسرائيل) كأساس للتفاوض فى إطار الصفقة، ولكن دون أن يعنى ذلك ضمان نجاح هذه المفاوضات او قيام الدولة الفلسطينية على الأرض، أى أنه مقابل نظرى بالأساس، ويتضح هزال هذا المقابل لو عرفنا أن نيتانياهو كان قد اعترف بحل الدولتين منذ نحو عشر سنوات، ثم سحب هذا الاعتراف بعد ذلك. لمزيد من مقالات د. محمد كمال