لأننى من أبناء الطبقة الوسطى التى تلقى معظم أبنائها تعليمهم بالمجانية الحقيقية من الابتدائية حتى تخرجنا فى الجامعة، ولأن مبانى المدارس والجامعات الحكومية احتوتنا داخلها وقت أن كانت شابة، بهية، نظيفة، مطلية، جميلة وأنيقة وواسعة، وكانت صاحبة فضل علينا وعلى تنشئتنا، فالمكان بلا شك يترك بصمته فى الوجدان، ولأن هذه الأماكن شاخت فقد دفعتنى رغبتى فى إيقاظ الإحساس بالواجب نحو مبانٍ تعليمية إن ضاعت وتهدمت فلن تعوضها مصر أبدا، وأخص بالذكر هنا المبنى الجميل العتيق الرائعة عمارته كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية والذى هالنى حالته المتردية وأنا أمر بجانبه، وحزنت على مجتمع يمر بأزمة خطيرة هى تلك السلبية التى أصابت أبناء الطبقة الوسطى التى من المفروض أن تكون الفاعل الرئيسى الذى يمارس أدوارا إصلاحية مفصلية فى عمليات التحديث والتنمية فى مجتمعها، ولأن أعضاءها حاملون للمعارف المختلفة، ومن هنا كان تأثيرها على المجتمع لا يكمن فقط فى حجمها بل فى الأدوار التى يؤديها أعضاؤها ووظائفهم ووعيهم المجتمعى ، كما أنها تحمل دائما الرؤى لعمليات الإصلاح. أدعو خريجى جامعات مصر الحكومية على مدى الأجيال السابقة أن يذهب كلٌ إلى كليته وجامعته ويسهم فى إعادة البهاء والرونق والنظافة إليها بعد أن تعبت وأرهقت، أدعو إلى تكوين وقفيات من ميسورى الحال من خريجى الجامعات تحت إشراف المجلس الأعلى للجامعات للصرف على عمارة المبانى التعليمية الحكومية ، إن وقفيات الصرف على التعليم كانت إحدى دلالات الحضارة المصرية وإحدى صفاتها التى ظلت سائدة طوال العصور السابقة. قد لا يصدق بعض الناس أن محمد بك أبو الدهب صاحب الجامع والمدرسة المقامة أمام الجامع الأزهر قد أوقف وقفا كبيرا لمكتبة المدرسة التى أقامها داخل الجامع. رغم الاتهام الظالم الذى طال عصر المماليك بأنه عصر ظلام، فإنه كان من أعظم عصور الحضارة المصرية وشواهد ذلك ما زالت قائمة فى القاهرة فى الآثار الإسلامية الرائعة من مساجد وأسبلة ومدارس ومستشفيات بقى منها مستشفى السلطان قلاوون أول مستشفى عام مجانى فى العالم والدواء أيضا بالمجان، فى يوم افتتاحه أعلن السلطان أنه أوقف للمستشفى أوقافا للإنفاق عليه وتبعه الأمراء حتى أصبحت أوقاف المستشفى كافية للإنفاق عليه، وهكذا استمر الحال وبقيت أنظمة الأوقاف المحبوسة على معاهد التعليم والعلماء، فبفضل هذا النظام استمرت الدراسة فى الأزهر تحفل بالعدد الكبير من العلماء والطلاب المنقطعين إلى مدارس العلم. فى الخارج تجد بعض القصورالقديمة تضم مكتبات ومبانى العلم يتعامل فيها طلاب العلم كأنهم فى قدس الأقداس، إياك أن تشعل سيجارة، إياك أن تدوس على خشب الأرضية اللامع فى عنف، وسر طائرا على الأرض كالحمامة. بعد الحرب العالمية الثانية مارست الطبقة الوسطى فى اليابان أدوارا محورية لإصلاح التعليم وأسهم كثير من رموز هذه الطبقة فى وضع سياسات تعليمية للقضاء على الأمية ومواجهة كثير من المشكلات التعليمية والتربوية للأطفال وأسسوا شبكات تعليمية غير رسمية سميت ب«التعليم المنزلى» لتعليم الأمهات القواعد السليمة لتربية الأبناء كى يكونوا قادرين على استيعاب وتطبيق ما يتلقونه من معارف فى المدارس الحكومية، حافظت الطبقة الوسطى على بيئتها ونظافة مدارسها وجامعاتها بأيديهم حتى أصبح هذا السلوك خُلُقا من أخلاقهم. إن صيانة مبانينا التعليمية والصرف عليها بسخاء لمن حقوق البِر الأولى بالقضاء على كل من تلقى تعليمه بين جدرانها وجلس على نجيلها الأخضر يوما ما، كل على قدر طاقته ولكن لا تتركوها تضيع وتهدم مثل القصور الجميلة والفيلات القديمة الرائعة التى هدمت، إن دعمكم هذه المبانى والمعامل ومقاعد الدراسة لهو دعمٌ للتعليم المجانى والتوسع فيه لتعود مصر يتعلم أبناؤها كلهم بالمجان. لمزيد من مقالات سهيلة نظمى