احتفلت مصر الأحد الماضى بمئوية ثورة 1919م، وقد لفت الصديق المؤرخ والصحفى خطاب معوض انتباهي، إلى أن الاحتفالات لم تتطرق إلى دور الجنود المجهولين، الذين لولاهم لما كانت هناك ثورة أصلاً. هؤلاء المنسيون هم أعضاء الجهاز السرى للثورة والذى كان يرأسه الضابط الوطنى عبد الرحمن فهمى وضم فدائيين من شتى قطاعات المجتمع، ففيهم المثقف ومحدود الثقافة والأمي، وفيهم الغنى والميسور والفقير، وفيهم المسلم والقبطي، وفيهم الرجال والنساء، إذ وحدت الثورة بين الطبقات والعقائد، وصقلت الجميع فى بوتقة واحدة تجاهد لتحرير مصر، ومن هؤلاء سيد محمد باشا وأحمد عبد الحى كيرة وعبدالحميد المنسورى ويوسف العبد وحسن سالم وحسن الشيشيني، وعريان سعد وعبدالقادر شحاتة وأسعد مشرقي، إلى جانب الجزمجى محمد عثمان الطوبجي، والشيخ أحمد جاد الله الذى أخفى سعد زغلول مذكراته عنده قبل نفيه، والعامل إبراهيم موسى الذى أعدم بعد ذلك بسنوات فى قضية اغتيال السردار.. شباب كان أقصى أمله أن يستشهد فداء لمصر. دور هؤلاء كشفه المحامى السكندرى مصطفى إبراهيم طلعت، نقلاً عن مذكرات أبيه المجاهد إبراهيم طلعت نائب كرموز الأسبق، ولولا كتاباته والمؤرخون المخلصون لما عرف أحد بأدوار هؤلاء الثوار، الذين قامت الثورة على أكتافهم وحصد غيرهم ثمارها، ولم يأبهوا لأنهم فعلوا ما فعلوا حبًا لمصر وليس طمعًا فى مكسب. وإذا كان سعد زغلول الزعيم السياسى للثورة فإن عبد الرحمن فهمى كان بكل تأكيد زعيمها الشعبى الذى نقلها إلى كل شارع وحارة ومدينة وقرية من خلال الجهاز السري، وبرغم ذلك حين انتصرت الثورة لم يحظ بالتقدير المستحق، فيما تولى الرجل الثانى فى الجهاز أحمد ماهر، والرجل الثالث محمود فهمى النقراشى الوزارة أكثر من مرة. أعود إلى أعضاء الجهاز المنسيين لأقول إن سيد باشا كان له دور كبير فى جمع توقيعات الشعب لتوكيل سعد زغلول، لعرض قضية استقلال مصر فى مؤتمر الصلح، واستطاع جمع عشرات التوكيلات رغم مطاردة الإنجليز لكل من يسعى إلى ذلك، ولم يكتف بجمع التوكيلات وإنما امتد دوره إلى تأسيس لجنة الطلبة وجماعة اليد السوداء، والسعى لاغتيال كل من يتعاون مع الإنجليز، وقد استوحى الأديب الكبير إحسان عبد القدوس روايته «فى بيتنا رجل» من عملية نفذتها جماعة اليد السوداء، لاغتيال محمد سعيد باشا الذى قبل رئاسة الوزارة، متحديًا الإجماع الشعبى على رفض التعاون مع الإنجليز. وتعد دولت فهمى أكثر المنسيين تعرضًا للظلم، إذ تم تكليف الفدائى عبدالقادر شحاتة باغتيال محمد شفيق باشا لقبوله الوزارة، وبالفعل ألقى قنبلة عليه لكن الوزير نجا، وهرب شحاتة إلي مدرسة قبطية، فأخفت دولت فهمى وكيلة المدرسة مسدسه، وعندما قبض الإنجليز على شحاتة ذهبت دولت فهمى إلى النيابة، واعترفت كذبًا أنه كان يبيت عندها، مضحية بسمعتها وشرفها فداء لمصر، وانتهى بها الأمر بالقتل ظلمًا على يد عائلتها انتقامًا لشرف ظنوه أهدر، فيما كان محفوظًا بالصون والعفاف. لمزيد من مقالات أسامة الألفى