لابد أن عبارة «ليانغهوي» طرقت كثيرا أذن المتابع للشأن الصينى خلال هذا الشهر، مارس 2019. «ليانغهوي»، تتكون من مقطعين الأول «ليانغ» ومعناه «اثنان»، الثانى «هوي» ومعناه مؤتمر أو اجتماع أو جلسة أو دورة انعقاد. وبالتالى فإن معنى «ليانغهوي» هو «الدورتان»، «الجلستان»، «الاجتماعان» أو «المؤتمران». غير أن تعبير «ليانغهوي» فى الصين، وترجمته العربية الشائعة هى «الدورتان»، صار مرتبطا بشكل مباشر مع دورة المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى ودورة المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصيني، اللتين تعقدان سنويا فى شهر مارس بمشاركة كافة أعضاء مجلس نواب الشعب والمؤتمر الاستشاري. وخلال «ليانغهوي»، يتم وضع وصياغة سياسات الصين على الصعيدين الداخلى والخارجي، ولهذا تحظى «الدورتان» باهتمام كبير فى داخل الصين وخارجها، لارتباط هذا الحدث بقرارات هامة لا يقتصر تأثيرها على داخل الصين وإنما أيضا يمتد إلى خارجها، فأول دستور لجمهورية الصين الشعبية تمت الموافقة عليه فى المجلس الوطنى الأول لنواب الشعب الصينى فى عام 1954، وهو الدستور الذى أنشأ النظام الاشتراكى الأساسي. ومنذ أن تبنت «الدورتان» سياسة الإصلاح الاقتصادى والانفتاح على الخارج التى أطلقتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى فى أواخر سبعينات القرن العشرين، دخلت الصين مرحلة جديدة من النمو الاقتصادى السريع. المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى هو أعلى هيئة تشريعية فى الصين، ويضم فى عضويته ممثلين لكافة القوميات الصينية الست والخمسين، باعتبار أن «الشعب هو السيد» وله السيادة على دولته. ويوجد مجلس لنواب الشعب على المستويات الإدارية المختلفة فى الصين؛ المدن التابعة مباشرة للحكومة المركزية (البلديات)، المقاطعات، المناطق الذاتية الحكم، المدن، المحافظات، البلدات وأحياء المدن. وحسب دستور جمهورية الصين الشعبية، فإن كل مواطن صينى جاوز عمره ثمانى عشرة سنة له الحق فى أن يَنتخِب ويُنتخَب، بغض النظر عن أصله العرقي، جنسه، قوميته، وظيفته، خلفية عائلته، دينه، تعليمه، ثروته، أو مدة إقامته فى محل إقامته المسجل، باستثناء المحرومين من الحقوق السياسية وفقا للقانون. ويوجد فى الصين أكثر من ألفى مجلس لنواب الشعب على مستوى المحافظة وأكثر من ثلاثين ألفاً على مستوى البلدة، ويبلغ عدد النواب على المستويين أكثر من مليونى نائب. وحسب دستور جمهورية الصين الشعبية، ينتخب من يحق لهم التصويت انتخاباً مباشراً أعضاء المجالس الشعبية المحلية الأدنى من مستوى المقاطعة وما يماثلها فى التقسيم الإدارى للبلاد (المنطقة الذاتية الحكم والمدن التابعة مباشرة للحكومة المركزية). أما أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها فى التقسيم الإدارى للدولة، فيتم انتخابهم انتخابا غير مباشر، عن طريق أعضاء مجلس نواب الشعب للمستوى الإدارى الأدنى. أى أن أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها فى التقسيم الإدارى للدولة يتم انتخابهم بواسطة أعضاء مجالس نواب الشعب للمستويات الإدارية الأدنى، بينما يتولى أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها فى التقسيم الإدارى للدولة انتخاب أعضاء المجلس الوطنى لنواب الشعب الصيني. بدأ تشكيل وانعقاد مجالس النواب على المستويات الإدارية الأدنى من المستوى الوطنى فى عام 1953. وفى العام التالي، عقدت الدورة الأولى للمجلس الوطنى الأول لنواب الشعب الصيني، وكان عدد النواب ألفا ومائتين وستة وعشرين، منهم مائة وسبعة وأربعون سيدة، يمثلن 12% من إجمالى عدد النواب، بينما بلغ عدد النواب من الأقليات القومية مائة وثمانية وسبعين نائبا، يمثلون 5ر14% من إجمالى عدد النواب. والمجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى الحالى هو المجلس الثالث عشر، وقد عقدت الشهر الماضي، مارس 2019، الدورة الثانية له. وباعتباره الهيئة التشريعية العليا للصين، يتولى المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى السلطة التشريعية للبلاد، وتعديل الدستور ومراقبة تطبيقه، إلى جانب صياغة وتعديل القوانين الأساسية والقوانين أخرى، وانتخاب واتخاذ القرارات بشأن كبار المسؤولين فى الهيئات الإدارية والقضائية والنيابية والعسكرية، وله الحق فى إقالتهم، كما يراقب عمل الحكومة بموجب الدستور والقوانين، ويدرس ويتخذ القرارات المتعلقة بقضايا الدولة الأساسية الهامة والطويلة الأمد. وتعتبر كافة الهيئات الإدارية والقضائية والنيابية والعسكرية والمؤسسات الأخرى فى الدولة مسؤولة أمام المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى وتخضع لرقابته. والأهم أن المجلس هو الذى ينتخب رئيس الجمهورية ونائبه، ويقر تعيين رئيس مجلس الدولة. ينعقد المجلس بكامل هيئته (ما يسمى بالدورة الكاملة) فى ربيع كل سنة بقاعة الشعب الكبرى فى الجانب الغربى فى ساحة تيانآنمن بمدينة بكين مرة واحدة كل سنة، ولهذا فإن له لجنة دائمة يتم انتخابها من قبل أعضائه وتتكون من مائة وأربعة وثلاثين عضوا، وتمارس السلطة التشريعية فى الفترة ما بين كل دورتى انعقاد للمجلس بكامل هيئته. ولا يحق لأى عضو من أعضاء اللجنة الدائمة تولى أى وظيفة فى الأجهزة التنفيذية والقضائية. تنص المادة الرابعة والستون من دستور الدولة لجمهورية الصين الشعبية، على أن يكون تعديل الدستور بناء على اقتراح من اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى لنواب الشعب، أو اقتراح مقدم من أكثر من عشرين فى المائة من نواب المجلس، بينما يتم إقرار تعديلات الدستور بأغلبية تتجاوز ثلثى عدد النواب. وقد قام المجلس الوطنى لنواب الشعب بتعديل الدستور الصينى خمس مرات فى أعوام 1988 و1993 و1999 و2004، و2018. من أبرز ما جاء فى تعديل الدستور سنة 2018، النص على أن «السمة المميزة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية هى قيادة الحزب الشيوعى الصيني.» وتعديل نص «مدة ولاية رئيس ونائب رئيس جمهورية الصين الشعبية هى نفس مدة ولاية المجلس الوطنى لنواب الشعب، ولا يجوز لهما شغل المنصب أكثر من ولايتين متتاليتين»، إلى «مدة ولاية رئيس ونائب رئيس جمهورية الصين الشعبية هى نفس مدة ولاية مجلس الشعب الوطني». فقد تم حذف «لا يجوز لهما شغل المنصب أكثر من ولايتين متتاليتين». وخلال الدورة الكاملة للمجلس الوطنى لنواى الشعب، يلقى رئيس مجلس الدولة الصينى تقرير عمل الحكومة، الذى يستعرض أعمال الحكومة خلال العام السابق، ويحدد الميزانية وأولويات السياسة الصينية خلال العام، بما فى ذلك معدل النمو الاقتصادى المستهدف، وكذلك ميزانية الدفاع الصينية. فى الثامن من ديسمبر عام 1983، قرر الاجتماع الثالث للجنة الدائمة للمجلس الوطنى السادس لنواب الشعب الصينى الانضمام للاتحاد البرلمانى الدولي. وفى إبريل عام 1984، أعلن الاجتماع الرابع والثلاثون بعد المائة لمجلس الاتحاد البرلمانى الدولى رسميا قبول وفد المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى عضوا بالاتحاد. أما المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصيني، فهو جهاز استشارى يمثل أعضاؤه فئات اجتماعية مختلفة. ويعد جهازا هاما للتعاون الحزبى والتشاور السياسى بقيادة الحزب الشيوعى الصيني، وشكلا هاما للديمقراطية الاشتراكية الصينية. ويتكون المجلس الوطنى للمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى من ممثلى الحزب الشيوعى الصينى والأحزاب الديمقراطية والشخصيات الديمقراطية غير الحزبية والمنظمات الشعبية والأقليات القومية ومختلف الأوساط الاجتماعية وممثلى مواطنى منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة ومنطقة ماكاو الإدارية الخاصة وتايوان والمغتربين الصينيين العائدين إضافة إلى الشخصيات المدعوة بشكل خاص. الوظائف الرئيسية للمجلس الوطنى للمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى ومجالسه المحلية، هى التشاور السياسى والمراقبة الديمقراطية والمشاركة السياسية. التشاور السياسى بقصد به التشاور بشأن السياسات الهامة والقضايا الرئيسية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الوطنية والمحلية، وذلك قبل اتخاذ قرارات حولها، وكذلك التداول بشأن المشكلات الهامة البارزة فى مسار تنفيذ هذه القرارات. ويقصد بالمراقبة الديمقراطية مراقبة تنفيذ الدستور والقوانين واللوائح والسياسات الهامة وأداء أجهزة الدولة وعامليها وذلك عبر تقديم المقترحات والملاحظات وتوجيه الانتقادات. وتعنى المشاركة السياسية إجراء التحقيقات والدراسات بشأن القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الهامة والمشكلات التى تهم عامة الناس ونقل آراء الناس بشأنها وإجراء مشاورات ومناقشات حولها. فى سبتمبر عام 1949، عقد المجلس الوطنى الأول للمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى دورته الكاملة الأولى حيث أدى دور المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى وأعلن قيام جمهورية الصين الشعبية. وبعد اجتماعات المجلس الوطنى الأول لنواب الشعب الصينى فى عام 1954، لم يعد المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى يؤدى دور المجلس الوطنى لنواب الشعب، ولكن استمر بقاءه بصفته الجبهة الوطنية المتحدة ذات التمثيل الأوسع فى الصين وقدم مساهمات كثيرة فى الحياة السياسية والاجتماعية والتبادلات الودية مع الخارج. ويلعب المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى دورا هاما فى دفع الديمقراطية التشاورية. وقد أشار الرئيس شى جين بينغ فى التقريرالمقدم للمؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى إلى أن «نظام المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى هو نظام بخصائص صينية، والمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى هو وسيلة هامة للديمقراطية التشاورية الاشتراكية وهيئة تشاورية خاصة.» «ليانغهوي» شكل للممارسة السياسية، يجمع بين الديمقراطية الانتخابية والديمقراطية التشاورية، فالصينيون ابتكروا شكل الديمقراطية الذى يتفق مع الواقع الأساسى للصين ومطالب الشعب الصيني. والديمقراطية التشاورية الاشتراكية شكل فريد، بل تفوق فريد للسياسة الديمقراطية الاشتراكية للصين. إن التشاور بين الأحزاب، والتشاور فى مجلس نواب الشعب، والتشاور فى الحكومة، والتشاور فى المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصيني، والتشاور فى اللقاءات الجماهيرية، والتشاور فى الوحدات القاعدية، والتشاور فى المنظمات الاجتماعية، وسائل هامة لضمان حق الشعب فى المشاركة الشاملة والدائمة فى الحياة السياسة اليومية.