جلست مجموعة من جنود العمليات الخاصة داخل المنزل المتهدم يشاهدون بحرص اللقطات التى صورتها كاميرات المراقبة لاثنين من عناصر تنظيم داعش وهما يستعدان لإطلاق القذيفة الصاروخية التى كانت السبب فى تهدم هذا المنزل. وبدلا من أن تظهر اللقطات المصورة رجال داعش الملتحين، الذين تعودنا على رؤيتهم فى لقطات مماثلة، فقد كانت المفاجأة أن من قام بإعداد القذيفة الصاروخية ترتديان العباءة والنقاب. نعم، كانتا امرأتين تنتميان إلى داعش وليس من رجال التنظيم الإرهابي. وقد طرأ هذا التغيير داخل داعش الذى كان يسيطر عليه الرجال فقط، بعد أن فقد التنظيم كثيرا من قوته والأراضى التى كان يسيطر عليها، فباتت مشاركة النساء ممن ينتمين للتنظيم فى العمليات العسكرية أمرا يستحق التشجيع بل والاحتفال. وبالرغم من أنه مستحيل حصر عدد النساء داخل داعش، فإن بعض عناصر شرطة الموصل بالعراق يعتقدون أن وجود النساء أصبح أكثر تنظيما مما كان عليه قبل عامين. كما يعتقدون أنه بعد أن خسرت داعش السيطرة على الموصل، أصبح أمر نساء داعش مثيرا للقلق بصورة أكبر. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» فى تقرير لها، أن الدعاية التى قامت بها داعش خلال السنوات القليلة الماضية، كانت تمهد لهذا التغيير الجذرى وهو قيام النساء بالعمليات العسكرية. ففى أكتوبر 2017، طالبت الجريدة الخاصة بتنظيم داعش النساء بالاستعداد للمعركة، ومع بداية العام الماضى أظهر فيديو، صور التنظيم، سيدة تحمل إحدى البنادق وسط استحسان وتشجيع، وكأنها امرأة عفيفة تحاول التقرب من ربها سعيا وراء الانتقام لدينها ولشرف أخواتها من النساء. ويعد تصاعد الدور القتالى لنساء داعش تحولا كبيرا، فمنذ نشأة التنظيم كان القتال هو دور الرجال، بينما اقتصر دور النساء على البقاء فى المنازل وتربية أكبر عدد ممكن من الأبناء. ورغم ادعاءات بعض العائدات من تنظيم داعش إلى أسرهن فى الغرب، أن دورهن كان قاصرا على البقاء فى المنزل وتربية الأبناء، فإن فى بدايات نشأة داعش، كان هناك كثير من النساء أكثر تطرفا من أزواجهن، حيث كانت هؤلاء النساء أكثر إلحاحا على انضمام أزواجهن وأبنائهن من الرجال لصفوف التنظيم الإرهابي. كما كانت بعضهن يصر على عدم الزواج بأى من رجال داعش إلا من يطلق عليهم مقاتلى الخطوط الامامية، وذلك لرغبتهن فى الانتماء لأسر المجاهدين الحقيقيين على حد تعبيرهن. وكان دافع الانتقام وراء انضمام نساء أخريات لداعش، فبعد المعركة التى أدت إلى تحرير الموصل من يد داعش، تعرضت بعض الداعشيات للتحرش والاغتصاب مما دفعهن للانتقام وكذلك عدد من الأرامل اللاتى أردن الانتقام لأزواجهن من المقاتلين الذين لقوا مصرعهم. وأضاف التقرير أن هناك العديد من الأرامل داخل مخيمات اللاجئين يرغبن فى الانضمام مرة أخرى لداعش لمجرد أن يستطيع أفراد أسرتهم البقاء أحياء.. وبالرغم من ادعاء داعش بأن التغيير الجذرى والذى أدى لمشاركة النساء فى العمليات العسكرية ماهو إلا بداية لعهد جديد من شن الهجمات الإرهابية، فإنه فى حقيقة الأمر، السماح بوجود مقاتلات من النساء سببه الرئيسى هو اليأس. فقد خسر التنظيم تقريبا كل الأراضى التى كان يسيطر عليها، إلى جانب مقتل الكثير من مقاتليه من الرجال أو تعرض آخرون منهم للإصابة أو الاعتقال. وقد تعالت الأصوات المحذرة من تصاعد خطر التنظيم، خاصة أن تصاعد دور النساء كمقاتلات داخل داعش يمثل ميزة كبيرة للتنظيم الإرهابي. فعندما كان يسيطر التنظيم على الكثير من الأراضي، كان له جيش من الرجال يرتدون زيا محددا، ولكن الآن مع حاجته لإعطاء الأولوية للتسلل والمراوغة، أصبحت النساء سلاحا ذا قيمة كبيرة. ولعل القوات الحكومية ليست مستعدة لمواجهة هذا التغيير أى دخول نساء داعش مجال المعركة، ففى الجيش العراقى والقوات الخاصة، لا يوجد نساء مدربات على محاربة داعش. وأصبح غيابهن معضلة أمنية ظهرت بوضوح خلال تحرير الموصل، حيث كان رجال الجيش والعمليات الخاصة يقومون بتفتيش الرجال بحثا عن الأسلحة والمتفجرات، لم يكن بإمكانهم تفتيش النساء أو لمسهن. ووفقا لقادة قوات مواجهة داعش بالعراق، فقد قامت النساء بالعديد من العمليات الانتحارية بصفة يومية فى أماكن تواجد الجيش العراقى أثناء فترة عمليات تحرير الموصل. ولهذا تعتزم الشرطة العراقية تنفيذ خطة لتعيين مزيد من النساء ضمن قواتها وتوفير غرف خاصة عند نقاط التفتيش حتى يمكن تفتيش النساء تفاديا لأى عمليات انتحارية يقمن بها.. ولا شك فى ان المدنيين العراقيين يدركون تماما الخطورة التى يواجهونها، فوفقا لأحد الاستطلاعات التى تم إجراؤها فى الموصل، فإن 85% من المشاركين يعتقدون أنه فى الماضى كانت نساء داعش بنفس تطرف رجاله، كما رأى 80 % أن النساء لعبن أدوارا مهمة فى التنظيم بينما يرى 82% أن النساء المنتميات لداعش يمثلن خطورة كبيرة على الموصل فى المستقبل.. وبعد أن كانت مسألة المساواة بين الجنسين أمرا يؤرق العراق فى الماضي، أصبحت المساواة أخطر من الناحية الأمنية وذلك بعد أن أصبحت نساء داعش على استعداد لإحداث دمار، مما يتطلب التفكير فى سبل لمواجهة ذلك الخطر الجديد.