جاء قرار البنك المركزى المصرى بتخفيض أسعار الفائدة معبرًا عن ما حققه برنامج الإصلاح الاقتصادى من نجاحات على أرض الواقع ليصبح التساؤل المطروح حاليًا هل ستستمر أسعار الفائدة فى الانخفاض خلال 2019..؟ وكيف..؟ وما هى حدود وخطط الخفض المتوقعة..؟ فالقرار الأخير للبنك المركزى بتخفيض أسعار الفائدة هو ترجمة للأوضاع الراهنة وما حققته سياسات البنك المركزى المصرى من نجاحات فى السيطرة على مستوى التضخم الذى وصل خلال شهر يناير الماضى طبقا لتصريحات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء إلى 12.2% مقابل 17% لنفس الشهر من العام السابق. فإذا كان من المتفق عليه أن البنك المركزى المصرى استطاع أن يدير مرحلة التضخم الذى صاحب انطلاق البرنامج الاقتصادى منذ أواخر عام 2016 بنجاح وذلك بعد أن بدأت الأسعار فى التحرك نحو الأعلى وذلك عقب رفع أسعار الوقود والمحروقات وإذا كان من المتفق عليه أيضًا أنه نجح باستخدام مجموعة أدوات فى مقدمتها سياسات تحريك أسعار الفائدة والدفع بأوعية ادخارية ذات عوائد عالية عبر البنوك التجارية للسيطرة على شبح التضخم الذى صاحب فترة الإجراءات الأولى لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والذى قد وصل إلى معدلات تجاوزت ال 33% وسط تخوف شديد أصاب الأوساط الاقتصادية فى ذلك الوقت, إلا أن ذلك التخوف قد تبدد مع حقائق الواقع الاقتصادى بنجاح مجمل منظومة عملية الإصلاحات الهيكلية وهو ما تؤكده مؤشرات وتقارير المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية ذات الشأن الصادرة على مدار شهرى ديسمبر 2018 ويناير 2019 وهو نفسه ما تؤكده الحكومة المصرية والتى أقرت بنجاح وتنفيذ حوالى 90% من إجمالى البرنامج المخطط فى الفترة من نوفمبر 2016 وحتى يناير 2019 . مما جعل معدل التضخم يتراجع من 33% فى بداية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية إلى حوالى 12% حاليًا وهو أقل من المعدل المستهدف والمخطط مسبقًا أى أن البنك المركزى حقق هدف السيطرة على التضخم بأكثر من المتوقع وأعلى من المخطط. وفى ضوء ما سبق يصبح من الضرورى أن يتجه البنك خلال 2019 لدراسة تخفيضات تالية فى أسعار الفائدة فى ضوء هذه المعطيات وذلك قياسًا على أن البنك فى ظروف مشابهة كان قد أجرى خفضًا مماثلاً مرتين متتاليتين بنسبة 1% فى فبراير ومارس 2018. وبالنظر إلى الصورة الاقتصادية العامة وحالة الاستقرار الاقتصادى على أكثر من محور ومع ما هو مأمول فى تجاوز المخطط لمعدلات النمو العامة ( من 5.5 % إلى أكثر من 6%) بما يحقق عوائد مباشرة على المواطن وحصده لثمار الإصلاح الاقتصادي, فإنه يصبح مطلوبًا أن يستمر البنك المركزى فى استثمار أدواته النقدية والمالية لدعم توجهات النمو وجذب الاستثمارات, فإننا الآن أمام مرحلة جديدة وهى مرحلة الانطلاق نحو ضخ استثمارات وقروض فى شرايين الاقتصاد المصرى وتشجيع المستثمرين على تنفيذ خططهم التوسعية فى المشروعات القائمة والبدء فى تنفيذ المشروعات المخطط لها. ومن المعروف أن جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية وتنشيط الاستثمارات المحلية يقابله بالتوازى وإن لم يكن بأهمية أكبر توفير البيئة المالية الملائمة لهذه الاستثمارات المستهدفة سواء المخططة أو الاستثمارات القائمة بالفعل والتى تمتلك خطط توسع مؤجلة فى انتظار ضبط مقومات البيئة المالية والنقدية والتى يعتبر سعر الفائدة المناسب هو أحد أهم مقوماتها. أضف إلى ما سبق أن استمرار خفض أسعار الفائدة سيكون له أثر كبير فى استمرار إنعاش الموازنة العامة للدولة وذلك من خلال خفض أعباء خدمة الدين المحلى الذى يتواكب مع تراجع مستوياته لمستوى 98% فى يونيو 2018 وتستهدف وزارة المالية خفضه إلى مستوى 92% بنهاية عام 2019, وبالتالى فإن خفض أعباء خدمة الدين سوف يساعد الحكومة على تحقيق أهدافها بخفض إجمالى الدين ونسبته للناتج المحلى الإجمالى فى المواعيد المحددة. والهدف من كل ذلك هو أن يصبح لدى المستثمرين رؤية وقدرة على تقييم المعطيات الاقتصادية بما يحقق الأهداف المرجوة على كافة المستويات الجزئية والكلية وهو ما يحتاج إلى توافر بيئة شفافة ذات نطاقات زمنية متوقعة لمستقبل أسعار الفائدة .