منذ القرن التاسع عشر والعالم يعيش فى وهم كبير اسمه المثالية الأمريكية حينما تبنت الآلة الدعائية (أيام البراءة والعزلة كما يسمونها)أن الأمةالأمريكية لن تسيطر بالقوة على بلدان أخرى ولن تنهب أبدا الأراضى المجاورة ولن تتدخل فى شئون الدول ، كانوا يرون أنفسهم أصحاب أعظم تجربة مثالية جربها العالم فى حكم الشعب وأن أمريكا تحمل مصير الجنس البشرى، فى القرن العشرين عندما سقطت أوروبا فى أوحال ما بعد الحرب العالمية الثانية التى دمرتها وقفت أمريكا بجانبها بدعوى الصداقة ومد يد المساعدة لأصدقائها المتعَبين من خلال مشروع مارشال الشهير وقدمت لهم الموارد الاقتصادية والمنح والقروض والغذاء والمواد الخام ووضعت بذرة حلف الناتو وربطت الوعد بالرخاء الاقتصادى بتوسيع دائرة النفوذ الأمريكى والهيمنة على العالم . غزت أمريكاأفغانستان عام 2001 بسبب الفتوى الصادرة عن تنظيم القاعدة التى آوتهم حركة طالبان الحاكمة ورفضت تسليم قادتهم والتى تدعو إلى قتل اليهود والأمريكان فى كل مكان من أفغانستان ، وزعمت أمريكا أنها تريد إعادة بناء أفغانستان من خلال حكومة ديمقراطية وشفافة وجيش أفغانى وطنى قادر على تحمل مسئولية أمن بلاده وتذرعوا بالمثالية الأمريكية وبرنامج الحرية المدافع عن العالم الحر ونشر الديمقراطية وكل ذلك كما زعموا وما زالوا بلورة للقيم الأمريكية الجوهرية . ماذا حدث للأفغان مازالوا بين أيدى طالبان ولكن بعد أن حولوها لأفقر دولة فى العالم بل أمَنوا الذئاب على الحملان مقابل التخطيط للتنقيب عن معدنى الكوبالت والنحاس لاستغلالهما فى تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وبطاريات أجهزةالمحمول، ثم جاء الدور على العراق وكلنا يعرف ما حدث لأغنى دولة عربية ولجيشها الكبير القوى وقالوا وقتها إن برنامج الحرية سيحول العراق من كونه أحد الدول الشديدة القمع فى الشرق الأوسط إلى نظام ديمقراطى قائم على التعددية الحزبية وسيكون ملهما بالتالى لتحول ديمقراطى إقليمى وجزموا بأن الديمقراطية العراقية ستنجح وسيعدى هذا النجاح دمشق وطهران وسنعلن للعالم أن الحرية يمكن أن تكون المستقبل لكل الدول ، فهل عادت العراق لأسرة الدول كعضو محب للحرية وملتزم بالقانون ، ياله من خداع !لقد انكشف المستور وبان مافى الصدور ، زرعوا الأشواك وجنوا الورد وأشعلوا الحرائق فى الشرق الأوسط ومازالت تأتى على الأخضر واليابس . الآن فقط يريدون الخروج من الشرق الأوسط بعد أن أمَنوا إسرائيل وملأوا جيوبهم من كنوز الشرق، ولكن أيديهم لم تغسل بعد من دم الأبرياء الذين قتلوا وشردوا وضاعت أوطانهم . يريد هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الأمن القومى السابق أن يغسل أيدى أمريكا من الخراب والدمار الذى خلفته فى الشرق الأوسط بفعل الوقفية الأمريكية للديمقراطية التى أوقفت مالها السرى لتخريب أوطاننا من قبل أفغانستانوالعراق فى الصومالوسوريا، فيتساءل كنوع من الإدراك المتأخر عما إذا كان التوازن الذى سعت إليه أمريكا كان الأمثل أم لا؟ ويقول مع ذلك فقد حافظت أمريكا وسط عالم من أسلحة الدمار الشامل والاضطراب السياسى والاجتماعى على السلام وساعدت أوروبا على استعادة حيويتها وقدمت المساعدات الاقتصادية الضرورية للدول الناشئة، ولكنها وجدت حسب قوله إنه من الصعب الربط بين الهدف والإمكانية لتحقيقه من خلال إدارتها الحروب الساخنة ، الآن يتحدث كيسنجر بعدما فرغت أمريكا من تحقيق أهدافها من الحروب الساخنة . فى مارس 1983 وصف رونالد ريجان رئيس أمريكا الإتحاد السوفيتى بإمبراطورية الشر ، دارت الايام وفضحت منظمة الشفافية الدولية أمريكا وأسقطتها من فوق عرش الدول الأقل فسادا فى العالم بسبب السوس الذى ينخر فى عظام ديمقراطيتها ، لتقترب من سورياوالصومال ، تلك الديمقراطية التى أرسلت جنودا مرتزقة تابعين لشركة بلاك ووتر للخدمات العسكرية الخاصة ليرتكبوا الجرائم البشعة ضد المدنيين فى العراقوأفغانستان بعد 11 سبتمبر، وهى الشركة نفسها التى ستنقب عن الكوبالت فى أفغانستان. ياليت أمريكا لم تخرج من عزلتها التى فرضتها على نفسها بعد الحرب الأهلية لأنها خرجت وبرزت كالثعلب فى ثياب الواعظين، ومضت فى الأرض تهدى وتسب الكافرين (مع العذر للرائع صلاح جاهين ). لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى