عدت لتوى من دولة الإمارات حيث دعيت لإلقاء محاضرة عن أديبنا الأكبر نجيب محفوظ فى متحف نوبل بدبى، ومتحف نوبل هو تظاهرة ثقافية تقيمها سنويا مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع مؤسسة نوبل بالسويد، بهدف الاحتفاء بأكبر جائزة دولية، والتعريف بتاريخها وبالفائزين بها فى مختلف المجالات، وكانت تلك هى السنة التاسعة التى تقام فيها هذه التظاهرة الكبرى التى تخصص كل دورة منها لفرع من فروع الجائزة، ويتم فى كل سنة دعوة أحد الفائزين فى الفرع المحتفى به ليلقى محاضرة ويقيم ورشة عمل مع شباب الجامعات والمدارس يركز فيها على علاقة الجائزة بحياتنا اليومية خاصة فى الفرع الذى يمثله. وقد خصصت الدورة الحالية لمتحف نوبل للاحتفاء بجائزة الأدب وشرفت بدعوتى لإلقاء محاضرة تحدثت فيها عن ملابسات فوز أديبنا الأكبر بالجائزة، وشرحت كيف كان قبوله بالجائزة تأكيدا لمصداقيتها التى كانت قد بدأت تحيطها الشكوك بسبب تجاهلها الأدب العربى منذ بداية إنشائها عام 1901، فى الوقت الذى يعتبر الأدب العربى الذى يعود تاريخه الى عصور ما قبل الإسلام، أحد أكثر الآداب العالمية عراقة، كما شارك فى أنشطة هذه الدورة كل من جوستاف كالستراند المؤرخ الثقافى السويدى الذى ألقى محاضرة عن تاريخ الجائزة الأدبية، بالإضافة لإيبا هولمبرج من متحف نوبل فى ستوكهولم، وكريستيان فريدين أمين مكتبة نوبل فى ستوكهولم، وقد أقامت الأولى ورشة عمل حول بعض الكتب المختارة للأدباء الحاصلين على الجائزة كان من بينهم رواية زقاق المدق لمحفوظ وروايات أخرى لجابرييل جارسيا ماركيز ووليام جولدينج وتونى موريسون وألبير كامى وغيرهم، وأقام الثانى ورشة لتعليم الكتابة الأدبية بعنوان أكتب كأدباء نوبل، شارك فى كل منهما عدد من الشباب الذين يسعون لصقل موهبتهم الأدبية. والحقيقة أننى فوجئت بهذا المتحف السنوى الذى لم أكن أتوقع أن يكون على هذا المستوى الرفيع الذى يضارع المعارض الدولية، كما سعدت بالحضور الكثيف الذى ضم عددا كبيرا من شباب الجامعات وطلبة المدارس والجمهور العادى من العرب والأجانب، وتوقفت كثيرا عند المكتبة التى ضمها المتحف والتى حوت عددا كبيرا من كتب الأدباء الفائزين، بعضها بلغته الأصلية والبعض الآخر بترجمته العربية، ومن بين الكتب التى لفتت نظرى كتاب أصدرته مؤسسة نوبل فى ستوكهولم يضم الكلمات التى ألقاها الأدباء الفائزون بالجائزة وقت تسلمهم الجائزة، والذى تمت ترجمته إلى العربية. وقد تم منح جائزة نوبل فى الأدب حتى الآن 110 مرات ل114 فائزا، ذلك أنه تم اقتسامها أربع مرات فى أعوام 1904 و1917 و1966 و1974، وتم رفضها من قبل الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر عام 1964 ايمانا منه بأن الجوائز تقيد صاحبها، ورفضها الأديب الروسى بوريس باسترناك عام 1958 حيث كان يعيش داخل الاتحاد السوفيتى وخشى من بطش الحكومة إن هو قبل جائزة غربية، كما رفضها أربعة فائزين آخرين فى المجالات العلمية. وكان ألفريد نوبل مخترع الديناميت ورجل الصناعة السويدى قد حدد فى وصيته التى كتبها عام 1895، وأحتفظ لدى بصورة لها، أن يخصص الجزء الأكبر من ثروته لإنشاء الجائزة، بعد أن قام بتوزيع بعض الأنصبة على أقاربه، وكتب: يجب أن يكون التصرف بكامل ما يتبقى من ثروتى القابلة للتحويل الى نقد على النحو التالى: يستثمر رأس المال، الذى يحوله منفذو الوصية إلى سندات، فى صندوق مالى، وتوزع العوائد من الفائدة السنوية فى شكل جوائز تمنح لأولئك الذين قدموا أعظم منافع للبشرية، على أن تقسم الفائدة إلى خمسة أجزاء متساوية وتوزع كالتالى: جزء للشخص الذى أنجز أهم اكتشاف أو اختراع فى مجال الفيزياء، وجزء للشخص الذى أنجز أهم اكتشاف أو تطوير كيميائى، وجزء للشخص الذى أنجز أهم اكتشاف فى مجال الطب أو علم وظائف الأعضاء، وجزء للشخص الذى أنتج أبرز عمل مثالى فى مجال الأدب، وجزء للشخص الذى بذل أكبر جهد أو حقق أفضل انجاز يهدف لبث روح الإخاء بين الشعوب، ومن أجل إلغاء الجيوش العاملة أو تخفيضها سعيا لإحلال السلام. وتقوم الأكاديمية السويدية للعلوم بتوزيع جائزتى الفيزياء والكيمياء، ويقوم معهد كارولنسكا فى ستوكهولم بتوزيع جائزة الطب، أما جائزة الأدب فتوزعها الأكاديمية السويدية فى ستوكهولم، فى حين أن لجنة مكونة من خمسة أشخاص يختارهم البرلمان النرويجى هى التى توزع الجائزة لأنصار السلام. وأعبر عن رغبتى الجلية بعدم أخذ جنسية الفائزين بعين الاعتبار، طالما أن الأجدر هو الذى ينالها، سواء كان اسكندنافيا أم لا. ومن الطريف أنه فى أول حفل أقيم لتوزيع جوائز نوبل عام 1901 فى ستوكهولم لم يقم الملك أوسكار الثانى بتسليم الجوائز لرفضه منح جائزة سويدية لمن لا يحملون الجنسية السويدية ولا يدينون لها بالولاء، لكنه قام فى العام التالى بتسليمها بنفسه بسبب الفائدة الدعائية الكبرى التى تعود منها على السويد. ولقدر سعادتى بما شاهدته فى هذا المتحف الموسمى فى دبى، بقدر حزنى على حالة التعثر المخجلة التى تلازم مشروع إقامة متحف أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ فى مصر، والذى أعلن عنه إثر رحيل محفوظ عام 2006، وتشكلت له لجنة خاصة شرفت بعضويتها، قامت باختيار الموقع المناسب للمتحف فى منطقة القاهرة القديمة التى هى مسقط رأس محفوظ، وتم اختيار الصديق المقرب لمحفوظ المخرج السينمائى الراحل توفيق صالح مديرا للمتحف، من خلال سلسلة الاجتماعات التى عقدتها اللجنة تم وضع برنامج لنشاط المتحف يجعله مركزا للإشعاع الثقافى على مدى العام، لكن - يا للعار- مضى حتى الآن 12 عاما دون أن يرى المتحف النور. لمزيد من مقالات محمد سلماوى