عودة مصر إلى مكانتها الأصيلة الرائدة في سماء القارة السمراء دليل نجاح الدبلوماسية المصرية فى تجاوز الظروف الصعبة التي تمت خلالها هذه العودة، ففي الوقت الذي صارت فيه إفريقيا مطمعًا لاستثمارات دولية شرقية وغربية في أراضيها البكر تقدر بمئات المليارات، استطاعت الدبلوماسية المصرية الهادئة استعادة الدور الريادي المصري، وتجلى ذلك في إسناد رئاسة الاتحاد الأفريقي إلى مصر. والحقيقة أن العلاقات المصرية الإفريقية تعود جذورها إلى عصور سحيقة، وتحديدًا إلى ما قبل الميلاد، فقد كانت القوافل التجارية المصرية تسير إلى شرق القارة، وسجلت النقوش هذه الرحلات في عهد الأسرة الخامسة، كما قام الأسطول المصري في عهد الملكة حتشبسوت (الأسرة الثامنة عشرة 1490-1458 ق.م)، برحلة إلي بلاد بونت، وأسهم نجاح هذه الرحلات فيما بعد في ايجاد ارتباطات بين مصر وجنوب القارة بعدما تعززت مع شرقها، واستمرت العلاقات تنمو وتزدهر برغم محاولات الاستعمار وأدها، والحيلولة دون اتصال الشمال الأفريقي بجنوب القارة، بهدف الاستئثار بثروات القارة البكر. وقد لا يعلم كثير من أبناء هذا الجيل، أن الإمبراطورية المصرية في عهد الخديو إسماعيل اتسعت، ووصلت إلى خط الاستواء وأصبحت أوغندا تحت الحماية المصرية، كما رفع عام 1874م العلم المصري على بحيرة فيكتوريا، إلا أن هذه النجاحات المصرية تصادمت مع طموحات الاستعمار الأوروبي الرامية إلى السيطرة على مقدرات الأفارقة وثرواتهم واستعمار بلادهم، مما أجبر مصر على التراجع، وتوقفت حدودها عند السودان قبل قيام حركة الجيش 1952م، وما تبعها من إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية ثم الاستفتاء على استقلال السودان وانفصاله عن مصر. وقد مثل انفصال السودان جرحًا غائرًا في نفسية الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان طموحه إيجاد كيان وحدوي عربي، وما لبث أن عوض هذه الضربة لأحلامه القومية بتبني ودعم حركات التحرر الأفريقية، وهو الأمر الذي لم تنسه له دول افريقيا، حيث بات في كثير من دولها أحد رموز تحررها. واتخذ ناصر بعد نجاحه في دعم استقلال العديد من دول أفريقيا، خطوة جديدة لترجمة الحلم الافريقي، وتحقيق وحدة شعوب القارة، إذ لم يكتف بإرسال كبريات الشركات المصرية مثل المقاولون العرب والنصر للاستيراد والتصدير وغيرهما فضلاً عن خبراء الزراعة والري لتعمير أفريقيا ورعاية شرايين الحياة فيها، ولكنه أيضًا توج ذلك باقتراحه عام 1963م تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، فكانت نواة الاتحاد الافريقي 2001م. وتجلى الوفاء الأفريقي تجاه مصر بقرار معظم دول إفريقيا قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني عقب نكسة 1967م، إلا أن انشغال ناصر ومن بعده السادات بإعادة بناء جيش مصر واقتصادها لمعركة العبور، أدى إلى تراجع اهتمامات مصر الأفريقية، وبلغ هذا التراجع ذروته عقب محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995م، مما أتاح لإسرائيل العودة والوجود بقوة في إفريقيا، وها هي عودة مصر القوية إلى بيتها الأفريقي، تسهم في بناء القارة بسواعد أبنائها من جديد. لمزيد من مقالات أسامة الألفى