كانت أفريقيا فى الماضى القريب تمثل أحد أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية وكانت تلك الرؤية تنطلق من الحفاظ على أمننا القومى وكذلك عمقنا الاستراتيجى ومصالحنا المصيرية التى كانت فى عقل حكام مصر منذ قرون طويلة إيمانا من أهمية تلك القارة وخاصة أنها مصدر الحضارة والقصد منابع النيل التى قامت على جانبيه حضارة مصر التى أبهرت البشرية وخاصة فى مجالات الزراعة وانتقلت إلى مجالات أخرى بالتبعية ومنها الإنشاءات والصناعات الحرفية وصناعه الدواء وتحنيط الموتى. وانتقل الاهتمام فى مصر الحديثة فى عهد محمد على وأولاده لتأمين منابع النيل الذى كان ومازال يحمل معنى الحياة للمصريين لذلك كانت حملته على السودان التى عرفت فنون الإدارة والتنظيم فى هذا العهد وتم تشكيل النظام السياسى والاقتصادى للسودان التى كانت ومعها معظم دول القارة عنوانا لاهتمام حكام مصر. ومع الاستقلال الفعلى لمصر بحثت مصر عن تحقيق الاستقلال لدول القارة التى عانت من ويلات الاستعمار وتبعاته ...لذلك كانت مصر حاضنة لكل حركات التحرير الافريقية وقبله جموع أباء الاستقلال فى القاهرة إضافة الى مساندة حق الأفريقيين فى الحرية والاستقلال فى كل المحافل الدولية والإقليمية ...وساندت مصر عن قناعة كل تلك الحركات واعترفت بحق الافارقة بالكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال عن المستعمر وويلاته التى كانت واضحة أمام العالم الذى كانت إنسانيته غائبة أمام ممارسات القوى الاستعمارية التى نهبت ودمرت الأساس الاجتماعى والاقتصادى للكيانات الافريقية التى عرفت مايشبه التنظيم السياسى قبل مجئ الاستعمار الذى دمر كل شئ لصالحه عقب حضوره للقارة باحثا عن كنوزها فى القرن الرابع عشر من خلال استرقاق الافارقة تلك الصفحة التى تشهد على عدم انسانية الدول التى مارست هذه التجارة العفنة التى مازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن، وخاصة ثقافة العنصرية والتمييز ضد السود فى كل بقاع العالم . ثم جاءت الحقبة الاستعمارية لتمثل استمرارا لسياسات النهب المنظم للقاره التى تحمل الكثير من أبناءها كل العمليات التى أدت لاستمرار التبعية حتى مع رحيل الاستعمار. وبالفعل تحقق حلم الاستقلال ولم تتحقق وعود التنمية أن الاستعمار ترك إرثا كبيرا من الصراعات الاثنية التى استمرت حتى الآن وتعمد الاستعمار ذلك من خلال تقسيماته الحدودية التى لم تحافظ على حدود القبائل التى عانت من تداخلها عبر البلاد مما أدى فى النهاية إلى استمرار حالة الصراعات الاثنية التى تعتبر إحدى سمات القارة الافريقية وبدلا من قبول الاختلاف والتنوع وحسن إدارته حدث العكس ولم تستطع أغلب دول القارة تحقيق الاندماج الوطنى حتى اليوم. .....تلك الحالة مازالت مستمرة حتى الأن .... وبعد رحيل الرئيس عبد الناصر شهدت حقبة السادات تراجعا في العلاقات على واقع أولوية الدائرة العربية وخوض مصر حربا طويلة مع الكيان الصهيونى وبعد رحيل السادات شهدت العلاقات تراجعا وانحسارا وزادت حدة هذا التراجع عقب حادث اغتيال مبارك فى أديس أبابا. منذ ذلك ومصر بعيدة عن القارة ...وبعيدا عن أسباب ذلك فإن العودة تبدو صعبة لأن هناك قوى أخرى تعملقت وأصبحت أدوارها وتأثيراتها فاعلة لذا تبدو العودة صعبة ولكن التحركات تبدو على أسس ومعايير تنطلق من فهم وإدراك أهمية القارة على الصعيد السياسى والاقتصادى.