واشنطن: لا نؤيد تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن ممارسات إسرائيل في غزة    رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسى بعيد العمال    لليوم الثاني على التوالي.. طلاب النقل بالقاهرة يؤدون امتحانات المواد غير المضافة للمجموع    أسترازينيكا: لقاح كورونا يسبب أثارا جانبية مميتة| فما مصير من تلقي اللقاح؟    "صدى البلد" يحاور وزير العمل.. 8 مفاجآت قوية بشأن الأجور وأصول اتحاد عمال مصر وقانون العمل    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024    أسعار اللحوم فى الأسواق اليوم الثلاثاء 30 ابريل 2024    وزير الري يؤكد أهمية دور البحث العلمي في التعامل مع تحديات المياه    وزير المالية: مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة يؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية    «تمويل التنمية الأمريكية» تدرس تمويل استحواذ «أكتيس» على محطة رياح جبل الزيت    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    الصحف الكويتية: زيارة أمير الكويت للقاهرة تتويجا للعلاقات الأخوية والتاريخية    مصادر: من المتوقع أن ترد حماس على مقترح صفقة التبادل مساء الغد    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    خبير دولي يؤكد أهمية زيارة رئيس مجلس الرئاسة في البوسنة والهرسك إلى مصر    أمير الكويت يزور مصر على رأس وفد رسمي رفيع المستوى اليوم    موعد مباراة الزمالك القادمة ضد البنك الأهلى فى الدورى والقناة الناقلة    مواعيد مباريات الثلاثاء 30 إبريل - ريال مدريد ضد بايرن.. وكلاسيكو السعودية    نجم الزمالك: الأهلي سيتوج بدوري أبطال إفريقيا    افتتاح المعرض السنوي لطلاب مدارس التعليم الفني بالقاهرة تحت شعار "ابدع واصنع"    الأرصاد تكشف موعد ارتفاع درجات الحرارة (فيديو)    تأجيل محاكمة المتهمين بخطف شاب وإجباره على توقيع وصلات أمانة    قرار قضائي عاجل ضد المتهم المتسبب في وفاة تسنيم بسطاوي طبيبة التجمع    سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    النبي موسى في مصر.. زاهي حواس يثير الجدل حول وجوده والافتاء ترد    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    مؤسسة ساويرس تقدم منحة مجانية لتدريب بحارة اليخوت في دمياط    "أسترازينيكا" تعترف: آثار جانبية قد تكون مميتة للقاح فيروس كورونا    طريقة عمل السجق بالبطاطس بمكونات سهلة وطعم شهى    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب شرق تايوان    هل يرحل مارسيل كولر عن تدريب الأهلي؟    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    «مصر للصرافة» تجمع حصيلة من العملات تعادل 8 مليارات جنيه    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    بين تقديم بلاغ للنائب العام ودفاعٌ عبر الفيسبوك.. إلي أين تتجه أزمة ميار الببلاوي والشيح محمَّد أبو بكر؟    هل يحرم الأهلي والزمالك من المشاركة في بطولات إفريقيا الموسم القادم؟.. "الحقيقة كاملة"    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا أدرى كيف أكتب عنه!

لا أدرى كيف أكتب عن إحسان عبد القدوس فى عيد ميلاده المائة. لا أدعى عدم الدراية لأبالغ فى تقدير الجهد الذى أبذله أو لأثير فضول القارئ ليبحث معى عن طريقة أو كيفية يمكن أن أكتب بها عن إحسان ثم أفاجئه فى النهاية بالمقالة، وإنما أعبر عن حيرة حقيقية. لأن إحسان عبد القدوس ليس واحدا فردا، وإنما هو كثير متعدد بذاته وبما عرفه واتصل به وتفاعل معه فى حياته، فلابد أن يكون، ربما دون أن يدرى أو يريد، غامضا محيرا. والغريب أنه رغم تعدده وغموضه كان يستطيع دائما أن يصل إلى الجمهور الواسع. ولأنه كان صحفيا بقدر ما كان روائيا فنحن نجد فى لغته ما يرتفع بها بعض الشيء عن لغة الصحافة وما ينزل بها بعض الشيء عن لغة الرواية. لكنه استطاع مع ذلك أن ينفرد بهذه اللغة وأن يطبعها بطابعه بحيث نستطيع أن نتعرف عليها وأن نميزها عن لغة سواه، سواء فى رواياته أو فى مقالاته. كان فى كل ما كتب قادرا على أن ينجح لأنه كان قادرا دائما على أن يكون حرا، وأن يكون صادقا مع نفسه، وأن يكون وفيا لأمه وأبيه.
أمه السيدة روزاليوسف التى أصبحت فاطمة اليوسف. وهى وحدها تاريخ حافل بالمغامرات والصراعات والانتصارات والانكسارات منذ كانت طفلة لبنانية يتيمة هاجرت فى صباها الباكر إلى مصر لتجد من ساعدها على أن تتبوأ مكانا فى المسرح استحقت به أن تسمى سارة برنار الشرق، ثم تنتقل من التمثيل المسرحى إلى الصحافة الفنية فى مجلة تحمل اسمها، ثم تنتقل فى مغامرة جديدة من الفن إلى السياسة لتشتبك مع السلطة ومع أنصار السلطة وخصومها. إسماعيل صدقي، ومكرم عبيد، ومحمود عزمي، وعباس محمود العقاد، فضلا عن رجال المسرح اسكندر فرح، وعزيز عيد، وزكى طليمات. وإلى هذا المعترك تفسح لابنها الطريق ليكتب وهو فى الخامسة والعشرين من عمره مقالة ضد المندوب السامى البريطانى مطالبا بطرده من مصر فيقبض عليه ويسجن عدة شهور يخرج بعدها لتكافئه أمه بتعيينه رئيسا لتحرير المجلة.
وكما تربى إحسان على يدى هذه الطفلة اليتيمة المغامرة تربى على يدى والده المهندس الممثل المغنى الشاعر محمد عبد القدوس، وتربى قبل هؤلاء وبعدهم فى الأحداث الكبرى التى يبدو وكأنها وقعت لتحتضنه هو وجيله.
---
فى اليوم الذى ولد فيه إحسان وهو اليوم الأول من الشهر الأول فى عام 1919 كانت الثورة المصرية الكبرى تخطو خطواتها الأولي. ففى اليوم الثالث عشر من شهر نوفمبر عام 1918 توجه سعد زغلول إلى المعتمد البريطانى فى مصر سير ريجنالد وينجت يطالبه بالإفصاح عما يضمره البريطانيون لمصر بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولي. ولم يكن سعد وحده، وإنما كان معه رفيقاه عبد العزيز فهمى وعلى شعراوي، وكان معه كل المصريين بكل تاريخهم وبكل فئاتهم وطبقاتهم. فسعد زغلول هو تلميذ الإمام محمد عبده ونصير أحمد عرابي. وسعد ينتمى للفلاحين، والأزهريين، والأفندية، والمحامين، والقضاة، والكتاب، والخطباء، والفقهاء، والوزراء، ونواب الأمة.
بعد ذلك بشهرين، وكان إحسان فى اليوم الثالث عشر من عمره، وقف سعد فى اجتماع دعاه إليه حمد الباسل ليلقى خطابه الذى انتقل فيه من مطالبة بريطانيا بالتحدث عن مستقبل مصر كما تراه إلى مطالبتها بالاستقلال التام ورفض الاحتلال والحماية واعتبرهما أمرين باطلين. وأن المصريين مستعدون للتضحية بما يجب أن يضحوا به فى سبيل الحرية والاستقلال.
---
كأن إحسان وثورة 1919 توأمان. فقد ولد إحسان فى الأيام التى ولدت فيها الثورة، وعاش فيها، واستلهمها، وظل وفيا لها ولمبادئها طول حياته التى عاشها صحفيا، وروائيا، وسياسيا. فى كل عمل قام به كانت الحرية ترفرف بجناحيها فوق رأسه، وكانت توجهه وتلهمه ما يقول وما يفعل.
الحرية هى موضوعه الحميم. وأنت تقرأ رواياته: فى بيتنا رجل، وأنا حرة، والله محبة فتجد الحرية ومعها الحب، وتجدها ومعها السياسة، وتجدها ومعها الدين. وأنت تقرأ مقالاته السياسية فتجد فيها الشجاعة التى تجدها فى رواياته التى يتحدث فيها عن الحب والجنس. والأمثلة كثيرة. يكفى أن نذكر منها مقالاته عن الأسلحة الفاسدة وحملته على من تاجروا بها من رجال القصر ورجال السلطة، وأن نذكر بعد هذه حملته على «الجمعية السرية التى تحكم مصر» ويقصد بها ضباط يوليو الذين استغلوا مقالات إحسان عن الأسلحة الفاسدة ليهدموا النظام الملكى ويستولوا على السلطة، ثم لم يغفروا له بهذه المقالات حملته على الاستبداد ودفاعه عن الديمقراطية.
---
ولقد يبدو للقارئ أنى بما قلته عن إحسان عبد القدوس أعرفه. ولاشك أنى أعرف عن إحسان ما قلته عنه. لكنى مع هذا لا أعرفه كما يجب أن تكون معرفتنا لهذه الشخصية الرحبة الغنية.
فى أواسط عام 1956 عندما التحقت بالعمل فى روزاليوسف لم تكن لى صلة مباشرة بإحسان لأن عملى فى تلك المرحلة الأولى كان مراجعة المواد التى يكتبها بعض المحررين لمجلة «صباح الخير» التى صدرت فى ذلك العام. من هنا كانت علاقتى العملية بالمسئولين فى تلك المجلة. ثم إن إحسان كان منهمكا دائما فى عمله لا يكف عن الكتابة لحظة.
لم يكن فى العصر من يماثله. لأننا كنا نذهب إلى روزاليوسف لنلتقى أكثر مما كنا نذهب لنعمل. كنا نذهب إلى روزاليوسف لنلتقي، وكنا نخرج من روزاليوسف لنواصل اللقاء فى مطعم أو مقهي. لكن إحسان كان يغادر مكتبه أحيانا ليقطع الصالة التى تحتلها مكاتب المحررين، وقد يتوقف ليحاور بعضهم أو يجالسه كما فعل مرة أو مرتين. روزاليوسف كانت مشغل فن وخلية إبداع وحياة. كلنا كنا نكتب ونرسم وننظم الشعر، وربما غنينا ورقصنا. لهذا لم يكن فينا رئيس ومرؤوس.
حدث مرة أن غبت عدة شهور كنت خلالها فى دمشق أشارك فى إحياء ذكرى عدنان المالكي. هناك عرض على الدكتور جمال أتاسى رئيس تحرير صحيفة «الجماهير» أن أبقى لأكتب لصحيفته فبقيت نحو ثلاثة أشهر عدت بعدها إلى القاهرة لأستأنف عملى فى روزاليوسف كأنى لم أغب يوما واحدا، وعندما عدت من فرنسا والتحقت بالأهرام كان مكتب إحسان فى الطابق السادس هو مكتبي.. مع هذا لا أدعى أنى عرفت إحسان!
لمزيد من مقالات ◀ بقلم أحمد عبدالمعطى حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.