الكتاب قد يكون خير جليس، لكن ماذا نفعل برفيق صامت؟ نحتاج مسامرة ودفئا وخيالا يجعل الشخصيات تخرج من بين الصفحات لنتحدث إليها أو تسمعنا هى، لنخوض إذن فى سيرة الكتب قديمها وجديدها، فنونها وأشكالها بحثاً عن الجمال فى تلك المساحة،ها نحن نحاول.. ربما! ....................... 1 الضباع والثعالب فى الفن الشعبى وحدث أن أثير جدل فى مصر المملوكية حول مصير آزر والد سيدنا إبراهيم وهل سيتحول إلى «ضبع» جزاء مافعل؟ ونسج الناس أساطير حول حيوانات مفترسة وأخرى تطير بأجنحة ضخمة، وبينما الحال كذلك كان هناك حائك يجلس فى دكانه يراقب ما يجرى فى مصر ويكتب عن الضباع والسباع والثعالب وارتباط الإنسان بها ومايستخرج من دم الغزال وما يؤخذ للشفاء من سم الثعبان ولماذا يتطير الناس من البومة ونعيقها ويستبشرون بصوت الكروان،إنه «الدميرى صاحب «حياة الحيوان الكبرى» والكتاب الذى يتقصى سيرة «محمد بن موسى بن عيسى الدميرى» المولود فى دميرة بالقرب من سمنود بدلتا مصر عام 742 هجرية،ويبحث كيف تسربت كل هذه القصص إلى الموروث الشعبى هو «الفلكلور فى كتاب حياة الحيوان للدميرى» وقد أصدرته هيئة قصور الثقافة فى جزءين وما حديثنا عنه إلا لتذكير مسئولى الثقافة فى مصر برواد الفن الشعبى وأهمية وجود جيل جديد من الباحثين ليس لتقديم الدراسات الأكاديمية وحسب بل لإعادة تجربة زكريا الحجاوى فى اكتشاف مواهب الفن الشعبى فى الموالد والأفراح، والمؤلف «د. صلاح الراوى» واحد من هؤلاء الكبار فى هذا المجال الثرى وتتلمذ على أيدى مشايخ الثقافة الشعبية «أحمد أبوزيد والأهوانى» وهو مؤسس أطلس الفلكلور المصرى وعضو هيئة تدريس بأكاديمية الفنون وأظنه مع أجيال صاعدة جديرا بإعادة الاعتبار للفن الشعبى فى مصر. 2 حكاية العمدة شمروخ مع «مو»! فى قرية نائية بمركز نجع حمادى محافظة قنا مطلع الثمانينيات ظهر عمدة «مودرن» قرر تشكيل فريق كرة قدم من شباب العائلات الذين يدرسون فى المدارس الإعدادية والثانوية واختار المهندس «القطيبى احمد حفنى» للقيام بالمهمة واستيقظ الناس ليجدوا أولادهم يقفون فى صفين طويلين وهم يرتدون شورتات بيضاء وقمصانا حمراء نظيفة ومكوية وأحذية رياضية ماركة «باتا»، ونجحت فكرة العمدة فى تشكيل وجدان جيل كامل على الانتماء للفانلة وليس للعائلة فخمدت عصبيات كثيرة وهدأت خصومات عتيدة وترسخت قيم ومبادئ وانكشف «العيال» المدخنون فى اختبارات الجرى التى كانت تطوف القرية كل صباح،كان ذلك مطلع الثمانينيات والعمدة هو «على أفندى شمروخ» والد زميلنا الصحفى بالأهرام محمد شمروخ، وقد عاش المؤلف « أحمد خالد «تلك التجربة فى قريته التى تشبه «نجريج «المولود بها اللاعب العالمى محمد صلاح الذى يتتبع كتاب «مو».. مسيرته نحو النجومية، مؤكداً على فكرة «الانتماء للفانلة وليس للعائلة « كمنهج للاعب المحترف مما يسمح له بدخول مباريات فى ملاعب خصوم وأعداء من دون أن ينال ذلك من وطنيته. أحمد خالد الذى يكتب الشعر وأصدر أربعة دواوين دخل عالم كرة القدم فى هذا الكتاب بحرفنة وإبداع وتشويق وحماس دفعه لإصدار الكتاب على نفقته الخاصة وقدم فصولاً ممتعة وموثقة عن رحلة «مو» بغلاف رائق للفنان وسام سعيد. ........................ 3 نساء المطارات دموع السيدات فى المطارات،آهات المكسورات فى قصص الحب والحياة هن أبطال قصص «إيمان الحكيم» التى أصدرت مجموعتها الأولى عن دار ميريت بعنوان «الحمال» بغلاف للفنان «علاء المسلمانى» فما بين حزينات يتحدثن إلى صديقات عن خيانة الحبيب وضياع الأمل وقرار السفر، وبين فتيات قويات يتحملن صعاب العمل حتى ولو كان بوليسيا تدور معظم القصص لتقدم عالماً بسيطاً لمئات حولنا يعشن مآسى حياتية لا يلتفت إليها كثير من كتاب القصة فرغم بساطة الحدث وزيادته فى قصص كثيرة إلا أن الأجواء التى تدخلها الكاتبة فى عملها الأول جديدة وطازجة. ........................ 4 الأهرام.. سند الفلاحين فى عصر الباشوات بينما كان الفلاح المصرى يئن تحت قسوة جلادى الإقطاع كان هناك كاتب كبير يخصص افتتاحية صحيفة الأهرام العريقة ليكتب إليه وكأنه يأخذ بخاطره ويثبت أقدامه فى هذه الأرض ويخاطبه قائلا: «إذا كنت تحرث الأرض لتخرج لنا منها الأرزاق فإنّا ننقب فى تضاعيف العلوم لنلتقط لك منها غذاء النفوس، فكلانا خادم ومخدوم وأفضلنا أنفعنا لأخيه وقومه»، كان ذلك عام 1917 وقبل ثورة يوليو بأربعين عاماً، أما الكاتب فهو «داود بركات» الذى ترأس تحرير الأهرام فى الفترة من (1899 وحتى وفاته عام 1933) والمقال البديع هو الأول فى سلسة مكونة من سبع وثلاثين مقالا صدرت فى كتاب حمل اسمه عن مركز الترجمة والنشر بالأهرام بغلاف للفنان سامح الكاشف هو جزء من إعادة الاعتبار لعمالقة الفكر الذين أثروا الأهرام على مدار تاريخها العريض، وتعكس المقالات الخلفيات السياسية والاجتماعية التى عاشتها مصر فى تلك الفترة المزعجة والتى تحتاج كاتباً يحمل ثوابت وطنية عربية تمتد من بيروت حيث مولده إلى القاهرة حيث أصبح مكتبه فى جريدة الأهرام مجتمعا للساسة والكتاب ومقصداً للوزراء بعد أن أصبحت أكبر صحيفة فى الشرق العربى تصدر فى أربع عشرة صفحة بعد أن كانت أربع صفحات حين تسلمها.