لو جاع أولادى لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه، عبارة قالها فى لحظة غضب الدكاترة زكى مبارك، تكشف مدى التوتر الذى ساد علاقة الرجلين، وكان ثمرة كلمة من عميد الأدب العربى أخرجت مبارك من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة أو راتب. وزكى مبارك الذى تحل الذكرى ال67 لرحيله يوم الأربعاء المقبل، شاعر وصحفى وأكاديمى حصل على 3 درجات دكتوراة من جامعات مختلفة، وقدم 45 كتابًا منها كتابان باللغة الفرنسية وآلاف من المقالات والدراسات وأحد خطباء وزعماء ثورة 1919، التى نحتفل بمئويتها بعد شهرين، ورغم ذلك فإن كثيرًا من العامة لم يسمعوا به ولا يعرفونه، ولم ينل حظًا من المناصب ربما لمعاركه الأدبية مع أقطاب عصره كطه حسين، وعباس العقاد، والمازنى وغيرهم والتى أدت للتعتيم عليه، وربما لتفضيله الابتعاد عن التيارات الحزبية الموالية للقصر والنفوذ البريطاني، وسفره إلى العراق حيث مُنح وسام الرافدين. خلاف الدكاترة زكى مبارك مع عميد الأدب العربى لم يكن خلافًا شخصيًا، ولكن علميًا مثله مثل خلاف العميد مع تلميذه الآخر المحقق العلامة محمود شاكر، ويروى هانى أبو الخير فى كتابه مشاهير القرن العشرين بداية هذا الخلاف، يقول: «ما كاد طه حسين ينتهى من محاضرته عن إحياء التراث اليوناني، حتى قام الطالب زكى مبارك ليرد عليه بخطاب رائع هاجمه فيه وأثار إعجاب الطلاب، لكن طه حسين لم ينس فأسقطه فى امتحان الليسانس أكثر من مرة». نال الدكاترة زكى مبارك درجة الدكتوراه الأولى من الجامعة المصرية فى مايو 1924م، وكان موضوعها الأخلاق عند الغزالي، ونال الدكتوراه الثانية من جامعة السوربون الفرنسية فى أبريل 1931 برسالته النثر الفنى فى القرن الرابع الهجري، وناقشت رسالته الثالثة موضوع التصوف الإسلامى سنة 1937، وكان من المقرر أن يترأس د. طه حسين لجنة المناقشة، لكنه اعتذر وأناب عنه د.شفيق غربال. والحقيقة أن موقف د. طه حسين من زكى مبارك يثير دهشة الدارس وحيرته، فالعميد الذى طالما دعا إلى التسامح وتعدد الآراء، نسى ذلك حين مس الأمر فكره وآراءه، وحوّل اختلاف الرأى إلى عداء شخصي، فعلى الرغم من وقوف زكى مبارك إلى جانب د. طه فى محنته حين فصله إسماعيل صدقى باشا، فإن العميد لم ينس معارضته له فى مسألة إحياء التراث اليوناني، فما كاد يعود للجامعة مرة أخرى حتى أصدر أمره بفصله. وعلى عكس الكثيرين الذين انصرفوا إلى طلب اللغات الأجنبية ودراساتها، لم يطلب زكى مبارك بها علمًا وأدبُا، وإنما اكتساب مناهج البحث وطرق التدريس، فاعتزازه بأدب العروبة وحضارتها، حال دون وقوعه فى براثن الانبهار بثقافة الغرب وترك تراث الأمة. يصف الأديب محمود تيمور «زكى مبارك»: لقد كان ينفض نفسه نفضًا، ويكشف عن جليته كشفًا، فيركز لك خصائص شخصيته، ويقدمها فى سهولة ويسر، دون أن يرهقك فى تعرف هذه الشخصية واستبطان أسرارها، والتفطن إلى ما فيها من طرافة أو شذوذ. لمزيد من مقالات أسامة الألفى