تحل اليوم الذكرى السابعة والعشرين بعد المئة لميلاد عميد الأدب العربي طه حسين الذي ولد في الخامس عشر من نوفمبر عام 1889 بعزبة صغيرة تسمى عزبة الكيلو تقع على بعد كيلو متر بالقرب من مغاغة بمحافظة المنيا وما مر على عينيه أربعة من الأعوام حتى أصيبتا بالرمد الذي أطفأ النور فيهما إلى الأبد. كان فقدانه لبصره هو السبب فى الكشف مبكرا عن ملكات طه حسين فقد استطاع تكوين صورة حية فى مخيلته عن كل فرد من أفراد عائلته اعتمادًا على حركة وصوت كل منهم بل كانت السبب المباشر فى الكشف عن عزيمته بعد ان قرر التغلب على عاهته بإطلاق العنان لخياله إلى آفاق بعيدة. قد أتم طه حسين حفظ القرآن الكريم بينما لم يكن قد أكمل السنوات العشر وبعد ذلك بأربع سنوات بدأت رحلته الكبرى متوجها إلى الأزهر طلبًا للعلم حيث تتلمذ على الإمام محمد عبده. في عام 1908 أنشئت الجامعة المصرية فالتحق بها طه حسين وكان أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعددًا من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية، وظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. فى عام 1914 نال طه حسين شهادة الدكتوراة وكانت عن "ذكرى أبي العلاء" وكانت أول كتاب قدم الى الجامعة وأول رسالة دكتوراه منحتها الجامعة المصرية. وأدى نشر هذا الكتاب الى أثارة ضجة في الأوساط الدينية المتزمتة، وفي ندوة البرلمان المصري إذ اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين. وفي العام نفسه أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبيلية بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في جامعتها الفرنسية وآدابها، وعلم النفس والتاريخ الحديث. ولكنه عاد عام 1915 إلى مصر فأقام فيها حوالي ثلاثة أشهر أثار خلالها معارك وخصومات متعددة أدت إلى اتخاذ أحد المسؤولين قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته في الخارج، لكن تدخل السلطان حسين كامل وحال دون تطبيق هذا القرار، فعاد طه حسين إلى فرنسا ولكن إلى باريس هذه المرة حيث التحق بكلية الآداب بجامعة باريس فدرس مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراة الثانية وعنوانها "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون". فى عام 1919 عاد طه حسين الى مصر وتم تعيينه أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية، وكانت جامعة أهلية، فلما ألحقت بالدولة عام 1925 عينته وزارة المعارف أستاذًا فيها للأدب العربي. فى عام 1928 عين عميدًا لكلية الآداب في الجامعة نفسها، لكنه لم يلبث في العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب تحت تأثير الضغط المعنوي والأدبي الذي مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذي كان منهم طه حسين. فى عام 1930 تم تعيينه عميدًا لكلية الآداب. وفى عام 1932 رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين مما أدى الى إصدار وزير المعارف لمرسومًا يقضي بنقله إلى وزارة المعارف، لكن رفض العميد تسلم منصبه الجديد فأحيل الى التقاعد. وفى عام 1934 أعيد طه حسين إلى الجامعة المصرية بصفة أستاذا للأدب، ثم في عام 1936 صار عميدًا لكلية الآداب. وبسبب خلافه مع حكومة محمد محمود، استقال من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى عام 1942. وفى عام 1942انتدب مراقبًا للثقافة في وزارة المعارف وعمل كمستشار فني للوزارة نفسها، كما تم تعيينه مديرًا لجامعة الإسكندرية حتى احيل على التقاعد في 1944. فى عام 1950 عين لاول مرة وزيرًا للمعارف في الحكومة الوفدية التي استمرت حتى 1952 حتى يوم إحراق القاهرة حيث تم حل الحكومة ثم انصرف إلى الإنتاج الفكري والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضوًا بها داخل مصر وخارجها. فى عام 1959 عاد طه حسين إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ، كما عاد إلى الصحافة، فتسلم رئاسة تحرير الجمهورية، وكانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها طه حسين حيث انصرف بعد ذلك وحتى وفاته الى الانتاج الفكري والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضوًا بها داخل مصر وخارجها، وظل طه حسين على جذريته بعد أن انصرف إلى الإنتاج الفكري، وظل يكتب في عهد الثورة المصرية، إلى أن توفي عبد الناصر، وقامت حرب أكتوبر التي توفي بعد قيامها في 28 أكتوبر من عام 1973. وقد شغلت الترجمة طه حسين في جميع مراحل حياته فقدم قبل البعثة في عام 1914 بالاشتراك مع محمود رمضان كتاب "الواجب" لجول سيمون في جزءين. ومنذ عودته من البعثة الفرنسية عام 1919 في السنوات الاولى بعد العودة من البعثة قدم طه حسين من الأعمال المترجمة "نظام الاثينيين" لارسطو طاليس، و"روح التربية" لجوستاف لوبون عام 1921 ثم "قصص تمثيلية" لفرنسوا دي كوريل وآخرين عام 1924. وما بين الثلاثينات والخمسينات قدم طه حسين في الترجمة "أندروماك" لراسين عام 1935، و"أنتيجون" سوفوكليس عام 1938 و"من الادب التمثيلي اليوناني" عام 1939، و"من الاساطير اليونانية" لأندريه جيد عام 1946 و"زاريج او القدر" لفولتير عام 1947، و"أوديب" سوفوكليس فى عام 1955. كما كتب طه حسين الكثير من الفصول والمقالات المتفرقة عن الآداب الاجنبية جمع بعضها في كتب وقدم عددًا من الكتب المترجمة ذات القيمة في المكتبة العربية بالاضافة الى ما كتبه في الدوريات عن كثير من الكتب المترجمة إلى اللغة العربية. فى عام 1925 قدم طه حسين "حديث الاربعاء" فى اجزائه الثلاثة ويتحدث فيه عن شعراء المجون والدعابة فى الدولتين الاموية والعباسية، وكتاب "على هامش السيرة" ويعتبر تنقية للمادة الاسلامية مما يتداخل معها من المواد الاخرى من العلوم والفنون وتبسيط هذه المادة بالقدر الذى لا يفقدها معناها. وفي عام 1926 ألف كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين. تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة، كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن. فعدل اسم كتابه إلى "في الأدب الجاهلي" وحذف منه المقاطع الأربعة التي اخذت عليه. أما رائعة "الايام" فقد كان لها أثر إبداعي من آثار العواصف التي أثارها كتابه "في الشعر الجاهلي" فقد بدأ في كتابتها بعد حوالي عام من بداية العاصفة كما لو كان يستعين على الحاضر بالماضي الذي يدفع إلى المستقبل، ويبدو أن حدة الهجوم عليه دفعته إلى استبطان حياة الصبا القاسية ووضعها موضع المساءلة ليستمد من معجزته الخاصة التي قاوم بها العمى والجهل في الماضي القدرة على مواجهة عواصف الحاضر. ترك طه حسين حين غادر هذه الحياة أكثر من ثلاثمائة وثمانين كتابًا من الكتب القيمة ونذكر لكم بعض مؤلفات طه حسين: "الأيام"، "المعذبون في الأرض"، "في الشعر الجاهلي"، "كلمات"، "نقد وإصلاح"، "من الادب التمثيلي اليوناني"، "طه حسين والمغرب العربي"، "دعاء الكروان"، "حديث الأربعاء"، "على هامش السيرة"، "ذكرى أبي العلاء" و"فلسفة ابن خلدون الاجتماعية". حاز طه حسين على مناصب وجوائز شتى منها تمثيلة مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بأيطاليا سنة 1960، وانتخابه عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، والأشراف على معهد الدراسات العربية العليا، واختياره عضوا محكما في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية وهي هيئة عالمية على غرار الهيئة السويدية التي تمنح جائزة بوزان. ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل، وفي سنة 1964 منحته جامعة الجزائر الدكتوراة الفخرية، ومثلها فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية سنة 1965؛ وفي السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفي عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراة الفخرية، وفي سنة 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي، ورشح من جديد لنيل جائزة نوبل، وأقامت منظمة الأونسكو الدولية في اورجواي حفلًا تكريميًا أدبيًا قل نظيره.و أيضا كان وزيرا للتربية والتعليم في مصر. كان طه حسين داعيًا قويًا إلى التجديد وذو إحساس وطني مرهف، عاشقًا لمصر ومدركًا لانتمائه للأمة العربية ومقدّرًا لانتماء البشر جميعًا للإنسانية، وعاش معلمًا ومحاضرًا ويكتب النقد والوصف والتراجم والأدب والمقالة والقصة وهو صاحب مدرسة ومنهج في النقد خاصة، وفي أدبه نوافذ على الآداب العالمية وخاصة اليوناني والفرنسي وفي نفس الوقت هو بعيد التأثر بهما.