كلما تذكرتها لا أتذكر غير ضوء الشمس على حقول الأرز وهو يشقها وهى تتمايل مع نسمات الهواء، لونها الزبرجدى الذى يميل إلى اصفرار كلما اشتد فى الأرض وعلا. رائحة الطين المغلفة بالماء محملة بعبق الحياة. صوت الأطفال وهم يلعبون. ............................................................. وسكون مغلف بالطمأنينة يملأ الشوارع مع صراخ طفل رضيع هنا أو ضحكة آخر هناك. وابتسامة تعلو الشفاه مغلفة بالفخر وأنت تسأل عليه فيقودك أحد المارة إلى منزله وكلما اقتربت تشم رائحة الخبز الذى يخرج من الفرن ساخنا مغلفا بالكرم. إنها «عين الحياة» بكفر الشيخ التى تزهو به، وإنه محمد الشهاوى الشاعر الكبير الذى اختارته الشارقة شخصية العام. محمد محمد الشهاوى شاعر أسس صرحا من شعر ببساطته الإنسانية وعمقه الشعرى والفلسفى العملاق. لقد أخلص محمد الشهاوى للشعر كما يخلص المؤمن الصادق لربه. فلم يغادر محراب الشعر منذ سبعين عاما ولم يغادر عين الحياة إلا للندوات داخل مصر وخارجها أو إلى اجتماعات المجلس الأعلى للثقافة، أو للطبيب. ولم يتوقف لحظة واحدة طوال حياته عن ممارسة الشعر عطاء وإبداعا. ويكفى أن نشير إلى إبداعه الشعرى والأدبى، فقد قدمت الهيئة العامة لقصور الثقافة الأعمال الشعرية الكاملة له عام 2013 فى ذكرى مولده الثالث والسبعين والتى ضمت ثمانية عشر ديوانا. منها: ثورة الشعر، قلت للشعر، مسافر فى الطوفان، إشراقات التوحد، أقاليم اللهب ومرايا القلب الاخضر، مكابدات المغنى والوتر، وغيرها كثير. يضاف إلى هذا دراساته الأدبية والنقدية مثل: صالح الشرنوبى النهر الذى أسكر العالم. أنور المعداوى الأسطورة والمأساة. محمد السيد شحاته شاعر البرارى. اضافة إلى سيرته الذاتية: محمد محمد الشهاوى زهرة اللوتس التى ترفض أن تهاجر.. يقول الشهاوى فى قصيدة له بعنوان: إشراقات التوحد: طفولة. على هيئة الطيرِ.. يصنعُ أشياءَه منذُ كان صغيرا وينفخُ فيها.. فَتَغْدُو طُيُورَا تُغَرِّدُ ليلَ نهارْ تُحلِقُ ليلَ نهارْ فكلُّ السُّويْعاتِ صارتْ لديها بُكُورَا وكلُّ الخيالاتِ.. صارتْ لديه طُيُورَا الشعرهذا الفن الجميل الذى نسيته مصر فى غمرة موضة المجد للرواية، يتألق الآن فى كل ربوع الوطن العربى بما يفعل من تهذيب الروح وتقوِيم النفس وحفظ اللغة فلا يشعر من تربى على الشعر بالعناء فى التعامل معها. الدول تكرم الشعر لتصنع لنفسها مكانة ثقافية وحضارية. بينما الساحة الإعلامية عندنا تهمل الشعر وتشارك فى حالة تهميشه تلك إلا قصيدة هنا أو هناك فى جرائد غير مقروءة وساعات مشاهدة فى قنوات لا يشاهدها الجمهور. وفى اللحظة التى يحتفى هذا الاعلام بالشعر فإنه يقدم للجمهور النماذج الهشة على أنها صوت مصر الشعرى، ومصر من هذا براء. فهى تزخر بالشعراء الحقيقيين المدفونين فى أرضها والذين شقوا طريقهم بشق الأنفس للوصول للمنابر العربية والعالمية. فمع انهيار التعليم انهار التراث وأصبحنا من الجهل بمكان. وأتحدى لو سألنا أحدًا من الطلاب فى مصر عن محمد الشهاوى فلن يعرفه أحد. ولكن الجميع يعلم اسم أى «راقصة» أو شاعر ضعيف يلعب على نغمة دغدغة المشاعر. ذلك أن الإلحاح الإعلامى الذى يصاحب كل مبتذل يجذب أكبر عدد من المشاهدين. ولا أقلل من قيمة الفن؛ ولكن لا يعجبنى الميزان الثقافى المعوج. تكريم محمد الشهاوى فى الإمارات تكريم مستحق لراهب أسس مدرسة شعرية فى كفر الشيخ فلا ينبغ أحد من الشعراء إلا ويأخذ جواز مروره من محمد الشهاوى شيخ الشعراء وعلَّامة عصره. ولا يتوقف هذا الشاعر العظيم عند هذا الحد بالنسبة للناشئة بل يظل يتعهدهم بالتوجيه والرعاية حتى يخرجوا فراشا مكتمل الجمال يسر الناظرين. ويمتد عطاؤه من كفر الشيخ إلى ربوع مصر كلها فيسعى إليه الشعراء الحقيقيون من كل فج عميق. فروحه أمٌ للجميع، وقلبُه دارٌ ودوارٌ.ويستطيع أيُّ مهتم بالشعر أن يحصل على معلومات عن ذلك الراهب فى محرابه بضغطة زر واحدة على جوجل ليستمع ويستمتع بعيون قصائده من مثل «المرأة الاستثناء» و»الخروج إلى المطلق»؛ فقد منحه الله فوق الموهبة عذوبة الإلقاء وتألقه الموصول بحبل السماء. وهو واحد من الشعراء القلائل الذين يعكفون على فنهم الشعرى، ويخلصون له، فيكتوون بناره، ويستعذبون لهيبه، يقول فى أحد حواراته: «أشعارى هى أنا فى جدلية إبداعية مع الكون...الشعر معركة. فقط أنا أكتبنى، والشعر فى نظرى صدق يحيل القصيدة إلى كلمة الفطرة». تحية للإمارات التى كرمت لؤلؤتنا محمد الشهاوى؛ فما قدمه للشباب فى بلده مجهود لا تستطيعه وزارات كاملة تحارب الإرهاب. إنه يحارب بخلق مناخ ثقافى فاعل ومحب دون ضجيج. لقد بنى مع الشعر صرحا من فكر؛ وتكفى رسائل الدكتوراه والماجستير الذى قدِّمت عنه لتعرفوا كيف أثرى مصر إنه «الكنز»؛ وكم ذا فى مصر من كنوز! أهم الجوائز التى حصل عليها جائزة مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعرى سنة 1996، وجائزة أندلسية عام 2000، وجائزة جمعية الأدباء عام 2003، وجائزة التميز من اتحاد كتاب مصر عام 2007، وآخرها جائزة كافافيس العالمية 2017. وترجمت بعض أشعاره إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصربية سمو الأمير سلطان القاسمى حاكم الشارقة يكرم شاعر مصر الكبير محمد الشهاوى فى مهرجان الشارقة للشعر العربى السابع عشر ويختاره شخصية هذا العام. ويحتفى به وسط الجمهور ويتأبط ذراعه حتى المسرح. وسط أجواء من المحبة والتقدير