فى مستشفى العبور بكفر الشيخ، يرقد الآن شاعر مصري يصارع المرض، يحمل على كتفه النحيل 77 ربيعا من التوحد والوجد والعطاء الاستثنائي، إنه شاعر مصر محمد محمد الشهاوي، الذى ولد عام 1940 بقرية عين الحياة بكفر الشيخ، ولم يتركها سوى إلى سريره الأبيض مثل قلبه بالمستشفى. الشهاوي ليس شاعرا متميزا فقط، بل هو أستاذ لأجيال عديدة ساهم في دعم موهبتها وتقديمها للحياة الأدبية، أسس هو ورفيقه الراحل محمد عفيفي مطر، مجلة "سنابل" 1969-1972، وهى أول مجلة أدبية خارج القاهرة، وتقرر إغلاقها بقرار سيادي عقب نشرها قصيدة "الكعكة الحجرية" لأمل دنقل. وهب الشهاوي نفسه للشعر وتوحد معه حتى صار كائنا شعريا، وامتلك قدرة فائقة من الوجد لم يصلها غيره من أقرانه في الشعر المصري المعاصر، ظل ممسكا بملامح الريفي الصوفى البريء. اُخْرُجْ من ذاتِكَ تَظْهرْ وابعُدْ عن نفسِك تَكْبُرْ وتَخَطَّى الحدَّ الفاصلَ ما بين العَرَضِ وبين الجوهرْ فإذا ما اجْتَزتَ الهُوَّةْ واتَّحَدَتْ فيكَ القُوَّةْ واتَّسَقَ المَخْبَرُ والمَظْهَرْ فهنالك أرْضُكَ تُثْمِرْ وسماؤكَ ليلًا أبدا تُقْمِرْ وهنالك تأتيكَ جميعُ الأسماءْ وهنالك يَصْفو النَبْعُ ويَحْلو الماءْ وتُدَاعِبُ كَفُّ القُدْرَةِ وَجْهَ الصَحَراءْ وهنالك لا تُغْلَبُ أو تُقْهَرْ يمثل محمد الشهاوي ظاهرة شعرية متفردة من حيث اتكائه الدائم على إرث صوفي مبهر ومفردات ملهمة وشديدة الخصوصية: في فِجَاج السِّر أو في العلنِ رَعَويٌّ في المَواجِيد نَشَا أيُّها الوجد الذي يملؤني منذ أن كنتُ صبيا دَهَشَا لي حبيبٌ حُبُّهُ يأخُذُني أبدًا منِّي إلى حيثُ يَشَا ورغم حصوله على العديد من الجوائز ومنها الجائزة الأولى لأفضل قصيدة 1996 من مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، والجائزة الأولى لأفضل ديوان شعر سنة 2000 "مؤسسة أندلسية" عن ديوان "إشراقات التوحد"والجائزة الأولى لأفضل ديوان شعر 2004 "جمعية الأدباء" عن ديوان "مكابدات المغني والوتر" وجائزة التميز (كُبرَى جوائز اتحاد الكتاب) 1997 إلا أن جوائز الدولة التقديرية لم تشرف حتى الآن باسم الشهاوي. وكانت رحلة المسافر في الطوفان قد بدأت في عام 1962 بديوان ثورة الشعر ثم توالت الأعمال وهى "قلتُ للشعر 1972، مسافر في الطوفان 1985، زهرة اللوتس ترفض أن تهاجر 1992، إشراقات التوحد 2000، أعادت مكتبة الأسرة طبعه سنة 2003، أقاليم اللهب ومرايا القلب الأخضر 2001، مكابدات المغني والوتر 2003، قصائد مختارة، إصدارات دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة 2005. وتظل قصيدة "المرأة الاستثناء" واحدة من عيون الشعر العربي المعاصر، ويبقى محمد الشهاوي شاعرا استثنائيا بما قدمه للقصيدة وما بذله من عمر من أجل الشعر والشعراء، متعك الله بالصحة يا سيدى المسافر في طوفان وعينا ووجدنا. ويا سيدى الوجدَ إن لنا موعدًا عقدته العيونُ ووثَّقهُ الصمتُ والصمت أصدق قيلا أحبك يا سيدى الوجدَ يا ذا الخليل الذى.. لم يمل الخليلا. أحبكَ.. فاكتب إلى العمر أغنيتى علهُ.. رحمةً بالمحبين ألا يزولا هى امرأةٌ تشبه المستحيلا هى امرأةٌ.. قد تفرغت المعجزاتُ لتشكيلها والمقاديرُ.. دهراً طويلا هى امرأةٌ.. وجميع النساءْ سواها ادعاءْ لها البحر من قبل بلقيس عرشٌ وكل المياه إماء.. يخاصرها الموجُ فى نهمٍ ممعناً فى الصبابة جيلاً.. فجيلا أقايضها.. بدمى.. وجميع دفاتر شعرى.. مقابلَ.. أن أتريض عبر فراديس أبْهائها أن أجوس خلال أقاليم لألائها أن أسوح بأغوار أغوار آلائها.. أو أجولا أقايضها بدمى.. وجميع دفاتر شعرى مقابل أن أتملى مفاتنها بكرةً وأصيلا هى امرأةٌ ملء أعطافها عبقٌ يستدل عليها به من يود الدليلا هى امرأة تشبه المستحيلا هى امرأة.. ليس لى أن أسميها أو أكَّني لطلعتها القلب.. يرقص حينا وحينًا يغني وهْىَ من لا يشابهها غيرها إن أردت المثيلا هى امرأة تشبه المستحيلا هى امرأة تشبه المستحيلا