لن أنسى أبدا ما قاله لى شيخ الإذاعيين والإعلامى الكبير فهمى عمر رئيس الإذاعة الأسبق إن أى صوت من الأصوات الهزيلة التى نسمعها تغنى فى بعض الفضائيات والقنوات التليفزيونية كان لا يستطيع أن يمر من شارع الشريفين حيث توجد الإذاعة المصرية أو يقترب من مبناها العريق خشية أن يشاهده الموسيقار «الشجاعى» مراقب عام الموسيقى والغناء الذى تحققت فى عهده أكبر نهضة غنائية فى مصر والوطن العربى وكانت القاهرة منارة الغناء التى يسعى إليها كل صوت عربى واعد لينطلق من إذاعتها ويحصل على جواز مروره الوحيد لعالم الشهرة والمجد الغنائى وكانت الإذاعة تضم لجنتين: لجنة النصوص ويشرف عليها نخبة من كبار الشعراء وتتلقى الأغانى والأناشيد التى تصل إليها من كافة المحافظات وتجيز الصالح منها وترفض غير الصالح وتطلب تعديل البعض الآخر، ولجنة الاستماع ويشرف عليها نخبة من كبار الملحنين وتراجع الألحان التى تم تسجيلها وقد تعيد اللحن لعيوب هندسية أو ترفض الصوت وتعطيه فرصة أخرى أو ترفضه وتطلب منه أن يبحث لنفسه عن مهنة أخرى غير الغناء، واستمرت اللجنتان فى أداء دورهما للإرتقاء بالغناء وظهر من خلالهما كبار نجوم الغناء رجالا ً ونساءً مثل سيدة الغناء أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة وشادية وعبدالمطلب والعزبى ورشدى وغيرهم الذين نستمع إليهم منذ ثورة يوليو 52 وحتى بعد إنتصار أكتوبر بسنوات الذين صنعوا لنا زمن الفن الجميل، ثم توقف هذه اللجان ودخلت الأغنية مجال التجارة مثل أى سلعة أخرى وظهرت شركات الكاسيت والفيديو كليب والتسجيلات الخاصة التى يهدف أصحابها إلى الكسب السريع على حساب الإرتقاء بالفن الغنائى. وتوقفت مراقبات الموسيقى والغناء وشركة صوت القاهرة التى كانت متخصصة فى إنتاج أغانى أم كلثوم وكبار المطربين والمطربات وظهرت أغانى الإهداء التى تقدمها بعض الجهات للإذاعة والتليفزيون بعد أن كانت هذه الهدايا تراجع من خلال لجنتى النصوص والاستماع ولا يسمح بإذاعتها إلا بعد مراجعتها من هاتين الجهتين وموافقة رئيس الإذاعة ورئيس التليفزيون كمطلب أول، وفشلت جميع جهود الشركات الخاصة المنتجة لهذه الأغانى فى أن تتسلل لهذين الجهازين الكبيرين. لذا أصبح من الضرورى الآن إحياء مراقبات الموسيقى والغناء فى كل من الإذاعة والتليفزيون وصوت القاهرة لمواصلة دورها من جديد فى الارتقاء بالأغنية خاصة إحياء ما كان يسمى بمختارات الإذاعة التى ظهرت من خلالها روائع الأغانى وأجملها خاصة القصائد الشعرية التى تغنت بها أم كلثوم مثل وقف الخلق وعبدالحليم (رسالة من تحت الماء) وأظن بيديه للفنانة نجاة وحرمنا من مثل هذه الروائع منذ زمن طويل وظهرت بدلا ً منها الأغانى الهزيلة التى تطاردنا ليل نهار وهو ما أشار إليه أكثر من مرة الشاعر المبدع والصديق العزيز فاروق جويدة فى بابه اليومى ومقال الجمعة، فهل يعود إلينا زمن «الشجاعى» من جديد ويخلص الاغنية من حالة الوهن التى تعيشها الآن. لمزيد من مقالات مصطفى الضمرانى