ما أدركته مصر ولم تدركه غيرها ومن ثم نجحت وفشل الآخرون فى ملف مكافحة الإرهاب، أنه ليست هناك مسافات فاصلة بين الجماعات المتطرفة بشأن طبيعة التعاطى مع الواقع، فجميعها وفى مقدمتها جماعة الإخوان اتفقت على ضرورة استغلال المتغيرات الإقليمية والعربية منذ عام 2011 للتآزر فى مواجهة الدولة ومؤسساتها. هذا التحالف الذى جمع بين جماعة الإخوان وما فرخته من تنظيمات تكفيرية مسلحة وصولًا للقاعدة وداعش ليس وليد اللحظة، فقبل عام 2011 وعلى مدى عقود منذ السبعينيات من القرن الماضي، والإخوان تجد أنه من الضرورى تدعيم نشاطها الذى يهدف للسيطرة الأبدية على السلطة، بممارسات من سماهم أحد منظرى الجماعة خلال مؤتمر عقد فى بداية التسعينيات فصائل الأنياب والأظافر، وهو ما وضح فى تفاصيل مختلف الأحداث والوقائع منذ بداية السبعينيات، لكنه فقط صار أكثر متانة ووضوحًا خلال الأعوام الماضية وخاصة بعد عزل جماعة الإخوان عن السلطة فى يونيو 2013. مع الفوضى التى رعتها وغذتها قوى خارجية بداية من أحداث 28 يناير 2011، تمكنت تنظيمات تكفيرية مسلحة بالتعاون والتنسيق مع أجهزة وكيانات خارجية من تهريب قيادات الإخوان من السجون، وحرصت الجماعة على رد الجميل فأخرجت كل قيادات الجماعات التكفيرية المسلحة من السجون عبر عفو رئاسى من المعزول محمد مرسي، وتعهدت بمنحهم السيطرة على سيناء، فى سياق تحالف إستراتيجى وجدته الجماعة لازمًا كورقة قوة فى يدها ضد الدولة ومؤسساتها وفى مواجهة التيارات السياسية والفكرية على الساحة. لكى نفهم كيف دحرت الدولة المصرية أكبر وأشرس تحالف إرهابى خلال السنوات القليلة الماضية، نلفت للكيفية التى كانت تلعب بها جماعة الإخوان قبل ذلك وهو ما مد فى عمر الإرهاب ومنع من القضاء عليه بشكل نهائي؛ فالجماعة الأم والحاضنة لمختلف الفصائل الإرهابية اعتمدت على خطة صرف طاقات الدولة فى جهود الحد من خطر التنظيمات المسلحة الأخرى التى تعلن بلا مواربة تبنيها المواجهة الشاملة، فيمَ تظهر جماعة الإخوان كما لو كانت منفصلة عن هذا السياق بمشروع مرحلى يتمدد ببطء ودأب فى مجالات التعليم والثقافة والسياسة والاقتصاد، ضمن مخطط تبادل الأدوار بحيث تسهم الفصائل المسلحة المعلنة فى إضعاف مؤسسات الدولة بينمَا تطرح جماعة الإخوان نموذجها البديل. ولم تتوقف جماعة الإخوان فى مرحلة من المراحل عن الزعم بأنها قادرة على إنهاء الإرهاب ووقف عملياته، وأنه إذا تم قبولها فى المشهد فستتمكن من احتوائه، سواء بوقف التحريض والتمويل أو بإعطاء إشارة لحلفائها ممولى تلك التنظيمات بأن يوقفوا الدعم. وظلت تمارس هذه اللعبة عبر بيانات مخادعة تزعم أنها سلمية ومعتدلة، على الرغم من أن التعاون والتنسيق الميدانى بين الإخوان والتنظيمات التكفيرية المسلحة هو ما أثمر تنفيذ عمليات إرهابية كبرى كتفجير مديريتى أمن الدقهلية والقاهرة فى عام 2013 وحادث كمين الفرافرة فى يوليو 2014 وهجوم الواحات فى عام 2017. اعترف بهذا أخيرًا حتى على من كان لديهم تصورات حالمة ووهمية بشأن جماعة الإخوان، ففى وثائق السى آى إيه التى أزيلت عنها صفة السرية مؤخرًا بعنوان «بناء قواعد الدعم»، تلميح إلى أن من ينتمون للإخوان موزعون على أربع وعشرين جماعة متطرفة وهى الجماعات الجهادية الموجودة على الساحة فى ذلك الوقت، وهو توصيف دقيق لتكتيك عمل جماعة الإخوان الرئيسى منذ بداية نشأتها إلى اليوم سواء فى الحالة المصرية أو غيرها. ما أنجزته مصر خلال الأعوام القليلة الماضية بشأن مكافحة الإرهاب يتمثل فى تفكيك وتقويض نشاط هذا التحالف الإرهابى الشرس الذى عمل بشكل مباشر بعد يناير 2011 لخدمة الأطماع القطرية التركية بهدف إسقاط مؤسسات الدولة المصرية واستنزاف الجيش المصرى والأجهزة الأمنية وفرض جماعة الإخوان كلاعب فى المشهد السياسى فى مجمل البلاد العربية. ثانيًا: حجمت مصر أدوار تركيا وقطر بحرمانهما من الورقة التى سعوا للضغط بها على الواقع العربي، الأمر الذى يعكس الخسارة الكبيرة للإرهاب ومموليه بالمنطقة العربية، بداية من التصدى فى عام 2013، وحتى التتويج بالعملية الشاملة فى 2018. ثالثًا: أنهت مصر بحربها الشاملة ضد الإرهاب لعبة الإخوان القديمة وفضحت مناوراتها وخدعها؛ فالدولة المصرية امتلكت القدرة على حسم المعركة ضد الإرهاب بسواعد أبنائها فى الجيش والشرطة وبتضامن المصريين، فالإرهاب ملة واحدة وجميع فصائل التطرف والتكفير خرجت من رحم الجماعة الأم، والوقائع التاريخية وما جرى منذ 2011 إلى اليوم دال على مدى ارتباط الإخوان العضوى وتعاونها مع غيرها من الجماعات، لذا لم تترك الدولة المصرية مجالًا ومساحة تنفذ منها جماعة تزعم أنها مختلفة وأنها قادرة على التحكم فى بقية الفصائل. لمزيد من مقالات هشام النجار