أواخر الثمانينيات، تغلغلت شركات توظيف الأموال، كأفعى فى حيوات الناس.. كان لها بنية ظاهرية شبه مشروعة، بينما تسترت وراءها.. تسللت عبر بوابات كان منها الإعلام والإعلان، وشبكات من العلاقات اتسمت بأسماء تحظى بالوجاهة الاجتماعية.. منهم نجوم وأصحاب أعمال وعاملون بالدولة بل وأساتذة جامعات، وكانوا جميعا مجرد وسائل لخلق نوع من المشروعية لامتصاص الاقتصاد، وهو ما أحدث الكارثة التى عشناها لعقود. لكن المهم أن الزحف الفاسد، لم يقتصر لامتصاص البسطاء، على المتعارف عليه أو البسيط من وسائل الدعاية، والإعلان بل كان أهم وأقوى ما استخدمته من أسلحة هو اللقطة أو الصورة.. أدركت شركات توظيف الأموال، وقد احتوى أداؤها على مفاسد ومناوئة للقانون، قيمة توظيف اللقطة مع كبار القوم، من مسئولين ووجهاء المجتمع، كى تغزو عقر جيوب الناس العادية. فهمت وعرفت شركات توظيف الأعمال كيف أن ترويج صورة تجمع بين مؤسسيها وأى وزير أو صحفى كبير أو شخصية لها مصداقيتها، يكسبها نوعا من المشروعية الظاهرية على الأقل، وأنها تكتسب أرضا جديدة فى عقول المتلقين لهذه الرسائل. نستطيع فى السياق نفسه، سياق تصور البعض، أن اللقطة فى حضرة مسئول ومع مسئول، ربما تحمى من المساءلة القانونية، أن نتكلم عن مسئولين كبار فى درجة وزراء ومحافظين ورؤساء أحياء، كانت لهم لقطاتهم وتجلياتهم الإعلامية على وسائط التواصل الاجتماعى واليوتيوب، وغيرهما، ومع ذلك لما تبين لأجهزة الرقابة، أن أداءهم معوج، ونشاطهم يشوبه فساد يعاقب عليه القانون، لم تستطع صورهم ولقطاتهم مع المسئولين، أن تعفيهم من المحاسبة وتلقى العقاب القانوني. المشكلة أن بعضا من ذوى النفوس الضعيفة، مازالوا يجدون ضالتهم فى وهن الحالة الاقتصادية لأهالينا من بسطاء الأقاليم.. لهم واجهات مؤسساتية تبدو مشروعة وفى الثنايا تكمن الشياطين. روى لى أحدهم، وقد عمل فى وظيفة رقابية، أن العوز والحاجة تفضى بعشرات من بسطاء الناس إلى أفخاخ فئة، تقوم بأدوار البنوك، فئة أنشأت نظاما اقتصاديا خاصا بها، دونما أى سند قانوني.. تقرض وتحدد فوائد ونسب غرامات، وكأنها بنك بلا ترخيص، وأن الغلابة المضطرين للتعامل مع هذه الفئة فى معظم الأحوال لا يتبينون على وجه الدقة تفاصيل ما يوقعون عليه من أوراق، لان الخمسة آلاف جنيه أو العشرة آلاف جنيه التى يضطر فقير الى اقتراضها، تكون بمثابة طوق نجاة فى لحظة غرق.. وحتى لو حدث وأدركوا فى لحظة أنهم وقعوا فى يد من لا يرحمهم، يحول الخوف والشعور بالضعف، بينهم وبين اللجوء إلى حماية الدولة، فهناك أنواع من الضغوط وصنوف من الاستقواء، قد تبلغ حد طرد الضعيف، أو التهديد بإخراجه من بيته ومكانه لو اشتكي، ويمكن لنا أن نتخيل، حجم وتأثير دور التواطؤات الضمنية، حتى من أفراد تابعين لجهات فى أجهزة حكومية، مع من يتصورون أنهم يملكون حصانة الصورة! تصور معى فقيرا، لا يملك من حطام الدنيا، الا سعيا يوميا للقوت.. لا سند من مال أو وعي، يعانى شظفا وضيقا، يلوح له من يقرضه المونة. قرض يكون ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، ليكتشف بعد فوات الأوان، أن شركا أوقع به.. هل يمكن لمن لا حول له، أن يواجه هؤلاء المهيمنين بعلاقاتهم المحلية المتوطنة، وتلك الجرأة السافرة التى يتمتعون بها، وخاصة فى محيط بعيد عن العاصمة، حيث السلام على مسئول واستقبال مسئول، لها سلطانها القاهر، ولو ظاهريا، على أناس لا يملكون إلا الستر. المدهش فعليا أن يستمر للفساد أوجه وممارسات، مع كل هذا التساقط اليومى لفاسدين، وفى دولة لا يترك رئيسها مناسبة إلا ويعلن وبمنتهى الصراحة أنه لاحماية لفساد، أيا كان موقع الفاسد.. من أين يأتى الفاسدون بكل هذه الجرأة؟. أعتقد أن زمن اكتساب الحصانة بالصورة واللقطة، قد ولى والدليل توالى تساقط الفاسدين كل يوم. وعلى الذين تعكر أنشطتهم أنواع من استغلال للفقراء، أن يدركوا أن هناك الآن دولة، على رأس اهتماماتها، هؤلاء البسطاء الذين يروعونهم وأنه، لا العمل بالإعلام يعطى حصانة، ولا لقطات مصافحة المسئولين لمقار الأنشطة، ولا الترهيب المقنع يعطى حصانة. ولى زمن استبدال الدولة بالأشخاص والحكم على أى نشاط، محكه هو القانون وكله إلا ترويع البسطاء الساعين إلى الرزق الحلال. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى