قبل عيد الأضحى بأيام قليلة كنت أتحدث هاتفيا مع مسئول حكومى بارز خدم فى مواقع اقتصادية قبل وبعد الثورة. المحور الرئيسى لحديث المسئول هو أن البلد مقبلة على كارثة اقتصادية رهيبة وأنه يستعجب من عدم وجود فزع فى الدولة لمواجهة هذه «المصيبة المقبلة» على حد تعبيره.
المسئول الذى صار سابقا ويعرف تفاصيل الاقتصاد المصرى بدقة بالغة تحدث بالأرقام منتهيا إلى خلاصة أنه إذا لم تقع معجزة ويبدأ التغيير الشامل وليس الإصلاح فقط، فإنه لا يستبعد شبح الإفلاس وعجز الدولة عن صرف رواتب الموظفين خلال شهور.
بعد العيد مباشرة تحدثت مع مسئول اقتصادى آخر محسوب على معسكر الثورة، ونقل لى نفس الصورة السوداوية لكن بكلمات وتعبيرات مهذبة لا تغير من واقع الأمر شيئا.
ومنذ أسبوع التقيت خبيرا اقتصاديا لامعا خدم فى مواقع كثيرة وعرف عنه الحيدة والنزاهة والوطنية، الرجل قال لى إن أكثر ما يدهشه هو عدم دهشة أهل الحكم من الأزمات المستحكمة التى نعيشها. أضاف هذا الخبير أنه عندما يتحدث إلى بعض أعضاء الحكومة عن التحديات الصعبة والمستقبل الأكثر صعوبة فإنه لا يرى حتى مجرد اهتزاز أو تحرك رموش أو جفون وكأن الأمر يتعلق بموزمبيق أو بيرو.
سألت الخبير عن تفسيره لهذه اللامبالاة فقال إنه ربما غياب فى إدراك المسئولين لحقيقة الأزمة التى نعيشها، أو أنهم يدركون الأزمة لكن لا يعرفون كيفية حلها، أو يعرفون الحل ولا يملكون الوسائل لذلك.
والاحتمال الأخير وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا أن أهل الحكم يعرفون المشكلة وطرق علاجها لكن ثمن هذا العلاج مؤلم جدا بحيث لا يستطيعون اتخاذ القرار الذى يشبه حسب تعبيره إقرارا من أهل مريض بإجراء عملية جراحية نسب النجاح فيها تقل عن ثلاثين فى المائة.
الأزمة التى نعيشها يدركها كل من يكتوون بنارها كل يوم.
السياحة مضروبة، والمطالب الاجتماعية تتصاعد من دون وجود أموال لتغطية هذا البند، وعجز الموازنة يتفاقم.
الحكومة ترى فى قرض صندوق النقد الدولى طوق نجاة من هذه الأزمة حتى لو كان مؤقتا والصندوق من جهته لديه روشتة الأرجح أنها ستقود لموجة من ارتفاع الأسعار.
الحكومة تقسم كل يوم أنها مع الفقراء، لكن المواطن البسيط يكتشف كل يوم أن الأسعار تزيد، وفاتورة الكهرباء صارت تصعق دخله، وهو يصدق الواقع وليس الكلام.
لدى الحكومة خياران: أن تضغط على الفقراء أو على الأغنياء؟!.
هى تراهن على دعم رجال الأعمال لكى يستثمروا ويوظفوا عاطلين، وبعدها ربما تتساقط ثمار النمو على الفقراء، ولذلك فالضغط على هذه الفئة القادرة سيعرقل الاستثمارات. أو تضغط على الفقراء بالطريقة التقليدية بخصم الضرائب من المنبع.
حتى هذه اللحظة لم تحسم الحكومة خيارها بصورة واضحة، تعلن عن إلغاء دعم بنزين 95 لكى تؤكد أنها مع الفقراء لكنها تنسى أن هذا الصنف لا يوفر أكثر من 55 مليون جنيه فى حين أن العجز 135 مليار جنيه ومرشح للوصول إلى 170 مليارا ربما.
هل هناك بديل ثالث أمام الحكومة؟!.
يقول البعض إنها إذا وصلت إلى توافق حقيقى مع كل القوى السياسية فى المجتمع وأنجزت دستورا يحظى بالتوافق وحاربت الفساد فعلا فربما تكون هناك فرصة لإقناع المستثمرين الجادين فى الداخل والخارج على بدء العمل، وإذا تمكنت من ضبط الأمن وعادت السياحة فربما تبدأ العجلة فى الدوران. الشرط الوحيد ألا يتحمل الفقراء المسئولية الأكبر فى هذه الفاتورة، والسبب أنهم لم يعد لديهم ما يخسرونه والأهم أن زمن سكوتهم قد ولى.