أن تكون فى سوهاج ولا تزور أخميم لا يعتد بًسفرتك.. أخميم ونسيجها، تاريخ طويل. لكن الذى توقفت عنده فى أخميم، مؤخرا، وهالنى هو العثور على نسخة، تقترب من شيلوك، تاجر البندقية، الشكسبيرى الذى يقرض فقراء الناس، ويسترد ما أقرض أضعافا مضاعفة. كان يوم جمعة حين زرت أخميم .. رحت أفتش مع السيد الكريم الذى رافقنى عن منفذ لبيع نسيج أخميمى فى منطقة الكوثر التى تم فيها عام 2008 بناء عدد من البيوت لنساجى أخميم، بمعونة كندية. كان المكان آويا إلى الراحة، البيوت مغلقة، ولا شيء يوحى ببيع أو شراء، حتى البيت الشهير، المعروف ببيت الخطيب. كنت مصرة، واصطبر مرافقى حتى وجدنا بيتا، كان بابه مفتوحا، كاشفا عن نول ضخم للنسيج. حين دخلنا كان هناك رجل يقترب من الخمسين وسيدة عرفت أنها أمه. بينما الأم تنهى بعض الرتوش فى قطعة النسيج، وأنا أسأل الرجل الطيب عن أحوال البيع والشراء، أطال فى إطراقة غارقة فى كمد. حين الححت فى السؤال، مواربة لباب أنه كل مشكلة ولها حل، روى لى الرجل الطيب حكاية عن شيلوك أخميم . قال إن أحد أبناء المكان المتعلمين، يعمل فى قناة تليفزيونية إقليمية قد أسس مؤسسة مكونة من أفراد أسرته، تحمل اسم الجدود، وأن هذا الرجل قد أقرضه عشرة آلاف جنيه، ليشترى خيوط غزل، على أن يسددها على عشرة أقساط، كل قسط نحو1140 جنيها وأنه التزم بالسداد، و بلغ ما سدده 5700، جنيه حتى جاء شهر كان أول أيامه موافقا لعيد الأضحي، ولذلك تأخر يومين اثنين بالعدد، ولما راح ليسدد القسط، رفض صاحب المؤسسة تسلم القسط، رغم كل المحاولات وفوجئ النساج الفقير بعد ذلك بقضية ومحضر من المحكمة وحكم يلزمه بتسديد التالي: ثلاثة آلاف جنيه أتعاب محاماة وستة آلاف غرامة تأخير و 5700 باقى القرض. لم يتسلم النساج، الذى لا يقرأ ولا يكتب، عند الاتفاق على القرض أى أوراق أو عقود، لكن ورقة حكم المحكمة كشفت أن السيد الذى أقرضه، قد ضمن العقد، الذى قدمه للمحكمة، نصا يشير إلى غرامة عن كل يوم تأخير مقدارها خمسون جنيها!. جاءنى النساج بأوراق الحكم وقال إنه استمات ليجمع المبلغ الذى حكمت به المحكمة وذهب به إلى الشرطة وهناك اشترطوا عليه أن يذهب به إلى السيد الذى صدر الحكم لصالحه لينهى الموضوع. راح النساج ودفع الى السيد، لكن السيد أخذ المبلغ ولم يعطه مخالصة تفيد الدفع ولا إيصالات، بل إن السيد يلوح من فترة إلى أخرى بإيصال أمانة أخذه على زوجة النساج بقيمة خمسة وثلاثين الف جنيه. لم أكن لأصدق النساج لولا ما أظهره من أوراق ثبوتية. بمعاونة زميل معد فى برنامج توك شو، وصلت الواقعة الى وزارة التضامن، التى تحركت بسرعة وأرسلت وكيلها فى سوهاج، وتأكد وكيل الوزارة من الوقائع و جيء بالسيد الذى يبدو أن جعبته لا تخل من طباع شيلوك والذى كان رد فعله هو توجيه ما يشبه التهديد إلى النساج، وحين تأكد أن النساج لم يعد وحيدا، وأن وكيل وزارة التضامن جادا، جاء السيد بالمخالصة، وقال للنساج: هو مش اتحايلت عليك تأخذ الايصالات! اعتبرت أن الحكاية كده خلصت، لكنها ليست كذلك لأن حربا أخرى قد بدأت، حرب انتقامية بتطفيش الزبائن من النساج الأرزقي. السؤال: السيد الذى يقرض بفائدة يومية خمسين جنيها وله مؤسسة مشهرة ومعلنة ويعمل فى قناة تليفزيونية ويستقوى بعلاقاته الناجمة عن هذا العمل، هل يخضع لأى نوع من الاشراف المالى للدولة؟ وهل يحق له قانونا الإقراض بمثل هذا المعدل؟ و ماهو موقف وزارة التضامن الاجتماعى وما علاقتها بهؤلاء المنتجين الفقراء؟. لم يطمئن النساج ولا أفصح إلا حين رحت أقسم له أن أحدا ليس فوق القانون، وأن هناك وزراء و محافظين يحاكمون لفسادهم.. صدفة كانت مسئولة عن استعادة النساج جزءا من حقه، لكن الصدفة لن تؤمنه وأمثاله، فواقعته ليست الوحيدة فى أخميم، لكن النساجين ظهرهم إلى الحائط، ما لم تتدخل أجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة التضامن وأجهزة الرقابة المالية.. ترى كم شيلوك، يستقوى ويمتص، ولم تكشفه الصدفة؟. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى