وهل هناك أروع من "الاستعداد للآخرة".. ذلك العلم الذى لا يحظى باهتمام كافٍ به، ويكادُ يندثر بين البشر، بعد أن صار شغلهم الشاغل تحصيل الدنيا وعلومها الرديئة، بينما تسيطر عليهم الغفلة، فيما يتعلق بعلوم الآخرة، برغم أنها أول ما نزل به الوحي، وبدأ به الأنبياء والرسل، وحرصوا على نشره بين الناس؟. لقد قال تعالى: "وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ".(الضحى: 4). وقد تباين المفسرون في تفسير معنى "الآخِرَةِ" هنا، فمنهم من قال إن المقصود بها الدار الآخرة، وزاد بعضهم فقال إنها تعنى كل ما يستقبل الرسول من الحياة، بدليل أنها جاءت مقابل الأولى، ولم تأت مقابل الدنيا، فكان المعنى أن كل ما يأتي في مُستقبل عمرك؛ خير لك، أيها الرسول، مما مضى (الأولى). والواقع أن تلك بشرى عظيمة لكل سائر إلى الله تعالى. لقد قال العلماء إن أَجَلَّ العلوم هو الذي يقرِّبُ من الله، ويُعين المرء على تقواه. ومن هنا يستند علم الاستعداد للآخرة إلى عمل القلب بالأساس، وامتلائه بخشية الله، مع جهاد النفس، بطرق ووسائل عدة، أبرزها: الإقبال على كتاب الله: علمًا وتدبرًا وعملًا، والحفاظ على الصلوات، وقيام الليل، وكثرة الذكر، وأداء طاعة كل وقت، وفرضه، وحقه. قال تعالى: "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ".(197البقرة). يستعد المرءُ لأيِّ سفر بالزاد، وزادُ المسافر إلى الآخرة هو تقوى الله، فإذا قدَّم زادًا كافيًا ليومه المنتظر؛ كفى نفسه مؤنة الجوع والعطش، وكذلك التقوى تكفيه شرَّ يوم القيامة في الآخرة. أشرف ما يقطع به المرء عمره فيه هو العلم بالله، لذلك قال العلماء: "من شغل نفسه بأدنى العلوم، وترك أعلاها، وهو يقدر عليه، كان كمن يغرس الأثْلَ والسِدرَ في الأرض التي يزكو فيها الزيتونُ، والرمانُ". ويكفى فى بيان مكانة علم الاستعداد للآخرة، أنه الزاد المبلغ ليوم الميعاد، والمحدد لوجهة الإنسان فى الدنيا، ودرجته ومصيره فى الآخرة، قال تعالى: "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ". (الشورى: 7). وقال: "وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ". (البقرة:281). وقال: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ".(القصص:77). قال علي بن أبي طالب، رضى الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبِرة، وارتحلت الآخرة مقبلِة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فاليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل". إن تحصيل علوم الدار الآخرة، بفقه كلام الله تعالى، وصحيح سُنّة النبي، صلى الله عليه وسلم؛ فريضة. قال تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ".(محمد: 19). وقال رسوله، صلى الله عليه وسلم: "الدُّنيَا مَلعُونَةٌ، مَلعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكرُ اللَّهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوَ مُتَعَلِّمٌ". (رواه الترمذي وحسنه، والألباني في "الصحيحة"). والأمر هكذا، يمثل علم الاستعداد للآخرة طريق النجاة من عذابها.. جعلنا الله، من أبناء الآخرة السعداء، الفائزين بجِنانها، الناجين من أهوالِها. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد