صدرت مؤخراً للكاتب هانى عبد المريد رواية «محاولة الإيقاع بشبح» (2018). وعبد المريد كاتب شاب نسبياً, إذ هو فى منتصف الحلقة الخامسة, لكنه قاص وروائى متحقق حصل على الكثير من الجوائز, منها جائزة ساويرس فى الرواية 2009, وفى القصة القصيرة 2013, والجائزة المركزية لوزارة الثقافة فى القصة القصيرة 2002, وفى الرواية 2007, كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الرواية 2017. وتنتمى روايته الأخيرة «محاولة الإيقاع بشبح» إلى طائفة من الكتابات, أكثر انتشاراً فى الشعر منها فى الرواية والقصة, تتحدث عن قوة الكلمة وقدرتها على البعث والإحياء, أو التغيير باستخدام تعبير أكثر تواضعاً. هذا الإيمان بما تستطيع الكلمات أن تفعله نجده أكثر ما نجده فى شعر الخمسينيات وأوائل الستينيات فى مصر, سواء فى الفصحى أو العامية, ونجد مرادفاً له فى تراث القص: فى حكايات شهرزاد التى أنقذت أعناق جيل من العذارى من مصير الذبح وروَّضت الوحش الجريح فى وجدان شهريار الملك. وقد وصف نجيب محفوظ فى روايته ليالى ألف ليلة المأخوذة عن هذا العمل التراثى وصف بلسان شهريار الحكايات بأنها السحر الحلال. أمّا هانى عبد المريد فيستخدم تعبيراً أقل تفاؤلاً ورومانسية, فيصف قدرة الحكايات على الفعل بأنها محاولة للإيقاع بشبح, تبدو يائسة لكنها كما تخبرنا الرواية تنجح إلى حد بعيد. يرسم عبد المريد فى روايته عالماً يتقاسمه الواقع والفانتازيا, فى كوميديا سوداء لا تنال قتامتها من القلب الصلب للإيمان بأن الحياة مهما حدث تستحق أن تعاش, وأن الكلمة (الحكايات) قادرة على نفخ الروح فى الأجساد التى تجمدت وصارت جمادات. الجانب الأقرب للواقعية فى السرد يرويه يامن, الابن الأوسط فى أسرة مكونة من خمسة أفراد: الأب والأم وولدان وبنت, تعيش فى مدينة صغيرة, وتتعرض لكارثة. هروباً من تلك الكارثة ينتقل يامن للعيش فى القاهرة مع خاله الضرير ليصير هو عينيه, تاركاً أمه هانم فى مواجهة وباء عجيب: هو تحول الأب مرزوق والأخ الأكبر مازن والأخت الصغرى فريدة لدُميً من المطاط! تقص علينا هانم يوميات تلك الكارثة العجائبية فى فصول تتقاطع مع تلك التى يحكى فيها يامن عن حياته مع خاله يونس وتغلب عليها الواقعية فى السرد. فى تخبطها الأليم وإصرارها البطولى على بعث الحياة فى أسرتها التى تحولت إلى دُمَيً, تكتشف هانم أن تحدثها إلى أحبائها المتشيئين يوقف تدهور حالتهم وتشقق أجسادهم التى صارت جمادات يسرى عليها ما يسرى على الأشياء الجامدة الميتة. وبالفعل يوقف حديثها إليهم وقص الحكايات عليهم, القديمة التى تخصهم أو تلك الجديدة التى تخص حياتها بدونهم, تلك الشروخ والتشققات. ثم بمعجزة حواديتية, تساعدها سيدة تطير, زارتها فى رؤيا, فى أن ترد لأجسادهم, بحكايات أخرى, طبيعتها البشرية.. لكن تبقى الروح غائبة تنتظر حكايات تكتشفها هانم بنفسها قادرة على أن ترد للأجساد التى عادت دافئة عقلها وشخصياتها النازحة. أمَّا يامن, ابنها الأوسط الذى أرسلته لخاله ليفلت من الوباء, فيحكى لنا يوميات من نوع مختلف؛ يوميات عشق الخال الضرير لجارته الشابة فوفا التى لم يعرف عنها حتى جاء يامن إلا صوتها الرخيم, فقام ابن الاخت, الواقف عند شق الشيش, بوصفها له يومياً فى الصباح والمساء. وظل مخلصاً لوصف جمالها فى الصبا, حتى بعد أن كَرَّت الأعوام وذبلت فوفا فى الواقع. وبذلك احتفظت فوفا الحكايات بصباها فى وجدان يونس.. لأن الحكاية خالدة, بينما ما تحكيه, فى واقعه المأخوذة عنه تلك الحكاية, يتغير ويذوى ويموت. هذا ما نقرؤه بين سطور العمل الذى زاوج فيه كاتبه بين البساطة والشاعرية والخيال المحلق. لمزيد من مقالات بهاء جاهين