اهتمت حركة النشر في بلادنا منذ بدايتها في القرن التاسع عشر بنشر أعمال المؤلفين العرب اهتمامها بنشر أعمال المؤلفين المصريين. وعلى هذا النحو كانت دور النشر العربية فى بعض أقطارها تنشر الثقافة المصرية مثلما تنشر ثقافتها. وبذلك أتيح لأدباء وكتاب وشعراء العربية أن يعرفوا خارج أوطانهم كما يعرفون داخل هذه الأوطان، وأتيح لإنتاجهم أن يجوب العالم العربي، مؤكدًا وحدة الثقافة العربية، وكان بعض هؤلاء المبدعين يحظون بإحتفاء النقد والنقاد بهم، خارج أوطانهم، ما يفوق احتفاء هذه الأوطان بهم. من هؤلاء نذكر الكاتب اللبناني «ميخائيل نعيمة» الذي نشر عددًا من إنتاجه في القاهرة وهو مقيم في بيروت أو أثناء اغترابه في نيويورك عضوًا في الرابطة القلمية التي وضع دستورها، ومع هذا كان يلقي من حفاوة المصريين به وبأدبه في الدراسات الأدبية والجامعية، ما يماثل اهتمام الثقافة اللبنانية به. وكتاب ميخائيل نعيمة «الغربال» الذى يرتبط اسمه به، ويعد من علامات النهضة الحديثة، طبع في القاهرة فى 1951 عن دار المعارف بمصر، ووضع له المقدمة عباس محمود العقاد الذي لم يقدم - في حدود علمي - أحدًا غيره للرابطة الفكرية التي تجمع بينهما كبناة للنقد العلمي، لا نقد الانطباعات.في هذه المقدمة يعبر العقاد عن مزايا الكتاب الذي يتألف من مجموعة مقالات متنوعة بدأ ميخائيل نعيمة حياته الأدبية بكتابتها، بنظرته الفلسفية الرمزية، وروحه الشعرية الصوفية، لتحرير الأدب العربي في مطالع القرن الماضي من جموده ومن سيطرة الألفاظ المهجورة عليه، ومن ثقل النقل والاقتباس في الشعر والنثر.مصححًا الكثير من المقاييس المغلوطة التي كانت سائدة هاتيك الأيام، في التأليف والترجمة، فاصلاً بين البذور والهشيم أو بين الصالح والطالح. ويذكر العقاد في المقدمة أن من يصحح فهمًا للأدب فكأنه يصحح فهمًا للحياة بحكم ارتباط الأدب بها، وبحكم العلاقة الجدلية بينهما التي لا يفهم الأدب بدونها. وبهذه الرؤية التي تأثر فيها ميخائيل نعيمة بكتاب «الديوان» 1921 للعقاد والمازني وعبد الرحمن شكري، يرى أن مصر تفتح دفاترها القديمة، وتراجع نفسها أو على حد تعبيره تصفي حسابها مع نفسها ومع العالم، لنهضة حياتها وحياة الشرق كله، عن طريق إحلال ما هو عصري من نبع الطبع والبيئة، محل ما استهلك من ميراث الأجداد، فضلاً عن تأكيد أصالة ونسب نزعة التجديد العربية التي ترتقي بالحياة الأدبية والاجتماعية من المحيط الصغير الضيق إلى محيط العالم الرحب في تعبيرها المرهف الرصين عن الحقيقة والجمال.