الأمر الذى يزعج المستوى السياسى فى إسرائيل هو إحياء عيد استقلال الدولة أو يوم قيام الدولة كيوم حداد مثلما يطلق عليه الفلسطينيون ذكرى النكبة وتتضامن معهم أصوات ومؤسسات من يهود ومعارضين وكذلك ما يقرب من 2 مليون من عرب 48. فالقوانين التى تسعى لفرض الولاء فى إسرائيل تقوم أولا وأخيراً على محاولة فرض رواية واحدة لتاريخ وحاضر البلاد، وإخراج ما يخالفها ليس خارج الإجماع فحسب، بل خارج القانون أيضاً. إن الموقف المنغلق والعدوانى من النكبة الفلسطينية، والسعى الدائم إلى اغتيال الخطاب المرتبط بها، والتلويح بمعاقبة المتمسكين به، هو جزء من العقيدة التى ترى أن الولاء لإسرائيل هو طوق النجاة للمواطن الإسرائيلى. كانت النكبة وما زالت مصدر خوف وأكثر داخل دوائر صنع القرارات والسياسات الإسرائيلية، ربما لأن الزعماء الأوائل ظنوا أن تلك صفحات قد طويت للأبد مع اكتمال التهجير ثم الاحتلال. لكن مع الوضوح القاطع للتمسك الفلسطينى بالرواية وبالذاكرة، صار مجرد ذكر النكبة مصدر تهديد. وفى المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة يتم التعامل مع هكذا تهديد بلغة الإدانة ثم التخوين ثم الملاحقة بشتى السبل. أطنان الكلام عن «الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط» لا تكفى لإخفاء حقيقة واحدة ان قانون الولاء فى الثقافة وما سبقه من قوانين لفرض الولاء بل فرض الشعور بالولاء بواسطة التخويف، قص للألسن التى تنطق بآراء مغايرة وكتم للأفواه التى تجاهر بحقائق لا تعجب المؤسسة الحاكمة. الكنيست يصدق صدقت الهيئة العامة للكنيست، على القراءة الأولى لمشروع قانون الثقافة والفنون لسنة 2018، وهو ما يعرف بقانون «الولاء فى الثقافة». وقد أيد الاقتراح 55 عضو كنيست فيما عارضه 44 عضواً. ووفقا لبيان نشره موقع الكنيست: يقضى الاقتراح بإضافة تسوية خاصة إلى قانون الثقافة والفنون حول ما يتعلق بتخفيض أو سلب إعانات مالية تقدمها وزارة الثقافة والرياضة من ميزانيتها إلى منظمات ثقافية مارست نشاطات تشمل رفض وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، التحريض على العنصرية والعنف والإرهاب، دعم نضال مسلح أو عمل إرهابى تقوم به دولة معادية أو منظمة إرهابية ضد دولة إسرائيل، إحياء عيد استقلال الدولة أو يوم قيام الدولة كيوم حداد، القيام بعمل من شأنه إلحاق الضرر أو المس بكرامة راية دولة إسرائيل أو رمز من رموزها، هذا القانون جاء بعد أن رفع وزير المالية موشيه كحلون اعتراضه على تحويل صلاحية شطب ميزانيات عن مؤسسات محددة بسبب طروحاتها وبلاغاتها ورؤيتها. قانون ضد الإبداع أرسل منتدى مؤسسات الثقافة والفن فى إسرائيل عريضة إلى أعضاء الكنيست ضد القانون. ووقّع على العريضة نحو 2800 فنان ومفكر وكاتب وسينمائى، وشخصيات أخرى من مجال الثقافة فى إسرائيل من بينهم خمسة أشخاص حاصلون على «جائزة إسرائيل العريقة» وجاء فيها: نحن فنانون ومفكرون نناشد الحكومة الإسرائيلية والكنيست بعدم سن قانون «الولاء فى الثقافة». إذا سن القانون، يمكن سحب التمويل الجماهيرى لأى نشاط ثقافى، لأسباب سياسية، ويمكن فى إطاره أن يخضع عالم الثقافة الإسرائيلى، الإبداع والفن، إلى تحليلات سياسية وقرارات شعبوية واعتبارات جهات سياسية. ويحظر السماح لأية هيئة حاكمة استخدام ميزانية الجمهور لمنع التعبير الشرعى عن الآراء المختلفة فى الحيز العام، التى لا تتماشى مع الهيئة الحاكمة. صحيفة «هاآرتس» كتبت فى افتتاحية لها: إن الادعاء المتشح بالسذاجة والذى يقول ان هذا لا يعد مساسا بحرية التعبير بل مجرد «منع تمويل»، ناجم عن التفكير وكأن ميزانيات الدولة هى الصندوق الصغير لوزراء الحكومة. فإذا أرادوا مولوا، وإذا أرادوا امتنعوا. وكل ذلك وفقا لاعتبارات سياسية، فتوزيع الميزانيات العامة فى الدولة الديمقراطية يتم وفق معايير متساوية بموجب القانون وليس حسب معايير تسمح للوزير بتوزيع الميزانيات وفقا لفكره السياسى. إن حماية حرية التعبير والإبداع هى مهمة حرجة فى مجال الثقافة. ومشروع القانون يسير بإسرائيل نحو وضع يكون فيه الإبداع الذى يمجد الحكومة وسياستها هو وحده ما يتلقى التمويل. هذا الوضع للفن «المجند» والتابع للنزوات السياسية تتميز به أنظمة سلطوية. قانون عنصرى ويرى مركز عدالة لحقوق الأقلية العربية الفلسطينية فى إسرائيل أن قانون الولاء فى الثقافة يهدف بالأساس إلى تمكين سلطة الأغلبية وفرض سلطتها من خلال قمع نشاطات وحرية تعبير الأقلية، كما فى قانون النكبة، وهو أمر غير دستورى ومخالف لكل مواثيق حقوق الإنسان وينتهك الحقوق والحريات الأساسية. وعلى ضوء المصادقة بالقراءة الأولى على مشروع قانون الولاء فى الثقافة العنصرى، أرسل المركز رسالة إلى المستشارة القانونية لوزارة الثقافة والرياضة، هداس فاربر، والمستشار القانونى للحكومة، أفيحاى مندلبليت، ونائبته دينا زيلبر، طالب فيها بمنع التصديق النهائى على مشروع القانون. الذى من شأنه إتاحة إساءة استغلال السلطة السياسية التى تملكها الأغلبية. أما جمعية الثقافة العربية فقد رأت، عبر بيان لها، فى هذا القانون حلقة فى سلسلة القوانين العنصرية التى تستهدف الفلسطينيين فى الداخل وهو مرتبط بقوانين عنصرية أخرى مثل قانون النكبة وقانون القومية، التى تستهدف جميعها المجتمع العربى الفلسطينى فى أراضى ال48 ولغته وهويته ومكانته. إلّا أن القانون الأخير يستهدف بشكل خاص العمل الثقافى والإبداعى الحر وحرية التعبير عن الرأى خصوصاً فيما يتعلّق بالإنتاج والنشر الأدبى الفنى فى قضايا تمس الهوية الوطنيّة والذاكرة والرواية الجماعية للفلسطينيين فى الداخل كجزء من الشعب الفلسطينى.