بمناسبة مرور 116 عاما على افتتاح المتحف المصرى بميدان التحرير أقامت وزارة الآثار احتفالا مهما يعد فى رأيى علامة فارقة فى تاريخ هذا المتحف العريق، يفصل بين ماضيه كما عرفناه على مدى ما يزيد على قرن من الزمان، ومستقبله حيث سيتحول إلى متحف حديث فى طرق عرضه، يضم مجموعة مميزة من الآثار الخاصة به. وهو ما يعد بحق ميلادا جديدا لهذا المتحف العريق. لقد خيم ظل المتحف الكبير الذى سيفتتح عام 2020 فى صحراء الأهرام، على المتحف القديم حتى بات مصيره غامضا، فالمتحف الكبير سيكون عند افتتاحه أكبر متحف فى العالم، وسيضم من الآثار مجموعة هائلة لن توجد فى أى مكان آخر، من بينها مجموعة توت عنخ آمون البالغ عددها 3500 قطعة طالما بهرت العالم منذ اكتشافها عام 1922 بواسطة المنقب البريطانى هوارد كارتر، فماذا سيبقى إذن للمتحف القديم؟ ومن سيذهب لزيارته بعد افتتاح المتحف الكبير؟ أتصور أن تلك المخاوف كانت فى ذهن الوزير السابق فاروق حسنى صاحب فكرة المتحف الكبير، حين أخبرنى ذات مرة أنه يفكر فى أن يخصص المتحف القديم لمجموعة توت عنخ آمون وأن يضم المتحف الكبير بقية آثار مصر القديمة كلها، لكنه سرعان ما عدل عن هذه الفكرة كى لا يحرم المتحف الكبير من مجموعة توت عنخ امون، وهى من أهم المجموعات الباقية من آثار مصر القديمة على مدى تاريخها. ومجموعة الملك الطفل توت عنخ آمون والذى لم تكن له أى أهمية تاريخية تذكر بالمقارنة لعمالقة التاريخ القديم من أمثال خوفو ورمسيس الثانى وحتشبسوت وأحمس وإخناتون، هو بالضبط ما سيحرم منه المتحف القديم، لذلك جاء قرار الوزير النشيط الدكتور خالد العنانى - كما قال لى - بمنح المتحف القديم مجموعة مهمة من الآثار تميزه، هى مجموعة يويا وزوجته تويا، وهما من كبار النبلاء ووالدا الملكة تاى زوجة أمنحوتب الثالث والد إخناتون، ويبدو من مجموعتهما الغنية أنه كانت لهما أهمية خاصة فى عصرهما، حيث تم دفنهما فى وادى الملوك بجوار مقابر كبار فراعنة مصر القديمة، ولقد تم اكتشاف مقبرتهما عام 1904 حيث كان يجرى التنقيب فى مقبرتين من عصر رمسيس الثالث فلفت نظر المستكشف البريطانى ج. كويبل وجود هضبة من الأنقاض بين المقبرتين ناتجة عن أعمال الحفر فى كل منهما، وبرفع الرمال اكتشف كويبل تحتها مقبرة الزوجين التى كانت أيدى اللصوص قد طالتها فى الماضى السحيق لكنها نسيت بعد أن دفنت تحت الأنقاض. وتضم المجموعة قناعين ذهبيين أحدهما ليويا والآخر لتويا يذكرانا بقناع توت عنخ آمون الشهير، وقد صنعا من الكارتوناچ المذهب والأحجار الكريمة، كما تضم المجموعة العجلة الحربية ليويا وتذكرنا هى الأخرى بعجلة الملك توت، بالإضافة للأثاث الجنائزى الرائع من كراسى مذهبة وأسرة وصناديق لحفظ الحلى مصنوعة من الخشب المذهب والمطعم بالخزف والعاج والأبانوس، وأوان من الألاباستر والحجر الجيرى الملون. ومن الغريب أن مومياء يويا وزوجته المعروضتين ضمن المجموعة، وجدتا فى حالة ممتازة ولم تمسسهما أيادى سارقى القبور الذين كانوا عادة ما ينهشون المومياوات بأيديهم العابثة بحثا عما قد يكون بها من قطع ذهبية أو أحجار كريمة، كما وجدت أيضا توابيتهما الداخلية والخارجية وأقنعتهما الذهبية، وصناديق وأوانى الأحشاء المعروفة باسم الأوانى الكانوبية، وتماثيل الأوشابتى الصغيرة، ومن أروع ما فى المجموعة بردية يويا الملونة المسجل عليها كتاب الموتى والتى تم تجميعها لأول مرة بأيدى مرممى المتحف فامتدت على مساحة طولها نحو 20 مترا، وهى بذلك أطول بردية باقية من التاريخ القديم. أن القيمة الحقيقية لمجموعة يويا وتويا والتى تبلغ 214 قطعة تكمن فى جمالها ودقة صناعتها ورقيها الفني، فهى من أفضل ما أنتجته عصور الأسرة ال 18 التى عرفت بالتقدم الكبير على المستويات السياسية والمعمارية والفنية على حد السواء، وقد كانت هذه القطع قابعة فى مخازن المتحف طوال العقود الماضية منذ تم اكتشاف كنوز توت عنخ آمون التى احتلت القاعة الرئيسية بالدور الثانى حيث يتم الآن عرض المجموعة الجديدة. بهذا المعنى فقد جاء المتحف الكبير ليفك أسر الكثير من القطع التى كانت مكدسة فى مخازن المتحف المصري، والتى سيعرض بعضها لأول مرة، إما فى المتحف الكبير وإما فى المتحف القديم، أى إن المتحف الكبير سيحيى المتحف القديم الذى كان أقرب الى المخزن المكدس بالآثار منه الى المتحف المنسق وفق سيناريوهات العرض الحديثة، فى الوقت الذى نجد متحف برلين يعرض رأس نفرتيتى فى قاعة وحدها وهو مالم يكن يستطيعه المتحف المصرى الذى تبلغ مقتنياته 120 ألف قطعة، وهى أكبر مجموعة للآثار المصرية فى العالم، لذلك فسيكون افتتاح المتحف الكبير بمثابة ميلاد جديد لهذا المتحف الذى أقامه أوجوست مارييت أول رئيس لقطاع الآثار فى مصر على طرلز النيوكلاسيكى عام 1858 وتم افتتاحه عام 1902، بغرض الحفاظ على آثار مصر من النهب ومن التحطم على حد قوله، وقد نجح المتحف بالفعل فى الحفاظ على الآثار فصار مخزنا لها، والآن بعد أن تم نقل آلاف القطع الى المتحف الكبير ستتغير طرق العرض فى المتحف القديم، وهو ما يجرى تنفيذه حاليا من خلال أعمال التطوير التى تجرى على قدم وساق بالتعاون مع أكبر المتاحف العالمية والتى من بينها المتحف البريطانى واللوفر ومتحف برلين ولايدن وتورين، وهذا يجعلنا نتطلع إلى الافتتاح الجديد للمتحف القديم بعد تطويره قدر تطلعنا لافتتاح المتحف الكبير نفسه. لمزيد من مقالات محمد سلماوى