بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    بلينكن: طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية يعقد اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس    "شكرا ياسين البحيري" مجلس إدارة الزمالك يشيد بتصرف لاعب نهضة بركان    ملف رياضة مصراوي.. إصابة أحمد حمدي بالصليبي.. فوز الزمالك على الأهلي.. والموت يفجع رئيس الترجي    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    الزمالك: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية    جوميز يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    جوميز: لم أشك في قدرة الزمالك بالتتويج بالكونفدرالية.. وعبد الله السعيد مثل بيرلو    19 صورة ترصد لحظة خروج جثامين ضحايا معدية "أبوغالب" من المشرحة    «أقدار مرتبة».. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهس سيدتين    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    التسجيل سند للمطلقات.. الخطوات والأوراق المطلوبة    شارك صحافة من وإلى المواطن    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    كواليس اجتماع الكاف مع الأهلي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا لوضع ضوابط خاصة    رويترز: الحكومة الأيرلندية ستعلن اليوم الأربعاء اعترافها بدولة فلسطين    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 22 مايو 2024    عاجل - نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الجيزة.. رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني Natiga.Giza    قناة السويس تتجمل ليلاً بمشاهد رائعة في بورسعيد.. فيديو    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    «لقطة اليوم».. إمام مسجد يضع المياه والطعام لحيوانات الشارع في الحر الشديد (فيديو)    «من الجبل الأسود» تارا عماد تحقق حلم والدتها بعد وفاتها.. ماذا هو؟    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير شارع صلاح سالم وحديقة الخالدين    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    5 أسباب تؤدي إلى الإصابة بالربو.. تعرف عليهم    عمر مرموش يجرى جراحة ناجحة فى يده اليسرى    بعبوة صدمية.. «القسام» توقع قتلى من جنود الاحتلال في تل الزعتر    كاميرات مطار القاهرة تكذب أجنبي ادعى استبدال أمواله    أمن قنا يسيطر على حريق قطار ولا يوجد إصابات    فيديو.. يوسف الحسيني يتحدث عن فِكر الإخوان للتعامل مع حادث معدية أبو غالب: بيعملوا ملطمة    هل وفاة الرئيس الإيراني حادث مدبر؟.. مصطفى الفقي يجيب    الخارجية القطرية تدعو للوقف الفوري لما يجري في غزة    الهلال الأحمر الفلسطيني: ارتفاع حصيلة الشهداء في جنين إلى 8 وإصابة 21 آخرين    حظك اليوم برج الميزان الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. لا تتردد    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    ضد الزوج ولا حماية للزوجة؟ جدل حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق ب"كلمة أخيرة"    أحمد عبد الرحمن أفضل لاعب فى مباراة الجونة وطلائع الجيش    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    أول فوج وصل وهذه الفئات محظورة من فريضة الحج 1445    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    بعد ضبطه ب«55 ألف دولار».. إخلاء سبيل مصمم الأزياء إسلام سعد    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأعلى لشئون الإسلام وقيادات الإعلام يتوافقون على ضوابط تصوير الجنازات    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح الخطاب الدينى اكتفى بالستر
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 11 - 2018

تنفس المصريون الصعداء بالبيان الذى ألقاه يومها بثبات وجسارة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، عن القيادة العامة للقوات المسلحة مساء يوم الأربعاء الثالث من يوليو 2013م، وقد نزل عليهم بردا وسلاما بعد أن كاد اليأس يقتل أحلامهم فى مستقبل أولادهم الآمن والزاهر عندما اختطف حفنة الخونة المتاجرون بالدين حكمهم مستغلين ثورتهم على الفساد فى يناير 2011م، وكما يقول المثل الشعبى «طلع من نقرة وقع فى دحديرة». إلا أن الإيمان بالله سبحانه الجامع للمصريين وإن اختلفوا فى طرق عبادتهم له كما قال تعالى: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» (المائدة: 48) – جعلهم يتذاكرون أنه ليس لها من دون الله كاشفة، وأن الله لا يؤتى بالشعارات، كما أوهم تجار الدين أتباعهم بها، وإنما يؤتى الله سبحانه باتخاذ الأسباب والتعاون على البر والتقوى، فاجتمعوا على أسباب النصرة فى 30 يونيو 2013م.

ولم تمض ثلاثة أيام حتى كان الفرج بانحياز الجيش المصرى لشعبه وسقوط الخونة والمتاجرين بالدين، وتحقق قول الله عز وجل: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون» (النمل: 62). وعاد الأمل الحالم بالأمن والاستقرار والازدهار لأبناء المصريين وأحفادهم بأعظم تركة يورثها جيل الآباء لجيل الأبناء، وهى تقديم الله عز وجل بما يليق به، فقد جعل سنته الكونية وآياته القرآنية الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وليتعاون كل شعب على حماية وطنه وبناء حضارته ورفع مستوى معيشته، وليتمكن كل أحد من اختيار دينه الذى يرتضيه ويطمئن إليه قلبه يوم يلقى الله فردًا دون إكراه؛ فيكون الدين لله كما أمر فى قوله سبحانه: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» (الأنفال:39)، وينفتح باب التعايش السلمى بين الناس فى ظل التعددية الدينية بدون تدخل حكومى أو طائفى كما قال سبحانه: «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» (الشورى:13).
وصارت قلوب المصريين أشد تعلقا بربهم أن يحقق لهم أحلامهم المشروعة فى وطن يشار إليه بالبنان يليق باسمه وتاريخه أمنًا وعدلًا وحضارة، ولا تزال قلوبهم متعلقة به سبحانه، بعد أن أخذوا بالأسباب وأهمها حسن اختيارهم لرئيسهم الذى قدم نفسه فداء لهم، واكتشفوا فيه معانى الإنسانية الراقية والمتأصلة، وأنه على بينة وعلم بآمالهم وآلامهم، وأفصح عنها كما لو كانوا يتكلمون عن أنفسهم، وأبدى مفاتيح تحقيقها فى ملاحقة الفساد، والانطلاق نحو الإعمار، والمسارعة إلى إصلاح التعليم والصحة وكل ما يبنى الإنسان المصري، والقضاء على المتاجرة الدينية بثورة فكرية تتكلم بلغة الحاضر وتفتح أفق الإبداع وقبول الآخر فيدخل الناس فى دين الله – الذى يرتضونه لأنفسهم باختيارهم وبلا إكراه أفواجًا، وينتهى صراع الأديان الذى افتعله الأوصياء إلى الأبد.
بدأت ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الثالث من يونيو 2014م، وانطلق معها كل أحلام المصريين التى سبق بعضها بعضًا على أرض الواقع بحسب تعاون المعنيين فيها وحجم القضية، فبينما عمت حالة الإعمار أرجاء البلاد من عاصمة جديدة، وقناة سويس موازية، ومدن حديثة، ومساكن اجتماعية للشباب، وتطوير العشوائيات، واستزراع الصحراء، واستثمار البحيرات، واستخراج الغاز، وإنشاء مصانع ومطارات ومستشفيات ومدارس وجامعات ومساجد وكنائس وشبكات طرق وأنفاق. كان بالتزامن مع تلك الحالة الإعمارية الحرب على الفساد والإرهاب التى لاحقت ولا تزال تتتبع كل فاسد مهما كان موقعه، وكل من تسول له نفسه الإضرار بأرواح المصريين ومقدراتهم.
وعندما بدأت ولاية الرئيس الثانية فى الثانى من يونيو 2018م، أعلن فيها انطلاقه فى بناء الإنسان المصري، فكان الجناح الأول بإطلاق المرحلة الأولى من قانون التأمين الصحى الشامل الجديد، والقضاء على فيروس سي، والكشف عن الأمراض غير السارية بالمسح الشامل للمواطنين، وإنهاء طابور انتظار العلاج، والرعاية اللائقة بذوى الاحتياجات الخاصة.
وكان الجناح الثانى بإطلاق تطوير التعليم ما قبل الجامعة وفيها ومابعدها بما يقضى على الأمية ويواكب المستوى العالمى ليتمكن الخريجون من فتح آفاق إنتاجية لهم أو الالتحاق بسوق العمل فى الداخل والخارج. وبالتأكيد فإنه بعد تثبيت جناحى الصحة والتعليم فى بناء الإنسان المصرى أن ينطلق الإصلاح الثقافى والفنى والرياضى الذى يمشى الهوينا ويحتاج لدعم الرئيس بهمته العالية.
أما الخطاب الدينى الذى يئن منه الشعب ويصطلى بنار المتاجرين فيه تكفيرًا للآخر واستعدائه وجعله غنيمة، وإنكارًا للعهود والمواثيق الدولية، وزعمًا بعالمية الدين وسيادته بالخلافة وليس فقط إنسانيته، ورفضًا لسيادة الدستور والقانون، وإصرارًا على إعلاء التمييز الدينى وإحياء الطائفية وفرض الوصاية على الشعب وإدارته بالفتاوى التى تخطاها الزمن، والكذب على الله بعصمة الفتوى وتقديسها، وجعل المرأة متاعًا للرجل وأنه ليس لها ولاية على نفسها، وافتعال خصومة الدين مع العلم والتجديد الفقهي، والتشكيك فى دعوات الإصلاح الإجتماعى والإقتصادى كالمواطنة ومنع زواج القاصرات وتنظيم النسل والشمول المالى وتمكين المرأة من إنسانيتها، وغير ذلك مما أفرز فكرًا إرهابيًا صائلًا باسم الدين ليس خفيًا على الشعب البريء الذى لا يملك أنياب صانعى هذا الفكر ولا أظافرهم ولا ألسنتهم الحداد، مما جعله أمامهم من المستضعفين الذين «لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا» (النساء:98)، فمن للشعب سوى الدولة، ومن للدولة سوى القانون، ومن للقانون سوى الرئيس.
} لقد كان الرئيس هو أول المحذرين من وجود إشكالية فى خطابنا الديني، ثم تدرج فى التنبيه بالمطالبة بثورة فى الفكر الدينى حتى يواكب العصر ويكون فاعلًا فى حل مشاكل الناس والأخذ بأيديهم إلى السمو والرفعة فى الألفاظ وفى الأفعال وفى التصرفات بما يحقق إنسانية راشدة يتسع صدرها لخلاف بعض، وتعيش زمنها وليس زمن غيرها، وتستفيد من كل عقل مفكر، وتنتفع بكل ابتكار صالح ونافع فى الخير.
ويبدو أن دعوات الرئيس فى إصلاح الخطاب الدينى لم تصل إلى قاعدته، وكان الاكتفاء بإقصاء أشهر المسيئين للوحدة الوطنية عن الإعلام الظاهر، والتقليل لدرجة الندرة من مشاركة أصحاب الخطاب الدينى فى قضايا المجتمع إعلاميًا حتى لا تظهر أفكارهم الرجعية، وحذف الأسطر أوالصفحات التى تعيد نظام الرق أو تقسيم المجتمع طائفيًا أو تدفع إلى قتال المسالمين باسم الجهاد.
كل هذا جهد مشكور إلا أنه لا يعدو أن يكون سترًا وإقصاءً للعورات عن الإعلام والمهتمين، وليس تجديدًا أو بناءًا للمعالجة الحقيقية للخطاب الديني، فالذى تم إقصاؤه عن الإعلام أو التنكر له يمارس مع مئات مثله خطاب التطرف والاستعلاء والطائفية والتكفير الذى يتوارثونه فى الزوايا والأزقة وكتب ما تعرف بالتراث إن لم يكن فى المدرجات والفصول والمساجد واللقاءات العامة؛ لأن الإصلاح الحقيقى للخطاب الدينى لم يبدأ بعد، وهم يراهنون على كثرتهم ويستقوون بالدستور الذى ينص فى مادته الثانية على أن «الإسلام دين الدولة»، ثم يزعمون بأن فتواهم هى الإسلام، فهى فوق الدستور والقوانين، ويستعفون بكيل تهم الشذوذ والتفسيق والتكفير والزندقة والماسونية والعلمنة والتجهيل والتآمر لكل من يخالفهم حتى يظلوا متربعين على عرش حاكمية الشعب من الظل باسم الدين الذى يبرأ من تجاره ومستغليه، كما قال تعالى: «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون» (البقرة:79).
ومع النجاح النسبى فى التخفيف من سمعة الخطاب الدينى بالستر والإقصاء عن الإعلام إلا أنه كلما أحسن الإعلاميون الظن ببعض رجاله خاصة ممن ينتسب للأزهر تخرجًا، أى كان تعليمه أزهريًا، فاستضافه للمشاركة فى قضايا المجتمع العامة والمحسومة بقوانين منظمة ومعاهدات دولية مستقرة نسمع ما لم يعد مقبولًا فى حاضرنا، مما يدل على أن الحياة تسير فى حضارتها التقدمية، والأكثرون من أصحاب الخطاب الدينى يعيشون فى الماضى مع كتب الماضين، سواء كان ذلك فى المجال الطبى مثل زراعة الأعضاء البشرية أو منع ختان الإناث، أو فى المجال الاجتماعى مثل ولاية المرأة القضاء، ومنع زواج القاصرات، أو فى المجال التنموى والاقتصادى مثل تنظيم النسل والتعامل البنكي، أوفى المجال الأسرى مثل حضانة الأم وولاية المرأة فى الزواج، أو فى المجال السياسى مثل الانفتاح على المجتمع الدولى وعدم وصفه بالكافر أو الدعوة إلى جهاده، وكذلك الإعتراف بأن سند ولى الأمر هو القانون وليس الفتوى.
وكان من آخر تلك الكوارث الكاشفة لظلامية الخطاب الدينى والفاضحة للثقافة الرجعية ولن تكون آخرها فى الأجل القريب من بعض أصحاب الخطاب الدينى فى القضايا العامة والذى قدم نفسه إعلاميًا بصفته «عضو لجنة الفتوى بالأزهر» وخاض فى قضيتين، فى يومين متتاليين، وكان رأيه الذى قدمه باسم الدين فى القضية الأولى محبطًا لكل محاولات التنمية المعاصرة بالتشكيك فى الدعوة لتنظيم الأسرة، وفى القضية الثانية ناسفًا لكل العهود والمواثيق الدولية والدستور المصرى الرافض لزواج القاصرات، مما أزعج المجلس القومى للمرأة وجميع المهتمين بقضايا المجتمع الحضارية، وتمنت الدكتورة مايا مرسى رئيسة المجلس أن يكون هناك رد علمى على تلك الفتاوى غير المسئولة.
أما القضية الأولى، وهى تنظيم النسل فقد كان ضيفًا على الإعلامى الأستاذ أحمد موسى فى برنامج «على مسئوليتى» فى قناة صدى البلد يوم الثلاثاء 13 11 2018 لمناقشة قضية «تنظيم النسل» التى تحشد لها الدولة فى هذه الآونة، وليس على الدوام، بسبب قلة الموارد، وابتلاع كثرة النسل لكل تنمية فى البنية التحتية التى تقام سدًا للعجز الحاضر لمن هم على قيد الحياة بالفعل، حتى بلغ عدد التلاميذ المقيدين فى الفصل الدراسى الواحد فى بعض المدارس مائة تلميذ من العدد الأمثل وهو عشرون إلى ثلاثين تلميذًا، كيف بالدولة فى الوقت الراهن مع ما تمر به من أزمة موارد أن تحقق هذا العدد الأمثل مع ميلاد نحو مليونى طفل سنويًا، كان المنطق الطبيعى لكل إنسان مسئول خاصة المفترض فيه صفة العلم أنه ينصح بما تمليه عليه المسئولية، فإذا لم ينتفع بعلمه فعليه أن ينتفع بخبرة السابقين فى أمثالهم الشعبية «على قد لحافك مد رجليك»، لكن الذى حدث هو تسميع لمحفوظات تناهض فكرة تنظيم النسل يكررها خطباء الإخوان منذ اختلافهم مع قيادات ثورة يوليو 1952م دون تجديد، سمعتها بنفسى وأبناء عمرى منذ خمسين سنة ماضية كما هى، بقصد تعجيز الحكومة عن الوفاء بحقوق المواطنين اللائقة لاستثارة غضب الشعب وسخطه، حتى يكونوا هم البديل كما تحقق لهم الهدف فى 2012م. كنت وشباب جيلى يسمع من مشايخ الإخوان الذين كنا نحسن الظن بهم، وقد قضى بعضهم نحبه وبعضهم مثلنا ينتظر، يقولون إن فكرة تحديد النسل أو تنظيمه فكرة يهودية استعمارية للقضاء على الدول الموصوفة بالإسلامية، وأن الله خلق الإنسان بعينين ولسانًا وشفتين، ولم يخلقه عاجزًا، فهو قادر على إصلاح الصحراء وزراعتها، كما أن بعض الأحاديث النبوية ضعيفة السند تأمر بالتكاثر، ومن ذلك ما أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه مرسلًا، عن سعيد بن أبى هلال، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «تناكحوا تكثروا فإنى أباهى بكم الأمم يوم القيامة»، وبعض الأحاديث تنهى عن العزل، ومنها ما أخرجه مسلم عن جدامة بنت وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال: «ذلك الوأد الخفى».
وبكل أسف كان هذا الخطاب ينطلى علينا، فكنا نسيء الظن بكل مسئول حكومى وكأنه متواطيء مع اليهود فى ترويجه لتنظيم النسل، أو سارق للموارد العامة التى تنتظر المولودين، أو جاحد لأمر نبوى شريف، كما كنا نسيء الظن بالخطباء الذين ينصحون بموضوعية فى تنظيم النسل ونتهمهم كما قيل لنا إنهم خطباء السلطان ومأجورون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تمضى الأيام وتتكشف الحقائق ونتحمل المسئولية ونتعلم ما أخفوه علينا مما علمهم الله وكتموه بصفتهم خطباء الطائفية والوصاية الدينية، ومنه مايلي:
(1) أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بأفكار يهودية إذا وافقت مصلحة دينية أو حياتية، فلا غضاضة من فكرة تنظيم النسل حتى ولو كانت فكرة يهودية الأصل كما يزعمون كذبًا، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرًا من مكة وجد اليهود يسلفون فى الثمار أو فى التمر السنة والسنتين والثلاث، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع ما ليس عندك، إلا أنه وجد تلك المعاملة إن صدقت فإنها تحقق مصالح لأطرافها، فأجازها، كما قررها اليهود، وقال: «من أسلف فى شيء ففى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم». كما أخرج البخارى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، وقالوا هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموا»، وفى رواية: «نحن أولى بموسى منهم فصوموه». وأخرج الشيخان عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء».
(2) أن عدد اليهود على مستوى العالم فى آخر إحصائية لم يبلع 22 مليون نسمة منهم 6 ملايين فى إسرائيل والباقى مفرقون فى بعض دول العالم، فلو كانت فكرة تنظيم النسل للمسلمين من مقاصدهم لكانت فكرة تكثير النسل لهم مقصودة، وهم أسبق تاريخًا من المسلمين، إلا أنهم يترفعون عن هذا الفكر السطحي؛ لإدراكهم أن العبرة بالكيف لا بالكم فعدد المسلمين اليوم أكثر من مليار ونصف المليار وكأنهم انتفعوا بما أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح عن ثوبان، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها»، قلنا: يارسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: «أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل فى قلوبكم الوهن».
(3) إن أكثر الأفكار الإصلاحية التى تعيشها الدول الموصوفة بالإسلامية منذ قرن من الزمان هى من مفكرين وعلماء لا ينتمون للإسلام الخاتم مثل الجنسية والعملات البنكية والتأمينات والمعاشات وتحديد ساعات العمل والعطلات الرسمية وتدرج النظام القضائى وغيرها. ولا تلازم بين الفكرة وبين دين صاحبها؛ لأن الأفكار جميعها إنسانية غير معصومة تخضع لتقويم مستخدمها. ومبدأ تقسيم الأفكار إلى إسلامية وغير إسلامية قائم على الطائفية والترويج للفتاوى الصادرة من المسلمين ولو كانت ضارة وقاتلة مثل كثرة الإنجاب مع فقر الوالدين، ومثل زواج القاصرات
(4) القول إن الله تعالى خلق الإنسان بعينين ولسانًا وشفتين صحيح، ولكنه خلقه طفلًا ضعيفًا يحتاج لنفقة أبويه حتى يشتد ثم يحتاج لنفقة أولاده إذا بلغ الشيخوخة والعجز حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا، كما قال سبحانه: «الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة» (الروم:54)، فكيف يقال إن الله خلق الإنسان قادرا على تعمير الصحراء وجلب رزقه من بادئ الأمر، إنه لن يبلغ ذلك إلا بعد مروره بمرحلة الطفولة التى تطول لأكثر من عقد ونصف العقد، وتكثر نفقتها بالتعليم والصحة وشيء من الترفيه، ويتحمل ذلك الأبوان وليست الدولة، كما قال سبحانه: «وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (البقرة:233)، ثم إذا كبر الإنسان فى سنه واحتاج لولده فعليه النفقة كما قال سبحانه: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا» (الإسراء:23).
(5) إن الحديث الذى يدعو إلى التكاثر مرسل ضعيف لا يحتج به، وإذا سلمنا بصحته فإنه لا يعنى أن تكون مهمة المسلم هى التكاثر كسائر المخلوقات الأخرى؛ تكريمًا لإنسانيته، واحترامًا لدينه الذى ينتشر بعدالته ورحمته ومنطقيته وليس بالسيف أو بالتناسل من المسلمين المحصورين عددًا. ولا يليق أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استهدافه للطائفية وسباق أصحاب الأديان بأعدادهم وليس بأفكارهم الخادمة للبشرية والتى تحل مشاكلهم.
(6) إنه لا يليق تجاهل ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من أحاديث كثيرة، ومن مأثور الصحابة، الذى يدعو إلى قلة النسل لإمكان النفقة، وعدم الزواج أصلًا إلا لمستطيع النفقة، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». وأخرج الحاكم فى «تاريخه» عن ابن عمر أنه قال: «جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشيء»، وأخرجه الجرجانى فى «تاريخه» عن إبراهيم النخعى أن ابن عمر سئل ما جهد البلاء؟ فقال: «قلة المال وكثرة العيال». وأخرج ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» عن سعيد بن المسيب أنه قال: «قلة العيال أحد اليسارين»، اليسار خفض العيش واليسر فيه، وهو زيادة الدخل على المنصرف.
وأخرج الحاكم فى «المستدرك» والطبرانى فى «معجمه الأوسط» بسند حسن عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: «اللهم اجعل أوسع رزقك على عند كبر سنى وانقطاع عمري».
(7)إن الله تعالى ضرب للمستقيم الصالح إذا أنهى حياته بالإنحراف والفساد مثلًا بالغنى الذى أنجب أطفالًا بعد كبر سنه ثم ضاع ماله فكانت حسرته مضاعفة فى ضياع ماله وفى تركه لأطفاله من بعده فقراء. وهذا دليل على توفير النفقة للأولاد وتأمينهم ماليًا قبل الإنجاب، وعدم إنجابهم فى سن الشيخوخة لحمايتهم من اليتم. فأخرج الطبرى وغيره، أن عمر بن الخطاب سأل الناس عن قوله تعالى: «أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون» (البقرة:266)، فقالوا: الله أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: ضربت مثلًا للعمل،يبدأ فيعمل عملًا صالحًا، فيكون مثلًا للجنة التى من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات، ثم يسيء فى آخر عمره، فيتمادى على الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار الذى فيه النار التى أحرقت الجنة مثلًا لإساءته التى مات وهو عليها. قال ابن عباس: الجنة عيشه وعيش ولده فاحترقت، فلم يستطع أن يدفع عن جنته من أجل كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن جنتهم من أجل صغرهم حتى احترقت.
(8)إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان قد وصف العزل بأنه الوأد الخفى فى رواية، فإنه أذن لأصحابه فى العزل فى روايات أكثر لمجرد الرغبة فى عدم الإنجاب، فدل على أن الإنجاب مرهون بالقدرة المالية والبدنية فى التربية بحسب تقدير المسئول عن النفقة، فقد أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله، قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. زاد المسلم: فبلغ ذلك نبى الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا.
وأخرج مسلم عن جابر أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لى جارية هى خادمتنا وساقيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها».
} وأما القضية الثانية، وهى قضية زواج القاصرات فقد كان فيها الذى وصف نفسه بعضو لجنة الفتوى بالأزهر ضيفًا على الإعلامى الأستاذ وائل الإبراشى فى برنامجه «كل يوم» فى قناة ON-E يوم الأربعاء 14-11-2018م، والمعروف أن قضية زواج القاصرات تعده المعاهدات والمواثيق الدولية انتهاكًا لحق الطفل وعنفًا بشأنه، وينص الدستور المصرى فى المادة (180) منه على أنه: «يعد طفلًا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره... وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى»، ويدرس مجلس النواب منذ أكثر من سنة مشروع قانون بتجريم زواج القاصرات، فكان المنطق الطبيعى لمن يتصف بالمسئولية والعلم أن يعيش حضارته الإنسانية بازدراء تزويج القاصرات الذى يحرمهن من حقوق الطفولة واستكمال التعليم الأساسى الإلزامى ويحملهن مسئولية حقوق الزوجية التى لا يعرفنها ولا يطقنها أصلا، إلا أن الجميع فوجئ بتأكيد ضيف الحلقة الذى يمثل الخطاب الدينى صحة زواج القاصرات منذ الولادة جريًا وراء فتاوى السابقين واحتسابها دينًا لا فقهًا يعارضه فقه الحاضر، بل قد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك مما لم يأت به الأوائل، حيث استغل التقدم العلمى المعاصر للتخريج الإفتائى الرجعى، فقال: «إنه إذا ثبت بأشعة السونار أن الجنين فى رحم الأم أنثى وزوجها والدها برجل وهى ما تزال فى بطن أمها أصبحت زوجته وله حق الدخول بها بعد كبرها، وليس من الضرورى أن تحيض الفتاة حتى تتزوج». هكذا يحتسب الخطاب الدينى الرجعى النساء متاعًا يتصرف فيه الرجال بإرادتهم دونهن ليس فقط من الولادة بل وهن فى أرحام أمهاتهن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع كثرة الأحاديث النبوية الصحيحة التى تجعل أمر الفتاة بيدها إذا رشدت كالفتى سواءً بسواء، وهو ما أخذ به القانون المصرى؛ عملًا بمذهب أبى حنيفة الذى استدل بما أخرجه مسلم عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن فى نفسها، وإذنها صماتها»، وإذا كانت البكر تستأذن، والإذن لا يكون إلا عن إرادة واعية فكيف يفتى بزواج القاصرات، وهن لسن أهلا للاستئذان؟. ولا يقال إن الله تعالى يقول: «واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن» (الطلاق: 4)، فاللائى لم يحضن هن القاصرات. ولا شك أن هذا التفسير يخفى حقيقة أنواع النساء البالغات، فأكثرهن من النوع اللائى يحضن، والباقى من النوع اللائى لا يحضن أصلا ولعل هؤلاء هن المقصودات فى اللائى لم يحضن، أما الصغيرات اللائى لم يحضن فهن من الأطفال يسرى عليهن أحكام الطفولة فى مثل قوله تعالى: «أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء» (النور: 31)، وقوله تعالى: «ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم» (النور: 58)، وقوله تعالى: «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا» (النور: 59)
كما لا يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة فى التاسعة من عمرها، كما فى رواية البخاري، وأن أمهاتنا الأوائل تزوجن ببلوغ الخامسة عشر أو قبيلها؛ لأن لكل زمن عرفه وحضارته، فلم يكن التعليم الأساسى حقا من حقوق الطفل كعصرنا، ولم تبلغ الإنسانية رفاهية الحضارة التى منعت الرق، ورفعت مستوى حقوق المرأة والطفل،ومنحت التأمين الصحى حقا للمريض؛ حتى زاد مستوى الأعمار إلى الثمانين والتسعين، بعد أن كان كما أخرج أحمد وابن ماجه والترمذى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أعمار أمتى ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك»
} أقول: إن إصلاح الخطاب الدينى الذى يطلبه الرئيس وينتظره الشعب هو ما يقدم الله عز وجل على وجه يليق به عدلًا ورحمة وحضارة، والضمانة فى ذلك للرقابة الشعبية، ولا يحتكر إصلاح الخطاب الدينى طائفة ولا جماعة ولا مؤسسة؛ حتى لا نعيد تجربة فرعون الذى احتكر الدين واستخدمه مبررا لقتل موسى عليه السلام فى قوله تعالى: «ذرونى أقتل موسى وليدع ربه إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد» (غافر: 26)، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم جعل شهادة عموم الناس عن إرادة حرة واعية هى شهادة الحق سبحانه بيننا، فيما أخرجه الشيخان من حديث أنس أنهم أثنوا على جنازة خيرًا، وأثنوا على جنازة شرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض».
الدين لله فلا احتكار فيه ولا وصاية، مما يجعله للشعب خالصا كالحاكمية، وهو الآمن على عدالته فى الناس، والتفريط فيه عبودية لغير الله بسبب جعل الدين لغيره سبحانه؛ كما قال تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» (الأنفال:39)، وأصحاب الخطاب الدينى لهم حق التعليم والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة على أن تكون الحاكمية فى القبول والرفض والتعديل للشعب بالمنطق البشرى الذى يستوعبونه أفرادا، وليس بحكم الكهنوت أو المغالبة حتى نعيش قوله تعالى: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» (البقرة: 256)، وقوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس: 99)
----------------
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.