لم تعش الأسر الانجليزية مشاعر الخوف على أطفالها كما تعيشها الآن. انشغلت أجهزة الدولة، الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، خلال العامين الأخيرين بظاهرة جرائم السلاح الأبيض. فالاحصاءات تقول إن إقليمى انجلترا وويلز شهدا 40147 جريمة عنف بمختلف أنواع السلاح الأبيض مثل السكاكين وشفرات الحلاقة والأدوات الحادة بين شهرى أبريل 2017 حتى مارس 2018، بزيادة 16 فى المائة عن العام السابق. وتلك أكبر نسبة زيادة فى هذا النوع من الجرائم منذ 7 سنوات. وفى لندن وحدها، ارتفع معدل الجرائم التى يستخدم فيها السلاح الأبيض إلى 137 جريمة لكل 100 ألف شخص خلال عام!! عندما حلل الخبراء الأرقام، اكتشفوا أن 80 فى المائة من مرتكبى هذه الجرائم هم فى سن 18 فأكبر. غير أن الصدمة الأكبر هى أن ال 20 فى المائة الباقية هى جرائم يقترفها أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاما. وبعد مزيد من البحث، تبين أن السلاح الأبيض هو الخطر الظاهر لكنه ليس الأكبر. فعصابات الاتجار فى المخدرات تستغل الأطفال، ومعهم الفئات المهمشة اليائسة، فى توزيع وتخزين منتجاتها. وتبين أن ما أطلق عليها «عصابات المدن» تستخدم وسائل الاتصال التقليدية مثل الهواتف المحمولة والتكنولوجيا الحديثة عبر الانترنت لتشكيل شبكات من الأطفال الذين يُرسلون إلى الزبائن فى المناطق التى يعيش فيها هؤلاء الأطفال أو حتى مناطق أخرى غير مألوفة لديهم لتوصيل الطلبات وتحصيل الأموال. وكشفت تحقيقات الشرطة عن ان العصابات تستخدم خطوطا هاتفية يصعب تتبعها ويطلق عليها «خطوط إتمام الصفقات». ولأسباب أمنية لم تعد العصابات تعمل فى المناطق التى أصبحت فيها معروفة للشرطة واجهزة مكافحة الجريمة الأخري. وبعد الاستعانة بمنظمات أهلية متخصصة فى العمل الاجتماعى والأسري، اكتشفت السلطات أن أنشطة العصابات تجاوزت توزيع المخدرات إلى تجارة الجنس والبشر وأعمال الانتقام من العصابات الأخرى والسرقة وحتى العمل فى مزارع المخدرات مثل القنب. وبعد أن جمعت وزارة الداخلية معلومات من مختلف مناطق البلاد، خلصت إلى النتائج التالية: العصابات لا تفرق بين الأولاد والبنات، وتركز غالبا على البيض لأنها تتوقع أن احتمال أن توقفهم الشرطة للاشتباه والتفتيش أقل بكثير من احتمال توقيف غيرهم من السود، سن الأطفال المستهدفين لاتزيد فى الغالب على 12 سنة، وسائل التواصل الاجتماعى هى بداية الاتصال بين العصابات والأطفال المستهدفين. وبعد مشاورات استمرت عدة أشهر، وضعت الحكومة خطة للمكافحة، تشارك فى تطبيقها وزارة الداخلية بالتعاون مع مختلف أجهزة الحكومة والوكالة الوطنية لمكافحة الحريمة وجمعية أجهزة الحكم المحلى ومجلس قادة الشرطة الوطنى واتحاد مفوضى الشرطة ومكافحة الجريمة ومكتب شئون الشرطة ومكافحة الجريمة فى عمدية لندن. وفى خطتها لم تتنصل الحكومة من المسئولية وتعترف: نعلم أن استغلال العصابات للأطفال ظاهرة منتشرة، إذ إن عصابات من مدن كبرى بما فيها لندن ومانشستر وليفربول تعمل فى أنحاء انجلترا وويلز واسكتلندا. ويبدأ تنفيذ الخطة بتوعية الآباء والأمهات والأسر التى تتبنى أطفالا والمدارس وأى شخص يتعامل مع الأطفال بأعراض تورط الأطفال فى أنشطة العصابات. وتشمل: التغيب من المدرسة أو المنزل أو المنطقة دون مبرر أو إذن، تلقى رسائل على الهاتف بمعدل لافت للنظر، توفر مبالغ مالية أو هواتف جديدة أو ملابس لدى الطفل لا يفترض أن أسرته لم تشترها له، تغييرات نفسية أو بدنية على الطفل قد توحى بأن يتعرض للتأثير من جانب آخرين، تراجع فى الأداء الدراسي. وتوفر الخطة لأى شخص يتعامل مع الأطفال، بمن فيهم أولياء الأمور، وسائل سريعة وسهلة للحصول على استشارات بشأن التعامل مع الأطفال المستهدفين. وتشمل هذه الوسائل خطوطا هاتفية ساخنة للرد السريع، وطلب المشورة من جمعيات مختصة فى حماية الأطفال والسبل القانونية لإحالتهم إلى الجهة الأقدر على المساعدة. وتركز الخطة، بهذه الطريقة، على سبل الوقاية قبل فوات الأوان. وفى حالة عدم وفاء أجهزة الحكم المحلى المعنية بدورها فى المساعدة، يمكن اللجوء إلى جهات أعلى وأكثر تخصصا. بالتوازي، رصدت الحكومة 18 مليون جنيه استرلينى (حوالى 430 مليون جنيه مصري) لتمويل مشروعات على مستوى المحليات من شأنها المساعدة فى مواجهة ظاهرة الجريمة عموما واستغلال الأطفال فيها خصوصا. وأنشأت الحكومة صندوقا خاصا لذلك أسمته «صندوق التدخل المبكر لحماية النشء». البرلمان ليس بعيدا عن جهود المكافحة. فقد أصدرت لجنة حماية الأطفال الهاربين والمفقودين، التى تشارك فيها كل الأحزاب الممثلة فى البرلمان منذ شهور تقريرا يتضمن توصيات للحكومة بشأن مواجهة الظاهرة المخيفة. ويقول التقرير «أنماط تهيئة الأطفال للاستغلال الإجرامى شبيهة للغاية لأنماط تهيئة الأطفال للاستغلال الجنسي». وبدعم من جمعيات خيرية مختلفة، تتابع اللجنة مع الحكومة والأجهزة المعنية الأخري، تطبيق هذه التوصيات.