نخطط للاستفادة من محمد صلاح فى زيادة التبادل الثقافى ما تفسده السياسة تصلحه الثقافة.. ونواجه الأزمات بالمزيد من الشفافية التراجع الثقافى ليس فى مصر فقط.. وبريطانيا أيضا تعيش الحالة نفسها
ذلك المبنى الأنيق، العتيق، المطل على صفحة النيل، فى حى العجوزة، الذى تشير اللوحة المعلقة أعلى بواباته إلى «المركز الثقافى البريطانى فى القاهرة»، لا يعرف الكثيرون عنه سوى أنه جهة تختص بتقديم دورات تعلم اللغة الانجليزية، لكن الحوار التالى مع السيدة إليزابيث وايت، المديرة الجديدة للمركز، من شأنه أن يكشف الكثير، والجديد، عن هذا الصرح الثقافى، الذى يحتفل خلال أيام بمرور 80 عاما على إنشائه فى مصر. وبرغم هذا لم يأت الحوار مع «السيدة وايت» مجرد لقاء احتفالى، بل وضعنا أمامها كل التساؤلات، والاتهامات أيضا، حول الدور الذى تلعبه المراكز الثقافية فى مصر، والغزو الثقافى. ............................................... يقيم المركز الثقافى البريطانى بالقاهرة منتصف الشهر الجارى احتفالية كبرى بمناسبة مرور 80 عاما على تأسيسه.. فهل رأيتِ أن تستغلى المناسبة لتكون كبداية عمل وبطاقة تعارف تقدمين بها نفسك للمصريين مع بداية عملك بالقاهرة رئيسة جديدة للمركز؟ أعلم جيداً أن الاحتفاليات الخاصة تقام كل 25 سنة، فهناك اليوبيل الفضى والذهبى والماسى وهكذا، لكننى أرى أن مرور فترة 10 سنوات من عمر أى شيء ينبغى أن يكون حدثا مهما، يتم التوقف عنده لاستعراض ما تحقق من الإنجازات ومراجعة الخطط والاستراتيجيات، وأن يجرى هذا بشكل دورى كلما انقضت 10 سنوات جديدة. ولا شك أن 80 عاما هى فترة ليست قصيرة، ففى عمر البشر يمثل هذا السن مرحلة الخبرة والحكمة، وبشكل خاص فإن السنوات العشر الماضية حدث بها الكثير من المتغيرات. وأعتقد أن الأعمار الكبيرة للمؤسسات العريقة هى أمر تشعرون به وتقدرونه جيدا فى جريدة الأهرام، التى تعد واحدة من أعرق وأكبر الصحف العالمية، وعمرها تخطى الآن المائة عام. (تبتسم ثم تتساءل: لا أدرى كم عمر الأهرام الآن بالتحديد). 143 عاما؟ (تبدى إعجابها الشديد وتضحك قائلة: نحن إذن أصغر منكم عمرا). 80 عاما هى فترة طويلة، أى أن المركز الثقافى البريطانى عاصر عهودا وأحداثا تاريخية مختلفة فى مصر، بداية من فترة الملكية مروراً بثورة يوليو 52 حتى وقتنا الحالى.. فكيف تعامل مع كل هذه المتغيرات؟.. وكيف أثرت فى أهدافه واستراتيجياته؟. فى البداية جاء إنشاء المركز فى إطار تحقيق هدف عرض الثقافة البريطانية وتقديمها للشعوب، لكن ذلك كان يجرى فى اتجاه واحد ومن خلال رؤية واحدة، وهو أن تقدم بريطانيا ما لديها، ولاحظ أن ذلك كان فى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يكن يتمتع بخدمات المركز إلا مجموعات محدودة ومغلقة من المصريين، وكان النشاط الرياضى على سبيل المثال يقتصر على مائدة للعب كرة الطاولة «بينج بونج»، ولكن شيئا فشيئا عبر السنين تطورت الرؤية من العمل فى اتجاه واحد إلى العمل المشترك والتبادل الثقافى، والبحث عن المساحات المشتركة ونقاط الاتفاق وتطويرها، والآن أصبح لدينا 11 مركزا فى محافظات مصر، وبينما كنا نعمل فى الماضى على تعليم اللغة الانجليزية فقط لنشرها، أصبح هناك اليوم تعاون كبير بيننا وبين وزارة التربية والتعليم المصرية من خلال المساهمة فى تطوير العملية التعليمية من خلال خبرائنا، فضلا عن الأنشطة الفنية، لدينا برنامج لتطوير فرق الرقص الشعبى ونشر ثقافتهم من خلال الحفلات التى نقيمها لهم هنا أو فى بريطانيا، وفى البرنامج الرياضى للمركز نقوم كل عام بإحضار مدربين من الدورى الإنجليزى الممتاز لتدريب المدربين المصريين، من الرجال والسيدات، ونصف المشتركين فى البرنامج مدربات مصريات جميلات، وذلك بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة المصرية، فمصر الآن فى المركز الخامس على مستوى أفريقيا فى كرة القدم للسيدات. كيف تنظرين إلى العلاقات المصرية البريطانية اليوم من المنظور الثقافى؟ ما أشاهده اليوم هو شيء رائع بين الدولتين، فهناك تبادل وتكامل ثقافى وعلمى ورياضى كبير يحدث، والعمل قائم على أساس الشراكة، ولا نقدم شيئا من تلقاء أنفسنا، فأى ملف نعمل عليه يكون من خلال ما تطلبه الدولة المصرية، وبالمناسبة فإن الطلب على التسجيل لتعلم اللغة الإنجليزية لدينا ازداد بشكل كبير وملحوظ للغاية بعد 2011. وما تفسيرك لذلك؟ تفسيرى الوحيد أن اللغة الانجليزية تفتح مجالات عديدة للعمل وتسهل مهمة حاملها سواء داخل بلده أو خارجها، فهى تحسن من مهارات صاحبها، فاللغة الانجليزية أصبحت «أداة» وليست «ثقافة»، فنحن لا نقوم بتعليم اللغة من أجل أن تقرأ عن تاريخ ملكة بريطانيا بل لكى تمتلك مهارات أفضل للتواصل. تشغلنى اللوحة الكبيرة المعلقة خلف مكتبك بتكوينها وعناصرها الغريبة، حيث تضم مشهدا عاما للكعبة والحرم المكى وسيدة محجبة يمسك بطرف ثيابها 4 أطفال ويجذبها من يديها سيدات محجبات، ووراء السيدة خلفية لشارع تجارى به متاجر ملابس لأكبر الماركات العالمية.. فما مدلول تلك اللوحة عندك؟ تبتسم وتقول: هذه ليست لوحة المركز بل هى لوحتى الشخصية وأعتز بها جداً، وهى للفنان الانجليزى جريثن برى الذى ينتمى لمدرسة الفن المعاصر، والذى رسم سلسلة من اللوحات عن الأنماط المختلفة للإنجليز الذين يعيشون فى بريطانيا، وتلك السيدة التى فى اللوحة هى شخصية حقيقية، وهى امرأة قوقازية أشهرت إسلامها والأطفال الذين فى اللوحة هم أطفالها من أربعة رجال مختلفين، وتلك السيدة بعد أن أسلمت قالت إنها أصبحت تشعر أكثر بالأمان. هناك آراء من داخل مجتمع المثقفين المصريين ترى أن مصر كانت حتى سبعينيات القرن الماضى أكثر انفتاحاً على العالم الخارجى من اليوم وهذا ما كانت تدل عليه مظاهر ملابس السيدات وسلوك المجتمع ونسب حضور الندوات الثقافية وحفلات الأوبرا.. فهل يتابع المركز الثقافى البريطانى مراحل تغير التركيبة الثقافية للمصريين؟ وكيف تتعاملون مع هذه المتغيرات؟ هذا سؤال جيد. من خلال خبرتى وفترة عملى بالمراكز الثقافية التى بدأت منذ 25 عاما وتجولى بالعديد من البلدان مثل أذربيجان ونيوزلندا وغيرها من الدول أقول إنه يجب على مسئول المركز الثقافى أن يكون ملما بالطبيعة الثقافية لكل دولة يعمل بها، وأن يعرف جيداً ما الذى يمكن أن يؤذى مشاعر الشعب الذى يعيش معه وحالة التراجع الثقافى ليست عند المصريين فقط، لكن بريطانيا هى الأخرى تعيش الحالة نفسها، فهناك الآن حالة من الانغلاق الثقافى تعيشها دول العالم، وهنا يأتى دور المراكز الثقافية فى مد جسور المعرفة وتبادل الثقافات. فلدينا العديد من البرامج التى تساعد على التعبير عن النفس، وإظهار المهارات، وغيرها من البرامج التى تجعلك أكثر انفتاحاً على الثقافات الخارجية. الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية تعانيها بريطانيا كما تعانيها مصر أيضاً.. فهل لديكم فى المركز خطة لمحاربة التطرف بالفكر والثقافة؟ هذا ليس واحدا من أهدافنا، فهذا عمل سياسى أكثر، والحل هو تبادل الأفكار والخبرة فى مكافحة الإرهاب بين الحكومات لكن ما نستطيع تقديمه هو نشر الوعى الدينى الصحيح فيما يخص كل دين فيوجد برنامج تعاون بيننا وبين مؤسسة الأزهر عمره 10 سنوات نقوم فيه بتعليم رجال الأزهر اللغة الانجليزية، ثم نرسلهم فى بعثات إلى بريطانيا لتعليم مفاهيم الدين الإسلامى الوسطى الصحيح. ما هو شكل وتفاصيل احتفال المركز بذكرى تأسيسه ال80 يوم 15 نوفمبر؟ الاحتفال سيقام على مدى 3 أيام متتالية، وفى أول يوم سيكون هناك حفل استقبال كبير بحديقة المركز لكبار الشخصيات العامة والثقافية والفنية المصرية، وسيتم دعوة قدامى الدارسين فى المركز، واليوم الثانى سيكون الاحتفال فى الأقصر وسوف ندشن فيه برنامج «ألف بنت ألف حلم»، وهى فكرة فتاة اسمها فايزة حيدر هى كابتن منتخب مصر فى كرة القدم، وأول فتاة مصرية تعتمد كمدربة كرة قدم للسيدات من الدورى الإنجليزى، وسيتم توزيع ألف شهادة، وفى اليوم الأخير ستعرض مسرحية وستقام أنشطة للأطفال فى أحد فنادق القاهرة، كما سيقوم المشاركون فى برامج المركز المختلفة التى ليس لها علاقة بتدريس اللغة الانجليزية بعرض أفكار برامجهم وتجاربهم مع تلك البرامج، لأن الكثير من الناس يظنون أن المركز يقدم خدمات تعلم اللغة الانجليزية فقط، وهذا غير صحيح، وسيكون الختام بحفل غنائى للمطربة البريطانية نادين شاهدى، وهى مغنية مهمة ولها حضور وشعبية كبيرين للغاية. بعد مؤتمركم الأخير عن «الاقتصاد الإبداعى» الخاص بدعم مشروعات الشباب المصرى.. هل هناك خطوات تم اتخاذها على الأرض؟ الآن بدأنا فى تنظيم المنح مع المنظمات المجتمعية المصرية والبريطانية التى تشارك فى البرنامج، وعلى المستوى الحكومى هناك لقاء بينى وبين وزير الاتصالات المصرى نهاية الشهر الجارى لبحث تلك المشروعات لان أغلبية المشروعات المقدمة لها علاقة وطيدة بمجال التكنولوجيا. كم قيمة المنح المقدمة لتلك المشروعات؟ 30 مليون جنيه، جزء كبير منها عبارة عن منح، والجزء الآخر سيكون لصالح التطوير والإصلاح، فالجميع مهتم الآن بالاقتصاد الإبداعى، الذى يقوم على دعم الأفكار المبدعة اقتصاديا للاستفادة منها وتطويرها. هل تلك المنح ستقدم فى صورة مبالغ نقدية أم دعم لوجيستى لأصحاب المشروعات؟ فى صورة أموال وستذهب للمنظمات. الحديث المشترك الآن بين الشارعين المصرى والبريطانى هو «محمد صلاح» النجم المحبوب الذى يلعب فى صفوف فريق نادى ليفربول الانجليزى.. فهل هناك خطة لاستغلاله بشكل أو بآخر فى زيادة التقارب الثقافى بين البلدين باعتباره نموذجا مصريا لقصة نجاح كبيرة؟ تبتسم بإعجاب شديد بعد ذكر اسم صلاح وتتحدث بحماسة قائلة: هناك مؤتمر خاص بتطوير التعليم يقام فى لندن بشكل دورى، وآخر مؤتمر حضره الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم وكان معه المدير السابق للمركز الثقافى البريطانى، الذى استطاع أن يحصل على «التيشيرت» الخاص ب «مو صلاح»، حيث كان اللاعب الكبير من بين المدعوين للمؤتمر، وهذا جعلنى فى حالة غيرة شديدة من زميلى، الذى تمنيت أن أكون مكانه، وأن ألتقى «البطل الخاص بى»، محمد صلاح، فنحن يمكن أن نظل نعمل على تطوير العمل الثقافى سنوات، ثم يأتى شخص مؤثر مثل محمد صلاح ويترك بصمة فى أيام معدودة وبأقل مجهود بمجرد كلمة، خاصة أنه يمثل قصة نجاح وإصرار وعمل منذ انطلاقه من بلدته الصغيرة، وأنا أعرف معنى هذا لأننى أيضا من بلدة ريفية صغيرة فى انجلترا، لذلك فهو «أحد أبطالى»، ونحن بالطبع نسعى ونخطط لإنجاز شيء ما للاستفادة من شعبية صلاح فى زيادة التقارب الثقافى، فالرياضة أحد أشكال الثقافة ووسيلة لمد جسور الحوار بين الدول والشعوب. وتعود إليزابيث وايت للحديث بحماسة وعينين لامعتين قائلة: لكننى أيضا حققت حلمى أخيرا بمقابلة «أحد أبطالى».. إنه الدكتور مجدى يعقوب.. الذى كان ومازال أحد أبطالى المفضلين منذ أن كنت صغيرة، وقد ساعدتنى الظروف منذ أسابيع قليلة وقابلته فى حفل استقبال بمنزل السفير البريطانى جيفرى آدامز، وحكى لى «السير» مجدى يعقوب أنه سبق أن أجرى عملية قلب لطفل عمره لا يتعدى أيام، وكيف أنه حمل قلبه الصغير فى كف يده، فشعرت بالانبهار به، وبالرهبة من أن أصافح هذه اليد التى حملت يوما قلبا صغيرا. أخيرا.. السفير البريطانى السابق فى القاهرة جون كاسن كان قد نصحك عبر تغريدة على موقع « تويتر» بثلاث نصائح، هى أن تزورى حى الحسين، وأن تأكلى فطيرة بالسكر، وتستقلى زورقا فى النيل.. فهل فعلتِ ذلك؟ تضحك قائلة: لا شك أن كل ما تطلبه منى السفارة لا بد من تنفيذه.. لكن للأسف لم أفعل أى شيء بعد من كل هذا، وأعدك بأننى سأفعل، لأنى أشتاق لذلك بالفعل، لكننى لم أكمل سوى أسابيع فى القاهرة، وأمامى سنوات سأفعل فيها الكثير، لأن سر نجاح مدير أى مركز ثقافى هو أن يكون موجودا بين الناس فى الشارع.