«لما قالوا دى بنية الحيطة مالت عليا».. مطلع أغنية قديمة كانت تغنيها الأم على سبيل الدعابة وهى تهنهن رضيعتها لتنام، لكن رشا التى جاءها النذير بأن طفلتها الثالثة أنثي، لم يكن عندها فرصة للمداعبة ولا الغناء، فها هى الرضيعة جاءت لخراب البيت بعد أن اسود وجه زوجها تاجر الموبيليات عندما جاءه البشير بأن الثالثة أنثي. عشرون يوما منذ ولادتها قضتها رشا فى الجحيم حتى كرهت نفسها وكل شيء حولها، حتى تلك الطفلة المسكينة التى أطلقت عليها اسم «جنة» وكأنما تعبث بآلامها ومصير طفلتها التى لم يشأ أبوها حتى أن ينظر إليها، فهو يريدها أن تنجب له الولد شأن كل عائلة تربت على هذه الأفكار البالية . تيقنت رشا أن بقاء «جنة» لا يعنى سوى أن حياتها ستتحول إلى جهنم «على الأقل إن لم يطلقك فسوف يتزوج عليك امرأة أخرى تنجب له ولدا.. طول عمرك خايبة. يا رشا. حتى الولد عجزت أن تأتى به بعد ثلاث ولادات». هكذا همست لها عيون من حولها دون الشفاه، فتطابق الهمس مع صوت الشيطان الذى وسوس إليها بأن تتخلص من «جنة» «كيف.. جنة حتة مني.. هى ضنايا.. ما ذنبها؟!». «ذنبها أن يمكن أن تلقى بك أنت وابنتيك الأخريين إلى عرض الشارع، فالأب الذى جاوز الخمسين بعامين لا يعرف قلبه الرحمة» «هو حتة «عيل» كتير على يا ناس.. نفسى أشوف ولد بعد كل العمر الطويل». «أول واحدة قلنا رزق.. الثانية قبلنا ما رزقنا الله به.. لكن الثالثة لا يمكن تحملها ولم يبق فى العمر وقت للصبر».. هكذا كان يهمس لنفسه وهو يشيح بوجهه عن الرضيعة، التى جاءت وكأنها ثمرة خطيئة لا يرضى عنها أب ولا أم!. لكن ماذا ستفعل رشا يا ترى فى هذه المصيبة الثالثة؟!.. فكرة ملعونة ولكنها ستخلصها من كل هذا الألم، عساها أن تنقذها من الجحيم وتنقذ مستقبل طفل لو عاشت لقدر لها أن ترضع لبن الكراهية والاعتراض على مشيئة القدر». الأب لا يعرف غير الشراسة ورغم امتلاكه معرض موبيليات إلا أنه معتاد الإجرام وذاق حياة السجن كما أنه مسجل جنائيا لا يعرف قلبه الرحمة. وهى كأم تخطو نحو العام الثالث والثلاثين من العمر ولا وقت لديها لتربية طفلة ثالثة تلزمها بالبقاء فترة طويلة لتحمل مرة أخرى لتأتى بالولد. ولكن ما الضمان بأنها ستأتى بالولد؟! لاشيء، لكن الواقع أن جنة التى تطلق صراخها الآن، هى مولودة لا يرغب أحد فى بقائها!. فلتخفى جنة إلى الأبد.. وكما كانت رشا طريقها للحياة، ستلقى بها فى طريق الموت! كان قرار رشا أن تقتل جنة تماما كما تقتل أمهات كثيرات ثمرات بطونهن بالإجهاض أو عقب الولادة مباشرة. وفى اليوم العشرين من الولادة خرجت رشا، تحمل ابنتها جنة وتعود بمفردها بعد أن خنقتها وتحققت من موتها. أين ذهبت الطفلة؟ بكل بساطة خنقتها والدتها ووضعتها فى لفافة وألقت بها داخل كيس قمامة لترمى به على مقلب قمامة كأى كيس مخلفات لا يهتم أحد بما يحويه!. وعادت لتخبر الجميع بالعجب، العجاب، فزعمت أنها كانت تحمل طفلتها فى طريقها إلى الطبيب وانتظرت أن تركب «توك توك» من شارع سكة الوايلى بحدائق القبة فوجدت سيدة مجهولة فطلبت منها رشا «فكة ورقة ب100 جنيه» لكنها فوجئت بها ترش مادة على وجهها لتغيب عن الوعى وتفيق بعدها لتجد نفسها فى منطقة سراى القبة وقد اختفت ابنتها جنة!. وبمجرد الإبلاغ عن الواقعة، امر اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام بتشكل فريق بحث من ضباط قطاع الامن العام ومباحث القاهرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لسرعة التوصل إلى السيدة المجهولة وإعادة الطفلة، لكن التناقض فى الأقوال وعلامات الاضطراب كان السمة الغالبة على رشا عند تكرار مناقشتها عن الواقعة، وفى الوقت نفسه الذى جرى فيه البحث عن السيدة المجهولة بإعادة فحص كاميرات المحلات المطلة على الشارع بمنطقة البلاغ والبحث عن أى اشتباه بين سائقى التكاتك، لكن التحريات التى قادها اللواء محمود ابو عمرة مدير الإدارة العامة لمباحث الوزارة واللواء محمود السبيلى مساعد مدير الادارة العامة للمباحث بقطاع الامن العام التى جرت بالموازاة مع ذلك، توصلت إلى أن الخلافات احتدمت بين الزوجين عقب إنجاب «جنة» حيث كانا يتمنيان أن تكون «جنة» هى الولد المنتظر قدومه ولكن كان للقدر قرار آخر، والنتيجة أن الأم ضاقت بالخلافات التى هددت بقاء العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها، حيث رفض الأب الطفلة وضيق الخناق على الأم حتى تخلصت من الطفلة بتلك الطريقة البشعة، فلم تفكر حتى أن تلقى بها حية فى أى مكان، فكان قرار قتلها ظنا منها ان موتها سيريح الجميع منها. وقد اعترفت الأم إثر مواجهتها بهذه التحريات التى تمت بسرعة شديدة حيث تمكن اللواء حسنى عبد العزيز واللواء اشرف توفيق وكيلا المباحث الجنائية بقطاع الامن العام من العثور على جثة الطفلة قبل أن تنقلها عربة القمامة. فكان يمكن أن تطمس آثار جريمة الأم التى كادت تفلت من العقاب بافتعال واقعة الخطف الوهمية. وكان قرار النيابة حبس رشا على ذمة التحقيق وتوجيه تهمة القتل العمد والبلاغ الكاذب إليها وكذلك عرض جثة الرضيعة «جنة» على الطب الشرعي.