فى نشيد السلام الوطنى المصرى القديم (1929-1936): اسلمى يا مصر إننى الفدا ذى يدى إن مدت الدنيا يدا أبداً لن تستكينى أبداً إننى أرجو مع اليوم غدا. أنا مصرى بنانى من بنى هرم الدهر الذى أعيا الفنا، وقفة الأهرام فيما بيننا لصروف الدهر وقفتى أنا. إن رمى الدهر سهامه أتقيها بفؤادى وسلمى فى كل حين. تلك هى مشاعر المصريين جميعاً فى وقت الشدائد التى تمر على بلادنا. وفى كل عام نتذكر انتصارات أكتوبر ومرحلة البطولات التى سبقتها فى حرب الاستنزاف نجد أمامنا آلاف البطولات والمعانى العظيمة للفداء والشجاعة وحب الوطن. ولم يكن الجيش وحده هو صاحب البطولات ولكن كانت مصر كلها. فروح أكتوبر والانتصارات هى روح المصريين عبر الزمان. ففى غفلة من الزمن دخلت قبائل الهكسوس إلى مصر من بلاد الشام فى القرن الثامن عشر قبل الميلاد واستوطنوا واستطاعوا بعد انهيار الدولة الوسطى تحقيق انتصار على المصريين وحكموا أغلب مناطق مصر. ولكنهم لم يستطيعوا حكم طيبة التى قادت الكفاح ضد المحتل الذى اغتصب الأرض واستشهد سقنن رع، وأكمل جهاده ابنه كامس. وبعد موته قاد الثورة ابن أخيه أحمس الذى استطاع أن يحاربهم خمس سنوات متواصلة حتى طردهم من مصر بل زحف خلفهم حتى أرض فلسطين. وحين سقطت مصر فى قبضة الرومان فى القرن الأول قبل الميلاد بدأ المصريون فى محاولات لطردهم، وقامت ثورات شعبية كثيرة حاولوا فيها التخلص من الاحتلال ولكنها باءت بالفشل إلى أن دخل العرب مصر وطردوا الرومان. وحين تعرضت مصر إلى الاحتلال الفرنسى عام 1798م تحول كل الشعب إلى ثائرين رغم محاولات الفرنسيين خداع المصريين بشتى الطرق، وبالرغم من الفوائد التى عادت على مصر من ناحية الثقافة والحضارة إلا أنهم كانوا فى نظر المصريين محتلين أيضاً ولا يمكن القبول بحكمهم. وهذه سمة مهمة فى المصريين فنقبل الآخر ضيوفاً نكرمهم، ونقبل من يأتى باحثاً أو مكتشفاً ويكون مرحبا به جداً، ولكن من يأتى ليحتل بالقوة أو المال يحدث النفور والرفض. فقد قامت الثورات فى كل مصر بدأت بالمنصورة حيث كانت تتحصن حامية فرنسية قتلوا أغلبهم، وبعدها ثورة أبى زعبل عام 1798م الذين أجبروا الفرنسيين إلى التقهقر إلى الخانكة فهجم عليهم أهل المدينة ففروا هاربين. ثم ثورة بلبيس ثم المنوفية ثم طنطا وتكبد الفرنسيون خسائر من أهالى الوجه البحري. ثم امتدت إلى الصعيد حيث تجمع أربعة آلاف من أهالى سوهاج لمحاربة الجيش هناك، وفى البداية انتصر الفرنسيون حتى انضم إلى الثورة أهالى أسيوط والمنيا وبنى سويف حتى هرب قائد الجيش هناك الجنرال ديزيه وقد أرسل إلى قيادة الجيش يقول لهم: »إننا نعيش هنا فى ضنك«. وحرق الفرنسيون قرية بنى عدى حتى استشهد ثلاثة آلاف مصرى حرقاً. وحاولوا الدخول إلى جزيرة فيلة فأطلق الأهالى النار على الأسطول الفرنسى وحاول الجنرال بليار أن يعقد صلحاً معهم ففشل ومع استمرار المقاومة انسحب مهزوماً. وظلت مصر كلها فى حالة الثورة حتى توج كفاحهم بخروج الفرنسيين مهزومين عام 1801م. ولكن عادت مصر ولاية عثمانية مرة أخرى وبدأ الولاة العثمانيون فى استغلال المصريين فقاموا بثورة ضد خورشيد باشا عام 1805م. واجتمع أربعون ألف مصرى أمام دار المحكمة أو بيت القاضى وهتفوا: يارب يا متجلى أهلك العثمانلى فقرر زعماء الشعب عزل خورشيد باشا وتعيين محمد على والياً على البلاد، لتدخل مصر عصرا جديدا بأيدى المصريين. وبدأت مصر تتنسم رائحة الحضارة والاستقلال ولكن القوى العظمى التى تعرف جيداً قوة مصر أرادت إجهاض مشروع مصر الحديثة فعزلوا الخديوى إسماعيل عام 1879م وعينوا الخديوى توفيق الموالى للإنجليز. وتدهورت أحوال مصر فقام عرابى بثورة ومعه الجيش عام 1881م وكادت الثورة تنجح فأرسلت إنجلترا وفرنسا أسطولا مشتركا لمحاربة عرابي. ثم تحرك الأسطول الإنجليزى نحو الإسكندرية ونزلوا إلى المدينة فتراجع عرابى إلى كفر الدوار واستطاع أن يهزم الإنجليز، ولكنه هزم فى التل الكبير نتيجة الخيانة وتفوق الإنجليز فى السلاح وعدد الجنود. ودخل الإنجليز مصر ونفى عرابي. وبدأ المصريون فى صراع آخر حتى تجمعوا فى ثورة 1919م التى انطلقت فى كل مصر تحت قيادة سعد زغلول. وعرف المصريين الجهاد الدبلوماسى بجانب الجهاد المسلح فقد جمع أعضاء الوفد توكيلات من كل المصريون للتحدث باسمهم فى المحافل الدولية، وسافروا إلى باريس وعرضوا قضية مصر هناك. ثم اعتقلت سلطة الاحتلال سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة مالطة فانتشرت الثورة فى كل ربوع مصر رجالا ونساء، وكانت تخرج المظاهرات من الكنائس والجوامع وكانوا يرددون: عاش الهلال مع الصليب، والجلاء التام أو الموت الزؤام, والموت الزؤام يعنى الموت السريع المكروه. وتصدى الإنجليز للثورة فاستشهد الكثير من الأهالى حتى أنهم فتحوا النار على المصلين فى الأزهر يوم الجمعة. ومع ضغط الثورة تم العفو عن سعد زغلول ورفاقه وعادوا إلى مصر، ثم نفوه مرة أخرى إلى جزيرة سيسل وتجددت الثورة مرة أخري. ثم صدور دستور 1923م الذى يقول: إن مصر دولة ذات سيادة حرة مستقلة. ومع الضغط الشعبى أفرج عن سعد زغلول وبدأت الانتخابات النيابية عام 1924م وشكل الوفد الحكومة برئاسة سعد زغلول. وبدأت مصر تدخل فى مرحلة جديدة بأيدى المصريين لحكم بلادهم، ولكن هذا لم يرق للقوى العظمى وبدأت الصراعات السياسية والمواجهات المسلحة حتى قام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو 1952م. وبدأت مصر تستنشق الحرية التى انتزعها المصريون بأيديهم، ولكن بدأت القوى العظمى تحيك المؤامرات وتحاول إدخال مصر فى أزمات سياسية وعسكرية انتهت بحرب 67م، وما قد حدث فيها من مفارقات غريبة داخلية وخارجية. وبعد الهزيمة عاد المصريون بروح الوطنية لينتصروا فى أكتوبر ليستعيدوا روح مصر الحقيقية. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس