النواب يناقش مشروع قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لتطوير المنشآت الصحية    وزارة العمل: توعية في مجال السلامة والصحة المهنية بمحطة توليد كهرباء بشمال سيناء    الخروف ب 11 ألف جنيه.. تعرف على أسعار الأضاحي 2024 في الشرقية    ضياء داود يرفض قانون تطوير المنشآت الصحية.. والأغلبية: منطلقاتنا وطنية    تداول 11 ألف طن و821 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر خلال 24 ساعة    لجان المقاومة في فلسطين: الرصيف العائم أصبح خدمة للاحتلال الإسرائيلي    محاولات إسرائيل لعرقلة القضايا القانونية (خبير يوضح)    رئيس «المصريين الأحرار»: لن يخرج فائز من الحرب على قطاع غزة    القنوات الناقلة المفتوحة لمواجهة الزمالك ونهضة بركان في نهائي الكونفدرالية الإفريقية    البدري: الأهلي قدم مباراة جيدة أمام الترجي .. وتغييرات كولر تأخرت    مصرع طفل وإصابة آخرين في حادث تصادم بصحراوي المنيا    دون وقوع خسائر بشرية.. التحقيق في اندلاع حريق بعقار سكني بمدينة نصر    السجن ل8 متهمين باستعراض القوة وقتل شخص وإصابة 5 آخرين في الإسكندرية    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    «القومي للترجمة» يكرم المترجم علي الغفاري خلال الإحتفال باليوم العالمي لقارة أفريقيا    مايا مرسى تشارك في فعاليات افتتاح الدورة الثانية لملتقى التمكين بالفن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    رئيس النواب: الحق في الصحة يأتى على رأس الحقوق الاجتماعية    متحور كورونا الجديد FLiRT: التحليل والتدابير الوقائية    افتتاح دورة تدريبية عن تطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    الأحد 19 مايو 2024.. الدولار يسجل 46.97 جنيه للبيع في بداية التعاملات    عقب مواجهة الترجي.. وصول بعثة الأهلي للقاهرة    رضا عبد العال: الأهلي حقق المطلوب أمام الترجي    طارق شكري: 3 مطالب للمطورين العقاريين للحصول على إعفاءات ضريبة للشركات    سعر كيلو السكر في السوق اليوم الأحد 19-5-2024    أيمن عاشور: مصر شهدت طفرة كبيرة في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي    شهادات تقدير لأطقم «شفاء الأورمان» بالأقصر في احتفالات اليوم العالمي للتمريض    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    القومي لحقوق الإنسان يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة لمناقشة التعاون المشترك    وزيرة التضامن تبحث ريادة الأعمال الاجتماعية مع نظيرها البحريني    أحمد أيوب: مصر تلعب دورا إنسانيًا ودبلوماسيًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    الفنان حسن مصطفى.. تميز بالصدق فى الأداء.. مدرسة المشاغبين والعيال كبرت «أبرز أعماله».. وهذه قصة زواجه من ميمي جمال    الليلة.. عمر الشناوي ضيف برنامج واحد من الناس على قناة الحياة    انطلاق الموسم المسرحي لاقليم جنوب الصعيد الثقافي على مسرح قنا| صور    مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعًا لبحث العملية في رفح    "اليوم التالي" يثير الخلافات.. جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو بسبب خطة ما بعد الحرب    الأولى منذ عام 2000.. بوتين يعتزم زيارة كوريا الشمالية    بسبب الموجة الحارة تحذيرات عاجلة من الصحة.. «لا تخرجوا من المنزل إلا للضرورة»    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير وموفرة    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    إعلام روسي: هجوم أوكراني ب6 طائرات مسيرة على مصفاة للنفط في سلافيانسك في إقليم كراسنودار    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    بحضور وزير الشباب والرياضة.. تتويج نوران جوهر ودييجو الياس بلقب بطولة CIB العالم للإسكواش برعاية بالم هيلز    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    أخبار جيدة ل«الثور».. تعرف على حظك وبرجك اليوم 19 مايو 2024    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    مصرع فتاة أسفل عجلات جرار زراعى بالمنوفية    أسعار الخضراوات اليوم 19 مايو 2024 في سوق العبور    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    نهائي دوري أبطال أفريقيا| بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد التعادل مع الترجي    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى (5)
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 09 - 2018

فى سياق زخم الحركة الوطنية المصرية الذى صنعته ثورة 1919، كان إنشاء بنك مصر فى عام 1920 نقطة انطلاق تطور الصناعة الرأسمالية الوطنية الكبيرة فى مصر. وكان بنك مصر أول بنك تجارى وطني- رأسمالاً وادارة- قام بدور رائد فى تجميع المدخرات القومية وتقوية المواقع المالية اللازمة لتشكيل طبقة رأسمالية صناعية وطنية. فلم تعرف مصر حتى عام 1927 إلا مصنعاً أجنبيا واحداً كبيراً لغزل ونسج القطن اعتمد على استخدام الآلات الحديثة، ولم تنقذه من التصفية سوى صعوبة الاستيراد وزيادة الطلب خلال الحرب العالمية الأولي. وفى مواجهة السياسة الاستعمارية البريطانية المعادية لتصنيع مصر.
وأسجل، أولا، أن التصنيع الرأسمالى الوطني، الذى كان ثمرة تأسيس بنك مصر للصناعة الوطنية الرأسمالية الكبيرة، جاء فى سياق الانتصارات التى حققها نضال الحركة الوطنية المصرية ضد الاستعمار البريطانى بعد عقود من عدائه السافر لتصنيع مصر, وخاصة تصنيع محصول البلاد الزراعى الرئيسي. فقد كان الزخم الوطنى الثورى لثورة 1919 رافعة هامة لحفز مشاركة المصريين فى تلبية دعوة طلعت حرب للمساهمة فى تأسيس بنك مصر واقامة شركاته الصناعية وغير الصناعية. وقد قامت شركات بنك مصر منذ البداية كبيرة فتمكنت من مواجهة المنافسة الضارية مع الشركات المملوكة لرأس المال الأجنبي, الوافد والمقيم, العاملة فى مصر. وحتى يتمكن من هذا قام بنك مصر بدور تقدمى تاريخيا بتعبئته مدخرات صغار المساهمين والمودعين من المصريين, وجذبهم الى ميدان المعركة من أجل تصنيع مصر وتمصير نشاط الأعمال الرأسمالى الحديث والحد من الهيمنة المطلقة للاحتكارات الأجنبية. وقد فتح تصنيع القطن الطريق أمام قيام الصناعة المصنعية الرأسمالية الحديثة فى هذا الفرع القيادى للصناعة التحويلية.
وثانيا، أن التصنيع الرأسمالى الوطنى فى مصر قد حقق انجازات أهمها: تسارع معدل نمو الانتاج الصناعى وتضاعفه, وارتفاع الوزن النسبى للناتج المتولد فى الصناعة التحويلية من الناتج المحلى الاجمالي, وتحديث الفروع التقليدية وخاصة بادخال نظام الآلات والمعدات الحديثة الى عملية الانتاج, واقامة فروع جديدة للصناعة الآلية التحويلية. وارتفع الرقم القياسى لمجمل الانتاج الصناعى من 100 فى عام 1939 الى 138 فى عام 1945, وارتفع الرقم القياسى للناتج المحلى المتولد فى الصناعة التحويلية وحدها من 100 فى عام 1945 الى 147 فى عام 1952. وزادت القيمة المضافة الصافية للصناعة التحويلية, باستبعاد قيمة الوقود والمواد الأولية, من 13 مليون جنيه فى عام 1937 الى 54 مليون جنيه فى عام 1945؛ أى تضاعفت بأكثر من أربع مرات. وارتفع نصيب القيمة المضافة الصافية للصناعة التحويلية فى إجمالى الناتج القومى الصافى للبلاد من 8% الى 11% بين العامين المذكورين. وإن تسبب تعذر استيراد الآلات فى سنوات الحرب العالمية الثانية فى انخفاض رصيد الآلات فى اجمالى رأس المال الثابت.
وثالثا، أن التصنيع الرأسمالى الوطنى فى مصر قاد الى نتائج؛ أهمها فى المجال الاقتصادي: قيام الصناعة الآلية الكبيرة فى الفروع الرئيسية للصناعة التحويلية وتقديم هذه الصناعة القسم الأعظم من السلع المصنعة، وتطور التقسيم الاجتماعى للعمل وتوسع السوق الداخلية وتنامى علاقات الترابط وصلات التشابك والاعتماد المتبادل بين مختلف قطاعات وفروع الاقتصاد القومي؛ بين الصناعة التحويلية والزراعة التجارية والصناعة الاستخراجية وانتاج الطاقة والبناء والتشييد والنقل والمواصلات وقطاع المال, كما نما الاعتماد المتبادل بين فروع الصناعة التحويلية... الخ. وأدت نتائج الانقلاب الصناعى الرأسمالى التى أوجزناها الى إضعاف تبعية الاقتصاد المصرى المطلقة للسوق العالمية باعتبارها مجرد مزرعة للقطن. وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية- ورغم حرمان بنك مصر من المساهمة فى التصنيع الوطنى جراء قيود قانون دعمه- جرى تأسيس مصانع آلية كبيرة فى مجالات انتاج: المعادن والمنتجات المعدنية الحديدية وغير الحديدية, والمواد الكيماوية الوسيطة والكيماويات الأساسية, والسلع الكهربائية مثل بطاريات السيارات.. الخ.
ورابعا، أن مأزق ارتقاء التصنيع الرأسمالى الوطنى قد تجلى في: تدنى مساهمة فروع الصناعات الثقيلة فى القيمة المضافة للصناعة التحويلية وعدم قيام صناعات انتاج الآلات والمعدات والمحركات ووسائل النقل, واقتصر انتاج مصر الهزيل منها على انتاج أدوات محسنة وأساس فى الورش. ولم تعرف صناعة التعدين استخراج الحديد الخام رغم توافر مصادره وربحية استخراجه, ورغم ضعف انتاج الكهرباء وارتفاع تكلفتها لم تنفذ الحكومات المتعاقبة وعودها بإقامة محطة كهرباء خزان أسوان لتوليد الكهرباء الرخيصة من المساقط المائية. وأما انتاج الصناعة المصرية, الذى غطى اجمالى الاستهلاك المحلى من العديد من المنتجات المصنعة, فانه لم يتعد فى عام 1952 حوالى 46 سلعة ومجموعة من السلع, ولم يتجاوز متوسط قيمة كل منها نحو نصف مليون جنيه. وقد تم التصنيع الرأسمالى الوطنى من أعلى وعلى درجة عالية من التركز والتكلفة منذ البداية حتى يمكنها من الصمود فى وجه المنافسة الأجنبية وبسبب الأثمان العالية للآلات والتجهيزات فى زمن إقامتها المتأخر. وكان ارتفاع تكاليف الانتاج نتيجة الاعتماد على الواردات من السلع الرأسمالية والمستلزمات الوسيطة عالية السعر, عاملا أسهم فى انخفاض مستوى الانتاجية فى الصناعة المصرية الآلية الحديثة.
وخامسا، أن السياسة الاقتصادية قد استجابت للمصلحة الوطنية فى تصنيع البلاد فحفزت تطور الصناعة الحديثة القومية، فى بعض الأحيان, لكنها عرقلت هذا التطور وعبرت بشكل سافر عن المصالح المعارضة والقوى المناوئة لتصنيع مصر, فى أغلب الأحيان. والأمر أنه أياً تكن الأحزاب السياسية التى تولت الحكم وسواء جاءت الحكومات المتعاقبة عن طريق الانتخابات البرلمانية أو بمؤامرات الاستعمار والقصر، فإنه لم يكن بمقدورها أن تخرج عن تأثير القوى المسيطرة على اقتصاد البلاد وصنع السياسة الاقتصادية وهي: سيطرة رأس المال الأجنبى على الشركات المساهمة والبنوك أى مراكز السيطرة على الاقتصاد المصري، وطبقة كبار ملاك الأرض المناوئة للاصلاح الزراعى الضرورى لتوسيع السوق بزيادة القدرة الشرائية للفلاحين والتحول من المضاربة العقارية الى الاستثمار الصناعي, وتضارب مصالح النخبة الرأسمالية الكبيرة، الذى تجلى فى تعارض مصالحها فى الاستثمار الصناعى مع كونها هى ذاتها من كبار ملاك الأرض وشريكة لرأس المال الأجنبى المسيطر.
لمزيد من مقالات د. طه عبدالعليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.