عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 29 أبريل في مصر بيع وشراء    شهداء وجرحى بينهم أطفال ونساء جراء قصف إسرائيلي لمنزل غرب قطاع غزة    "بلومبرج": الولايات المتحدة تضغط من أجل هدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن    ميدو: سامسون أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    بسبب واقعة «الشورت».. عمرو أديب يهاجم نجما الأهلي والزمالك ويطالب بمعاقبتهما (فيديو)    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين وتُحذر: ظاهرة جوية «خطيرة»    خلال 24 ساعة.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل مختطف ويضبط الجاني    أشرف زكي: الفن مفهوش واسطة وإذا تدخلت لتشغيل الممثلين إهانة لهم (حوار)    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    الاقتصاد الأمريكي يحتاج لعمال.. المهاجرون سيشكلون كل النمو السكاني بحلول 2040    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    مقتل 3 من قوات الاحتلال وإصابة 11 آخرين بانفجار عبوة ناسفة في غزة    مناطق روسية تتعرض لهجمات أوكرانية في مقاطعة كورسك    فيصل مصطفى يكتب: عجلة التاريخ    معاداة الصهيونية.. انقسام جديد يهدد النواب الأمريكي    حزب الله يعلن استهداف 4 مواقع عسكرية إسرائيلية على حدود لبنان    سرايا القدس تعلن قصف تجمع لجنود الاحتلال في جنود غزة    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    الاتحاد المغربي: نُهنيء نهضة بركان بالتأهل لنهائي الكونفدرالية أمام الزمالك    "مضغوط بقاله فترة ".. الزمالك يعلن موقفه من شلبي بعد احتفاله أمام دريمز    كواليس جلسة استماع محمد الشيبي أمام لجنة الانضباط    ميدو: لو كنت مسؤولًا في الأهلي لعرضت عبد المنعم على أخصائي نفسي    بعد المشادة مع كلوب، ليفربول يفتح باب العروض لبيع محمد صلاح    تعليق لميس الحديدي على وصول الزمالك لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    مصطفى عمار: الدولة خلال 2024 تضع على عاتقها فكرة التفكير في المستقبل    المهندس خالد عباس يكشف عدد سكان العاصمة الإدارية    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    إصابة 12 شخصًا اختناقاً بالكلور داخل محطة مياه في قنا    مصرع 5 أشخاص صدمهم ميكروباص على الصحراوي الشرقي جنوبي المنيا    حالة الطقس اليوم الإثنين 29_4_2024 في مصر    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    4 مليارات جنيه لاستكمال المرحلة الثانية من مبادرة حياة كريمة لعام 24/25    على مدار نصف قرن.. سر استمرار الفنان سامي مغاوري في العمل بالفن    صورة نادرة للإعلامية منى الشاذلي بالجامعة والفنانة فاطمة محمد علي تكشف قصتها    ندوة حول تطور أذواق المستهلكين بالمؤتمر الدولي للنشر بأبوظبي    كانت هتعيط.. أول تصريح من ياسمين عبد العزيز على انفصالها من العوضي|فيديو    حدث بالفن| وفاة والدة فنان وأزمة بين بسمة وهبة وفنانة شهيرة وإيران تمنع مسلسل مصري من العرض    نجوى كرم تشوق الجمهور لحفلها في دبي يوم 3 مايو    عمرو أديب يكشف تفاصيل إصابته ب جلطة في القلب    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    وزير الاتصالات: التعاقد مع 60 شركة لتوفير 65 ألف وظيفة للشباب    أبرزها كورونا.. أستاذ مخ وأعصاب يكشف أسباب زيادة معدلات الإصابة بجلطات المخ والقلب    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    الكشف المبكر عن سرطان الكبد.. أسترازينيكا مصر: فحص 30 مليون مصري بحلول عام 2030    محافظ بني سويف يلتقى وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    وظائف خالية ب الهيئة العامة للسلع التموينية (المستندات والشروط)    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية السجينة 1536..
نوال السعداوى: مات السادات فرقصت المنتقبات وسجدت الشيوعيات!
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 09 - 2018

مذكراتى فى السجن كتبتها على ورق تواليت بأقلام حواجب حصلت عليها من متهمة

فى أكتوبر المقبل تكمل عامها ال 88، ومع ذلك مازالت مثيرة للجدل بأفكارها ومؤلفاتها التى تحصد الجوائز فى أوروبا وأمريكا. صدر لها 70 كتابا تمت ترجمتها جميعا إلى أكثر من 35 لغة، وقامت بتدريس «الإبداع والتمرد» لربط الطب بالأدب والعلوم الإنسانية. هى ترى أن «الله» عزّ وجلّ هو الضمير الحى، وأن الإيمان ليس بالوراثة، وتؤمن بأن الجدل هو قمة الفضائل. وليس جديدا القول بأنها من أشرَس المُدافعات عن المرأة وحقّها فى الحريّة والمُساواة. قالت لنا إن مصر غارقة الآن فى ضجيج من الفتاوى ما أدى إلى اختفاء النساء خلف الحجاب والنقاب اللذين هما – فى تصورها- أهم رمزين من رموز الإسلام السياسى. هى خاضت تجربة السجن وتعرضت للتهديد بالقتل من قبل المتشددين، ويقولون عنها إنها «ابنة إيزيس» كما أطلقوا عليها فى الترجمة الإنجليزية لسيرتها الذاتية. إنها الدكتورة نوال السعداوى.. وكان « للأهرام» معها هذا الحوار:
أريد فى البداية أن تحكى لنا عن الجدة «مبروكة» التى تزوجت فى العاشرة من عمرها من رجل فى الخمسين وترملت فى العشرين!
نعم.. هى جدتى. كانت سيدة قوية، وكانت تكره إنجاب البنات مثل الكثير من النساء فى المجتمع بمختلف مستوياتهم لأننا فى مجتمع ذكورى يحمل فيه المولود الذكر اسم أبيه، أما البنت فتتبع زوجها فيما بعد. وقد رفضت «مبروكة» أن تتزوج بعد وفاة زوجها حبا فى الحياة التى لم تعشها، وأقسمت ألا تتزوج، وتفرغت لتربية أولادها، فاشتغلت فى الغيط وحملت الفأس. لم تقرأ جدتى القرآن الكريم، ولا كارل ماركس، ولا أى كتاب، ومع ذلك كانت تحكم بالعدل فى أى نزاع يحدث بين الرجال فى عائلتها أو قريتها. فى بيتنا كان الصراع يدور بين عائلتى أبى وأمى، وكان أشبه بالصراع فى مجلس النواب، حيث كانت عائلة أمى تقف مع الباشوات والبهوات والملك فاروق يؤيدونه بينما تقف عائلة أبى ضد الملك والحكومة وعلى رأسهم جدتى التى كانت تقول: «لا يمكن ربنا يكون مع الظالم»، ليرمقها الرجال ذوو البدل الأنيقة فى استعلاء ويتساءلون: كيف تشارك هذه الفلاحة العجوز فى النقاش السياسي؟ لكنها لم تكن تأبه بهم وتواصل دفاعها عن العدالة البسيطة، وإن قال لها أحدهم إنها لم تقرأ القرآن كانت ترد بأن ربنا هو العدل وقد عرفوه بالعقل وليس بالكتاب.
لماذا أهديتِ كتابك الأول عام 1955 إلى الوالدة زينب هانم شكري؟ وما سر هذه السيدة التى جعلتك تطالبين بأن تتبع أسماؤنا أسماء أمهاتنا لدرجة أنكِ أطلقتِ على نفسك اسم «نوال زينب السعداوي»؟
أمى لم تكن أقل عظمة من جدتى بل كانت أكثر ثقافة, وكانت تنتمى لعائلة شكرى بيه سليلة المجد وتمتد حتى طلعت باشا فى اسطنبول لدرجة أنها لم تكن تحلم بالزواج بل بجائزة نوبل فى العلوم مثل مدام كورى. كانت أمى - وهى تلميذة بالليسيه- تكتب الشعر بالعربية والفرنسية، لكن أباها أخرجها من المدرسة بالقوة ليزوجها من أبى، فتوقفت تماما عن الكتابة والطموح الأدبى أو العلمى، واكتفت بولادة تسعة من الأطفال، ثم ماتت وهى فى الخامسة والأربعين من عمرها بمرض السرطان، ومات أبى بعدها بشهور قليلة، ولذا كان من الطبيعى أن أهدى إليها كتابى الأول لأنها بالفعل- كما كتبت فى الإهداء – «هى المرأة العظيمة التى عاشت وماتت من اجلى دون أن احمل اسمها».
ولقد حدث وأنا طفلة صغيرة أن طلب منى المعلم كتابة اسمى كاملاً، فكتبت نوال، فطالبنى بكتابته كله، فكتبت نوال زينب باعتبارها هى من تعلمنى وتربينى وهى التى علمتنى أن اكتب اسمى، فقام المعلم بشطب اسم أمى بكل غلّ فشعرت وكأنما قام بقتلها. والحقيقة هى أننى كنت دائما ارغب فى اقتران اسمى باسم أمى واسم أبى معا لأنى نتاج الإثنين اجتماعيا وبيولوجيا، وبالتالى فهو أمر غير عادل أن نتجاهل دور الأم فى تكوين الجنين ثم تربيته بعد ولادته.
وهل ورثتِ مِن والدك «السيد أفندى حبش السعداوي» جيناتِ التمرُّد؟
أبى وُلد فى العام الأول من القرن العشرين، بقرية كفر طحلة التابعة لمدينة بنها فى محافظة القليوبية. كان متفوقا فى دراسته بالأزهر ودار العلوم والقضاء الشرعى وكلية المعلمين، وكان مرشحا للسفر إلى فرنسا، لكن زميلا أقل كفاءة منه وأكثر قربا من الحكام اقتنص مكانه فى البعثة. عاش أبى معارضا للحكم الملكى وسطوة الإنجليز، وناقدا لمناهج وزارة المعارف والمؤسسات الدينية، وتم إقصاؤه عن مكانه ليكون قاضيا بالمحاكم الشرعية، وكأزهرى تصدى لجماعات النص القطعى الثابت غير القابل للاجتهاد أو التجديد. لقد كان واسع الأفق جدا، ودائما ما كان يقول لى «لا تطيعى إلا عقلك ودائما ناقشيني»، ولهذا كنت أقول وأكرر «علموا أولادكم الجدل.. فالجدل فضيلة والطاعة رذيلة.. الطاعة للعبيد أما الجدل هو الشيء الوحيد القادر على إحداث أى تغيير.
فى بيتنا - كما فى مجلس النواب- كان الفلاحون من عائلة أبى ينتمون إلى حزب الوفد والنحاس باشا، أما عائلة أمى فانحازت للباشوات وأحزاب الأقلية ليرتفع صوت أبى منددا بأحزاب الأقلية والباشوات ومؤيدا لحكومة الوفد والنحاس باشا عندما قدما مشروع قانون لمجلس النواب عام 1940 ينص على عدم الحجز على بيت الفلاح المفلس العاجز عن دفع الضرائب.
وما الذى حفز الطبيبة نوال لتتجه إلى الكتابة؟
لا يوجد انفصال بين الإثنتين ( الطبيبة والأديبة) فقد قمت بتشريح المخ والجسد.. وكل شيء متصل ببعضه. وحين تخرجت فى كلية الطب وذهبت للعمل بإحدى القرى ورأيت بعينى حجم البؤس الواقع على النساء، من حيث ممارسة الختان، وعمليات الإجهاض السرى، وكذا الدُخلة «البلدي» وربط الشرف بالكثير من الدماء. أصابنى كل ذلك بالهلع، وكذا الحال فى ختان الذكور، وحجم الوفيات الناتجة عن هذه العمليات. وفى الدراسات والعلوم الحديثة تم إثبات ما أقول،ومن هنا كتبت «المرأة والجنس»، و»الرجل والجنس»، وبعدها فقدت وظيفتى بوزارة الصحة، وفى عام 1973 أغلقوا وصادروا مجلة الصحة التى أسستها وظللت أحررها لأكثر من ثلاث سنوات.
كنتِ ترددين أمام الوالد أن الأدب عندك أهم من الطب، وكان يجيبك: إن الأدباء يموتون من الجوع ويدخلون السجون، وكانت نصيحته لكِ أن تتمسكى بمهنة الطب وتقومى بفتح عيادة... فهل ندمتِ؟
أنا لا أندم أبدا على أى قرار أتخذه فى حياتى، فالندم مدمر، والكتابة عندى لم تكن مهنة مثل الطب وإنما هى بالنسبة لى الوجود أو العدم. إن الكتابة تجرى فى خيالى وأحلامى قبل أن تجرى على الورق وتشبه فى حرارتها سخونة الدم الجارى فى عروقى. الكتابة تحتاج إلى شجاعة خارقة، وقوة هائلة للإفلات من سجن الزواج والأمومة المثالية ومفاهيم الأخلاق والطاعة. وهكذا فإن الكاتبة عليها أن تختار إما الكتابة الصادقة المعبرة عن ذاتها المستقلة أو أن تصبح مواطنة مقبولة من المجتمع.
ابنة إيزيس
70 كتابا مترجمة إلى حوالى 35 لغة، وثلاث درجات فخرية من ثلاث قارات، وتحصدين الجوائز فى أوروبا وأمريكا.. ومع هذا مازال الهجوم عليكِ مستمرا ولم تتلقِى فى بلدك سوى اللعنات.. فبما تشعرين؟ وما سر غيابك عن التليفزيون المصرى؟
أنا دائما ما أقول: «اذا خِفتَ ستموت ألف مرة وإذا لم تخف ستموت مرة واحدة». وقد نالنى تكريم الخارج أكثر من الداخل لأسباب تتعلق بالسلطات الدينية السياسية الداخلية، ويظل أى تكريم غير كاف لأى عمل إبداعى، وتكريم الشابات والشباب لى فى أى مكان أذهب إليه داخل مصر وخارجها هو أعظم تكريم أحصل عليه. وقد أسس مجموعة من الشباب فيما بينهم منصة لتكريمى باسم (مركز نوال السعداوى للفكر والإبداع) وإن كان يلقى الكثير من العوائق لتأسيسه بشكل رسمى. أما بالنسبة لغيابى عن التليفزيون المصرى فيرجع إلى أن التليفزيون عندنا تحول إلى جهاز «للتجهيل وغسل العقول»، وأى فكر تنويرى دائما ما يصطدم بشيء تم اختراعه اسمه «ازدراء الأديان».. وبالتالى فإن وسيلتهم الوحيدة للتحجيم هى إخافتنا من ربنا. وعموما «لا كرامة لنبى فى وطنه»، ولذا عشت فى المنفى عشرين عاما قمت خلالها بالتدريس فى جامعات أوروبا وأمريكا. وللأسف تم تحريف ما أقول فى غالبية الصحف للخروج بمانشيتات مثيرة لا صلة لها بعمق بما أقول.
رغم أنكِ دافعتِ كثيرا عن حقوق المرأة المصرية والعربية أصدر الناقد جورج طرابيشى كتابا كاملا ضد بطلات رواياتك كان عنوانه «أنثى ضد الأنوثة».. فما تفسيرك؟
يعود ذلك إلى « جهله».. فهو «فرويدي»، ومتعصب لفرويد، وحوّله إلى «إله»، فضلا عن أن النقاد فى مصر لا يتذوقون أعمالى لأنهم درسوا فى الجامعات المدارس النقدية الأوروبية ولم يبدعوا نظريات جديدة فى النقد، وأغلبهم ليس لديه فكرة عن «الكتابة النسوية».. فإذا كتبت المرأة بجرأة هاجموها، كما أن لكتاباتى طابعا خاصا نظرا لتبحرى فى العلم وتضفيره بالكتابة الأدبية الأمر الذى يستعصى على كثير من النقاد فهمه وتحليله.
لماذا دخلتِ السجن فى عهد السادات؟ وما الذى استفادته السجينة رقم 1536 فى سجن النساء بالقناطر وهى فى الخمسين من عمرها؟
المستعمرات فى إفريقيا وآسيا - ومنها مصر- كانت تحت الاحتلال البريطاني, يعنى كانت تابعة للقوى الاستعمارية، وبعد أن نادينا بخروج المحتل تم تشجيع الإخوان المسلمين والإسلام السياسى داخليا وخارجيا للقضاء على الحركات الوطنية المصرية. وأتى السادات فشجع جماعات الإسلام السياسى لتضرب القوى الوطنية تحت اسم مكافحة الشيوعية. وعلى مستوى العالم سنجد أن أى تيارات دينية هى بالأساس تيارات سياسية. أنا هاجمت التوجه الاقتصادى فى عهد السادات، وعارضت سياساته مع إسرائيل وأمريكا، وكانت تصدر مجلة نسويّة تحت اسم «المواجهة»، فتم سجنى عام 1981 لمدة ثلاثة أشهر بتهمة الشيوعية رغم أننى لم أنتمِ فى حياتى لأى حزب. وقد تغلبت وغلبت ألم وقسوة السجن بإصدار كتابى «مذكراتى فى سجن النساء» عام 1983، وحين خرجت تمنيت كتابة برقية شكر إلى السادات الذى حوّل الألم والشقاء والمعاناة إلى عمل إبداعى. لقد كانت تجربة ثرية، وبعد أن علمنا بوفاته انقلب الوضع بشكل مضحك.. حيث خلعت المنتقبات نقابهن يومها ورقصن لموته.. والليبراليات والماركسيات ركعن شكرا! وكما نرى الآن.. لقد أدت بالفعل سياسته الاقتصادية إلى تفاقم الفقر والفتن الطائفية وتغوّل جماعة الإخوان المسلمين فى الدولة والمجتمع، وتدهور التعليم وانهارت الأخلاق، وتم اغتيال السادات بيد القوى الإسلامية نفسها. والمضحك أننى كتبت مذكراتى تلك على «ورق تواليت» بأقلام حواجب حصلت عليها سرا من «زوبة» الموجودة فى عنبر المحكوم عليهن فى قضايا البغاء، لأن الرقابة كانت شديدة وكانت الورقة والقلم بالنسبة لهم اخطر من «الطبنجة» على حد تعبيرهم.
العلاقة بين الرجل والمرأة
لكِ عبارة تقولين فيها «لا ينجذب الرجال عادة إلى عقل المرأة.. فذكاء المرأة ضدها.. لأن الذكر يتربى فى حضن أم ترضعه مفهوم الرجولة الفج فيشتهى الأنثى الأدنى منه»... هل لهذا كتبتِ «المرأة والصراع النفسي»؟
الأم والمرأة التى تعانى قهر الرجال للأسف هى من تقوم بتربية ابنها بمنطق ذكورى.. فالأم تعيش فى خوف؛ خوف على شرف بنتها.. وخوف من الطلاق.. وخوف من زيجة ثانية.. وسلسلة لا تنتهى من الخوف والقهر. وأخطر ما يحدث للكاتبة هو أن تتزوج، حتى لو كان زوجها هو قاسم أمين الذى نادى بتحرير المرأة، لأنه يتحول عاجلا أو آجلا إلى رجل يتوقع من زوجته أن تطبخ، ويبادر بالقول «أنت زوجة ولك دور أهم تجاه أسرتك». فالرجل المصرى لم تدربه أمه على الطبيخ، لم ير أباه يدخل المطبخ، لهذا يغضب الزوج من زوجته الكاتبة ويعتبرها شاذة، خاصة إذا كانت أكثر موهبة منه، ويشعر نحوها بالغيرة أو النقص، ويحاول أن يشدها بالقوة إلى مستواه الأدبى الأقل، أو يحاول أن يثير غيرتها ليستنزف قوتها فى أشياء لا علاقة لها بكتاباتها الإبداعية. ولقد عرفت كاتبات توقفن تماما عن الكتابة من أجل الزواج أو خوفا من الطلاق، ثم عشن طوال حياتهن فى ندم وحزن على التضحية بالكتابة الإبداعية، وعرفت كاتبات اخترن الطلاق من أجل الاستمرار فى الكتابة، والسؤال هو هل سمعنا عن كاتب مبدع ضحى بالأدب من أجل زوجته أو أسرته أو من أجل الأبوة؟ مثل هذه الأسئلة ضرورية حتى ندرك القيم المزدوجة التى نتربى عليها، والتى تجعل كتابة الأدب فى حياة المرأة مصدرا للشقاء والألم.
الرجال إذن عندك دائما فى موضع الاتهام!
رغم دفاعى عن حقوق النساء، إلا أن هذا لا يعنى أن النساء بريئات، بالعكس هناك نساء متعلمات يفكرن مثل الجوارى وملك اليمين، وحياة الواحدة منهن تعتمد على الرجل، تتخفى بعضهن تحت النقاب أو الزواج جذبا لذوى اللحى والشوارب. تتمتع أغلبهن بالتعليم العالى، ويحملن درجات الدكتوراه أو الماجستير من الجامعات المصرية والأجنبية، ومهما اختلفت أغطية رؤوسهن، من القبعة إلى الحجاب أو البونيه أو الباروكة أو الطرحة، فإن حجاب العقل واحد.
فى حياتك ثلاث زيجات.. فما الدروس المستفادة؟
الدرس المستفاد هو أن مؤسسة الزواج لا أنا أصلُح لها ولا هى تصلُح لى. إن دور الزوجة لا يناسبنى بالمعنى العبودى الذى يجبرنى على أن أكون كخادمة فى المنزل فقط لا غير. زوجى الأول والد ابنتى منى هو أحمد حلمى الذى حارب مع الفدائيين فى 1956 وترك مهنة الطب ودفعته الظروف للإدمان. ثم تزوجت من رجل قانون، ولم يستمر هذا الزواج طويلا. أما الزوج الثالث فهو الدكتور «شريف حتاتة» قائد التنظيم الشيوعى الماركسى فى مصر، وهو والد ابنى عاطف، وقد عشت معه 45 عاما، ثم بعد ذلك اضطررت للطلاق منه فى 2010 وهو فى التسعين من عمره وأنا فى الثمانين، فقد كان مزدوج الشخصية مثل الكثير من الرجال. وقد اكتشفت أنه كان على علاقة بامرأة أخري, وهى معدة تلفزيونية مقبلة على الخمسين من عمرها فاتها قطار الزواج.. وكانت تتردد على منزلنا بدعوى رغبتها فى عمل فيلم تسجيلى عن حياتى، واستولت على الكثير من الصور النادرة ومن الأفلام التسجيلية والكتب ولم تنفذ من الفيلم شيئا.
فى رأيك.. ما الفرق بين المرأة التونسية والمرأة المصرية؟
المرأة التونسية أكثر وعيا بحقوقها من المرأة المصرية، وأكثر شجاعة وقدرة على تنظيم صفوفها ضد المخاطر التى تهددها. أن المرأة التونسية واعية بتاريخ الحركات الدينية لذا لم تنتظر النساء التونسيات وقوع الانتكاسة وانقضاض الحزب الدينى على حقوقهن بل بادرن بمظاهرة للوقاية منها. المرأة التونسية تصون كرامتها بقوة، فلا يمكن أن يجمع زوجها بينها وبين امرأة أخرى.. ولذا تم منع تعدد الزوجات فى القانون التونسى.. فأين نحن النساء المصريات من هذا الوعى والتنظيم؟
التيار الدينى فى مصر
كيف بدأ تفشى الحجاب الذى تحول فيما بعد إلى فريضة فى المجتمع المصرى؟
المرأة لابد أن تحترم رأسها وتحترم عقلها، والشرف فى رأيى ليس أن أغطى رأسى لأن رأس المرأة شرف وليس عورة.. والجميع يعترف بأن الحجاب ليس من الأركان الخمسة للإسلام.. وبالتالى يجب ألا تعامل من لا ترتديه أو من خلعته كأنها تركت أحد أركان الإسلام. إن الحجاب للأسف تحول إلى شارة سياسية وعلامة حزبية على انتشار جماعات الإسلام السياسى وذيوع فكرها. لقد درس والدى فى الأزهر الشريف ولم يقل لى أبدا أن أغطى رأسى بشيء اسمه حجاب. وقد تمكن الإخوان من المجتمع تماما فى عهد مبارك.. وهُم إن لم يكونوا تمكنوا سياسيا فقد تمكنوا ثقافيا واجتماعيا و اقتصاديا. وهناك حديث مشهور للقيادى الإخوانى عصام العريان يشرح فيه فى إحدى الندوات - بعد وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم- طريقة انتشار الحجاب فى مصر.. وبالتالى يتضح أنهم استخدموا الدين كوسيلة للسيطرة على عقول عامة الشعب، وجعلوا الدين كحصان طروادة للوصول إلى حكم مصر ليس أكثر، ولذا أنا لست فى حاجة لأبرهن على أن نشر الإخوان الحجاب كان بهدف سياسى وليس لهدف دعوى أو دينى على الإطلاق.
وما رأيك فى انتشار ظاهرة النقاب فى مصر؟
كما كان الحجاب رمزا لقوة التيار الإسلامى الإخوانى فإن المتشددين الأصوليين الآن يسعون للتمدد من خلال نشر النقاب.. وعلى الدولة ألا تتغافل عن هذا الأمر.. فالدستور ورد فيه أنه لا يجب إقامة أى حزب على أساس دينى. لقد انتقل النقاب من الفئات الهشة اجتماعيا واقتصاديا ليصبح لباسا مقبولا حتى عند النساء الثريات والمتعلمات ومن الطبقة الوسطى. فى تصورى فإنه يجب أن يتسع مفهوم العنف ليشمل التحرش الفكرى والثقافى بالمرأة، وهو عنف موجه ضدها لإخفاء وجهها ورأسها بالحجاب أو النقاب. الإخفاء هو إلغاء الوجود.. وامرأة بلا وجه أو بلا رأس هى إنسان مبتور الوجه مقطوع الرأس، هل هناك عنف أشد من هذا نشهده كل يوم دون أن نراه أو نشعر بأنه عنف؟
قلتِ قبل قليل إن «الله هو الضمير» برجاء شرح هذه العبارة.
الضمير الإنسانى الحى يحكم بالعدل حبا فى العدل وليس خوفا من النار أو طمعا فى الجنة أو الحصول على جائزة. ولقد تحول مفهوم الله فى بلادنا من حب الصدق والعدل والحرية إلى قشور تتعلق بالملابس والشعر. لم يعد الكذب أو الظلم رذيلة بل اختزلت الرذيلة فى عدم تغطية الرأس، و لم يعد التفكير الخلاق والإبداع من مكارم الأخلاق بل الطاعة وحفظ النصوص وأداء الطقوس. لقد تم تهميش الضمير تحت اسم العودة إلى الدين والتراث والهوية والخصوصية الثقافية.
تعرضتِ للتهديد بالقتل من قبل التيار المتشدد وبخاصة بعد اغتيال المفكر فرج فودة.. فماذا كان رد فعلك حينها؟
أنا كنت « رقم 2 « على القائمة السوداء بعد فرج فودة الذى كان مواظبا على حضور لقائنا الثقافى. والعالم كله لا يستطيع تحمل أفكارى وآرائى لأنه عالم تنقصه الحرية والديمقراطية الحقيقية، حتى فى أمريكا وبريطانيا اللتين تتشدقان بالديمقراطية والحرية لا يطيقون النقد الموضوعى. ولقد دفعت الثمن بالنفى وتشويه السمعة «إعلاميًا»، ووضع اسمى على قوائم الاغتيالات أكثر من مرة، ورفعت ضدى ست دعاوى قضائية (حِسبة).
لماذا تفرغتِ على مدار عشر سنوات لدراسة الأديان؟
نعم.. درست اليهودية والمسيحية والإسلام.. فبدون دراسة الأديان لن نفهم الأديان..ولقد ذهبت للهند ونصف كتابى «رحلتى فى العالم» عن الثقافة الهندية الدينية والهندوكية وكتاب الجيتا.. واستغرقت عشر سنوات فى دراسة الأديان ومقارنتها ببعضها البعض.. وأرى أن الكاتب حتى يكون مبدعا فإن عليه أن يدرس الجسم جيدا، وعليه أن يدرس علم نشوء الكون، بالإضافة إلى دراسة الأديان ككل.
فى 1993 بدأتِ فى تدريس الإبداع والتمرد وعرضتِ تدريسها فى الجامعات مجانا لربط الطب بالأدب والعلوم الإنسانية.. فكيف كان رد الفعل؟
أرى أن الإبداع هو الرابط بين هذه العناصر فى الإنسان، فأنا تخرجت من الطب جاهلة فقرأت فى التاريخ والفلسفة والطب والأديان وعلم النفس لأفكك ما فعله التعليم بى من الفصل بين هذه العناصر، فربطت بين الجنس والأديان والأعراف والنفس البشرية. إن ثقافة مجتمعاتنا وتعليمنا بالأساس قائمان على الثنائيات والازدواجيات التى أرى أنها متغلغلة فى كل شيء؛ فى الأديان والسياسة والأعراف والاقتصاد والجنس ولا يمكن فصل واحد من هذه العناصر عن الآخر، وهذا هو الإبداع الذى أدرسه.
هل فاجأك قرار مجمع البحوث الإسلامية بمنع تداول رواية «سقوط الإمام»، والمترجمة إلى 14 لغة بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية، ومسرحية «الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة»؟
«سقوط الإمام» نشرت على صعيد عالمى فى أكثر من 14 لغة، وبالطبع تم منعها لأنها كان فيها إسقاط على السادات. أما البيان الذى أصدره مجمع البحوث الإسلامية فقال إن الرواية قائمة على أحداث خيالية البطل فيها شخصية محورية، وتضمنت إساءات بالغة للإسلام و تعاليمه، وهو اعتراض لم يقتنع به كثيرون لأنه كيف يتفق اعتراف الأزهر بخيالية الرواية ثم يعترض على ما جاء فيها؟ أما مسرحية «الإله يقدم استقالته» فقد منعت لأنها تدور أحداثها بين كل من الله وأنبيائه. وسؤالى هنا هو: لماذا ينصب البعض أنفسهم متحدثين باسم الإسلام فى حين كان من الواجب ترك الأمر للقراء؟
فى الثامنة والثمانين.. هل مازالت أوراقك هى حياتك؟
الأوراق هى حياتى.. هى حلم طفولتى وشبابى، وفيها ذكريات أحبها رغم الألم، استحضرها وأثبتها فى خيالى.. ولقد أحببت خلال سنين الغربة أن استعيد صور ذكرياتى بالكتابة. كتاب «أوراقى.. حياتي» صدر فى جزئين وصدرت الترجمة بالإنجليزية عن هذه السيرة الذاتية تحت عنوان «ابنة ايزيس» فقد كانت تلك السيرة تجبر القارئ على الخروج من القوقعة لمواجهة الذات والآخر دون قناع. وستظل أوراقى دائما هى حياتى لأن الكاتب تزداد حياته قيمة بالاقتراب من الموت، و لا شيء يقهر الموت مثل الكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.