فى معرضه الأخير أطلق الفنان التشكيلى ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى تعبيراً ملفتاً للنظر بقوله: «الناس بدأت تفهم شخبطتى»، ربما لا يكون هذا التعبير ملفتاً لطرافته وغرابته، وإنما لكونه فعلاً معبراً عن واقع عاشه الفنان ولاحظه متابعوه ورصده نقاده، ففاروق حسنى ظل على عهده مع الاتجاه الفنى الذى لزمه طوال حياته الفنية وانعكس على جميع معارضه الفنية وهو «التجريدية» وكان متابعوه يرون أنه غير مفهوم بالمرة، ومقاصده غير واضحة ورسوماته غير محددة الملامح، بل إن البعض وهذا ليس سراً- قال إن بيع لوحاته الكثيف كان ناتجاً لأنها «لوحات وزير» وليست «إبداعات فنان».. فقد تغيرت النظرة إلى أعماله، وتعددت التفسيرات والرؤى من جانب النقاد والجمهور، ربما بعضها جاء مجاملة لأنه «وزير أسبق» لكن بالتأكيد هناك جانبا من المهتمين والمتابعين يريد أن يفهم مقاصد الفنان ويفسر إبداعاته ويتتبع مراحله الفنية معجباً به أو منتقداً له، المهم فى جميع الأحوال أنه حقق هدفاً صعباً، فقد ظل فى بؤرة الاهتمام ليس لمجرد ابتعاده عن المنصب الذى شغله سنوات طويلة، ولكن أيضاً لابتعاده عن الساحة الفنية والمعارض لفترة غير قصيرة، فهو لم يختف فى دائرة النسيان بعد أن كان فى بؤرة الاهتمام، بل هو الآن فى قمة العطاء الفنى والاهتمام بأعماله التى حققت فى معرضه الحالي- مبيعات قياسية ومشاهدات عالية، إذن فالمسألة هى نجاح فى تجاوز جمهوره لمرحلة الاستغراب إلى مرحلة الإعجاب. نأتى هنا إلى تجريدية فاروق حسنى لمرحلته الحالية، فهو يؤثر التجريدية التعبيرية، ويتجه إلى اللوحات المتوسطة بعد أن كان يؤثر اللوحات الكبيرة، العجيب أنه غير اتجاهه من تجريدية مجال الألوان، إلى فضاء اللوحة وتوظيفه درامياً، وبعد أن كان فى أعمال سابقة يفضل أشكالاً هندسية كالمثلثات، نجده يختار أشكالاً أخرى كالخطوط الحلزونية، ويتجه إلى بورتريهات تجريدية قد يفهمها البعض، وقد تكون غامضة على آخرين، وهذا طبيعى فالفنان لا يلزم جمهوره بتكوين انطباعات محددة سلفاً أو يقدم لهم تفسيرات وتأويلات جاهزة مسبقاً بل يترك كلاً منهم يحلق فى سماء التأمل ويفلسف ما يراه أحياناً، ويعجب به أحياناً أخرى، أو يراه غامضاً فى أحيان أخرى وهكذا وهذا فى ذاته نجاح للفنان يحسب له فى سيرته الذاتية وتجربته التجريدية وتجعله صاحب تجربة فريدة أثارت الجدل لفترة طويلة وجعلت منه ظاهرة ثقافية وفنية فريدة تستحق التأمل والدراسة، فقد بدأ الناس يتقبلون تجريديته التى سبقه إليها فنانون آخرون أمثال رمسيس يونان وفؤاد كامل ومنير كنعان لم يكن الجمهور، بل وكثير من النقاد يتقبلون تجريديتهم. الأمر يستحق التأمل والتحليل والدراسة وليس فقط تسجيل الإعجاب أو التعجب، ففى النهاية نحن أمام تجربة فريدة لفنان مبدع.