يستضيف جاليري جرانت6 شارع الجمهورية بوسط البلد معرضا للفنان والوزير السابق فاروق حسني الذي يستمر حتي3 أبريل المقبل. الجدير بالذكر أن قاعة وجاليري جرانت غاب عن الأضواء الفترة الماضية بسبب عمليات التجديد والتطوير الذي قامت بها الفنانة ومديرة القاعة فادية جرانت, والفنان يقدم نحو32 لوحة تتناول العديد من الموضوعات والقضايا المعاصرة مع استخدامه خامات متنوعة بأسلوبه المعروف بالتجريدية التعبيرية. ............................................................والمشاهد لأعمال الفنان فاروق حسني يجعلنا نشعر بأن الفنان انتزع أعماله الفنية من أفق الكون ليمزجها في أفق أستاذية وآفاق أرحب من التأمل يحرض عليها انتماؤه إلي التجريدية التي يحتل فيها موقعا فريدا علي المستويين المحلي والعالمي بإسهاماته القيمة في تطوير رؤي وصياغات تتعاطي مع الطرح التجريدي العالمي وتتفاعل معه وتكون أسلوبا خاصا استحق وقوف نقاد الفن التشكيلي بمصر وأوروبا أمامه باهتمام, يكفي أن نذكر إجماعا علي اشتمال أعماله علي بلاغة لونية تأسر المشاهد, وحضور كاسح للفراغ, واشتمالها أيضا علي طاقة حركية.. فهذا المزيج الفريد يميز أعمال فاروق حسني. والملاحظ في أعمال الفنان أنه يرسم وهو متأمل يحلق في الفضاء.. لا تهمه التفاصيل في الظاهر لكنه دقيق في اختيار أصغرها وأدقها والتعبير عما يراه.. ربما يرجع الفضل في ذلك إلي نشأته السكندرية ورحابة البحر المتوسط وصفائه وهدوئه, وهو ما يظهر في اختياره الألوان, بل وطريقة الرسم علي اللوحة دون حامل وهي مسطحة فوق منضدة, فكأنه يرسم علي صفحة الماء بحرا من أفكاره, وهكذا لن يحتاج إلي تشخيص أو تجسيد وإنما إلي تجريد وتعبير عن العموم والشمول.. وحتي عندما يستخدم المثلث أو الهرم فقد يكون للبحر تأثيره بمراكبه وأشرعته, وربما يكون التأثير ل الأهرامات.. وربما تكون العودة إلي نشأة الفنان وبداياته الأولي وتجاربه التجريدية الأولي ضرورية لتفسير وفهم التطور المرتبط بالبدايات, وهذا ما يحرضنا عليه الفنان ذاته عندما اشتمل معرضه علي لوحتين رسمهما في عام..1972 فرحلته في الفن والتجريد لم تتوقف ولم تنفصل مراحلها, بل هي تنضج وتتبلور أكثر في اختياره المساحات والخطوط ومرآة شديدة في تركيب درجات الألوان الغريبة بجوار بعضها, مع تناثر بعض النقط والخطوط الدقيقة في أنحاء اللوحة, وهو ما يعكس حسه العالي وموهبته وخبرته الطويلة في التعامل مع هذه المفردات, ولم تتأثر سلبا بمناصبه التي تولاها بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام1964, ثم عمله بهيئة الاستعلامات بالقاهرة, ثم مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية, ثم ملحقا ثقافيا بالسفارة المصرية ببارس منذ1971 حتي1978, ثم مديرا لمديرية الثقافة وقصر الطفل بالقاهرة, ثم عمله وكيلا ثم مديرا للأكاديمية المصرية بروما قبل عودته إلي مصر في أكتوبر1987 وتوليه حقيبة الثقافة حتي اعتزاله.. فهو طوال هذه الفترة لم ينقطع عن الإبداع الفني والتجريد الذي اختاره منهجا لفنه منذ عام..1969 فحياة فاروق حسني في الإسكندرية وعمله بباريس ثم روما كان فرصة كبيرة لتعميق روح الفنان في أعماله.. فالمدن الثلاثة عواصم للفن والفكر والحضارة والثقافة, وكلها مدن لا تعترف بالتقوقع, وإنما بالانطلاق إلي آفاق أرحب, وهو ما وجد صداه لدي الفنان فاروق حسني وانعكس علي عمله كوزير, فلم يتأثر إبداعه بعمله كوزير, وإنما جعله يتولي هذا المنصب التنفيذي بر وح الفنان. نعود إلي المعرض الحالي للفنان فاروق حسني الذي يضم العدد الأكبر من اللوحات مقارنة بمعارضه السابقة, تكاد تشعر عندما تشاهدها بأنك تقف أمام البحر المتوسط, سواء في الإسكندرية أو علي شواطئ فرنسا أو إيطاليا.. وهكذا تتعايش مع مراحل حياة فاروق حسني, وتستطيع أن تلحظ بسهولة الخطوط والألوان والأشكال الهندسية المجردة التي تصل إلي حد الصوفية التي تعلو فوق الماديات والمجسدات, فتشعر بنقاء اللون وصفاء الخطوط.. تنطق اللوحات برؤي فلسفية.. تحرض علي التفكير والتأمل في الكون والفضاء.. ربما لأنه رسمها وهو محلق, فإن تشعر بأنك تراها من المنظور نفسه الذي يعكس ذوق الفنان فاروق حسني, فالحركة والألوان والضوء والخطوط كأنها تضبط الإيقاع وتهمس بالموسيقي والنغمات التي تهيم في الفراغ والفضاء الرحب. ومعرضه الحالي هو امتداد وتتويج للرحلة الفنية الطويلة لفاروق حسني وحصاد لخبرته وبلورة لفكره وتدفق لإبداعه, وقد اتسمت العجينة اللونية في لوحاته بهذا المعرض بالدسامة والكثافة والسخاء والشفافية بين توليفات حركة الفرشاة وأثر شعيراتها علي السطح, وأحيانا الحجب والإعتام, وأحيانا الألوان الصريحة وأخري رمادية بتنويعاتها أو سوداء صارمة أو صفراء أو زرقاء لا تعترف بحدود للمساحة أو الخيال الرحب, فهو يطرح المعني, والجوهر وقلب المعني, مما يعد تحولا في مراحله الفنية.