إقتصاديون : مطلوب تعزيز الدور الرقابى للدولة وزيادة منافذ التوزيع «خليها تصدى …خليها تحمض ….بلاها سمك» …شعارات رفعها المستهلك خلال الشهور الماضية فى محاولة منه للتغلب على ارتفاع الاسعار المبالغ فيها لبعض السلع ..بداية بالأسماك واللحوم والدواجن حتى الخضراوات والفاكهة لم يجد المواطن حلا سوى التلويح بسلاح المقاطعة لعل وعسى أن يتراجع التجار عن رفع الاسعار خاصة وأن المقاطعة سلاح اقتصادى فعال ولعل حملة المقاطعة التى قادتها وسائل التواصل الاجتماعى فى احدى الدول العربية فى ابريل من العام الحالى ضد بعض محطات الوقود وشركات المياه المعدنية والالبان التى نجحت بالفعل فى تحريك اسعار منتجات الالبان وتخفيضها فى السوق خير نموذج ودليل على جدية هذه الوسيلة التاريخية المعروفة لمواجهة جشع التجار والحد من ارتفاع أسعار السلع المبالغ فيها، وخلال الأيام الماضية أطلق العديد من المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعى حملات شعبية لمقاطعة هذه السلع والإحجام عن شرائها لفترة زمنية قصيرة فى محاولة لإعادة الأسعار إلى معدلاتها الطبيعية، وقد لاقت هذه الدعوات استجابة من بعض المواطنين والذين قاموا بالفعل بمقاطعة هذه السلع للتحرك فى مواجهة هؤلاء المحتكرين والمستغلين .. «تحقيقات الاهرام» رصدت الحقيقة على أرض الواقع من خلال اراء المواطنين وخبراء الاقتصاد والمتخصصين فى مجال حماية المستهلك ومحاربة الغلاء لمعرفة تداعيات هذه المقاطعات. تقول وفاء رفعت ربة منزل إنه مع ارتفاع اسعار السلع الغذائية المبالغ فيها وخصوصا الفاكهة لم أمتنع عن الشراء ولكنى قللت من كمية الشراء فمثلا كنت اشترى من كل صنف ثلاثة كيلو قبل الغلاء أما الآن اشترى كيلو واحد فقط لصنف أو صنفين على الأكثر وذلك على حسب احتياجاتي. بينما تؤكد سهير رجب بالمعاش أن حملة المقاطعات تمت بالفعل فى اسواق عديدة كسوق امبابة والدقى وفيصل حيث شهدت حالة من الركود فى حركة الشراء نظرا لارتفاع اسعار الفاكهة والخضراوات أخيرا والذى لا يتماشى مع الحالة المالية للمواطنين، وهو ما ادى إلى تغيير ثقافة الشراء لدى البعض الا للضرورة القصوى واحجام البعض منهم عن طريق تقليل الكميات او الاستغناء عن انواع بعينها اعتاد المواطن على شرائها، وتتساءل فريدة محمد مهندسة، ان حملات مقاطعة المنتجات من السلع مرتفعة الثمن وغيرها نجحت فى دول أوروبية وعربية ، فلماذا لا تنجح هنا ؟ ويضيف ايمن كمال موظف، ان فكرة المقاطعة فعالة فى التصدى لجشع التجار واصحاب المحلات الكبرى ولكن بشرط الجدية فيها ويجب على الدولة ان تساعد المواطنين على ذلك من خلال وجود حلول بديلة كتجربة القوات المسلحة فى توفير السلع الغذائية لمجابهة ارتفاع اسعارها والحد من الغلاء ومبادرة وزارة الداخلية بتوفير مستلزمات المدارس للتخفيف على المواطنين والمستفيد من هذه الموجة من الغلاء هم التجار والمحتكرون ،بينما يوضح محمود عصام موظف انه ليس ضد حملات المقاطعة ولكنى اعتبرها مسألة زمنية مؤقتة فالغلاء فى مصر يرتبط بأسباب عديدة منها احتكار السلع وارتفاع تكاليف الانتاج وارتفاع أسعار النقل والتخزين ويؤكد أننا لم نعتد على مواجهة الغلاء بالاستغناء وانى اعتقد ان بعض المواطنين لن يلتزموا بهذه المقاطعات وانما سيحاولون شراء كميات قليلة لسد احتياجاتهم الضرورية من هذه السلع. المجمعات الاستهلاكية « وسيلة فعالة بجانب دور الدولة » هكذا أوضح المستشار أمير الكومى رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك، حيث يرى المقاطعة وسيلة مساعدة لكننا نفتقد تلك الثقافة التى تتطلب قدرا كبيرا من التعاون الجماعى على مستوى المجتمع المدنى والمستهلكين ومن خلال بنية أساسية قوامها 4000 جمعية استهلاكية تستطيع الدولة أن تسيطر تماما على الأسعار فى السوق المحلية وتحقق ارباحا ايضا، وتحقق المنافسة داخل السوق. والمشكلة هنا تكمن فى الإدارة والخبرة وتستطيع الدولة أن تحقق هذه المعادلة من خلال الاستعانة بشركات متخصصة فى هذه المجالات لحين تدريب موظفيها فى تلك الجمعيات . استغلال المستهلك يرى حسن هيكل امين جمعية «مواطنون ضد الغلاء» أن الأسواق الآن أصبحت تحت سيطرة التجار المتحكمين فى الأسعار وفقا لرغباتهم ووفقا لهامش الربح الذى يرونه مناسبا لهم لدرجة تخطت مصطلح «ارتفاع الاسعار» واصبح من الأفضل أن يطلق عليها استغلال المستهلك الذى لم يجد امامه فى البداية سوى تخفيض استهلاكه من الخضر والفاكهة وانتهت موجة الغلاء بتبنيه لحملات المقاطعة..تلك الحملات التى يرى هيكل انها حققت نجاحا بالفعل وانخفضت اسعار الفواكه سريعة التلف التى لم يستطع التجار تخزينها لحين انتهاء اسبوع المقاطعة ..لذلك فهناك ضرورة لتفاعل المواطنين مع دعوات المقاطعة، مستشهدا بجمعية «الستين مليون» الفرنسية وكيف تستطيع أن تؤثر بشكل فورى فى السوق الفرنسية بمجرد أن تدعو المواطنين لمقاطعة سلعة معينة وتجد سرعة فى الاستجابة. ويؤكد هيكل أن جميع الاسباب التى يتعلل بها بعض التجار لتبرير زيادة الأسعار لا تتناسب فى الحقيقة مع نسب رفع الاسعار التى تتم من بعض تجار الجملة فى اسواق العبور واكتوبر، فالاحصاءات الرسمية تؤكد ان مصر لديها اكتفاء ذاتى وفائض فى الخضر والفاكهة يصل إلى 20 % حيث تحتل الموالح المركز الاول تليها البطاطس، كما يتم تصدير الكثير من الفواكه مثل العنب والفراولة والمانجو ..اذا فالمشكلة ليست فى الاتاحة لان السلع متوفرة بالفعل ولكنها المغالاة فى هامش الربح الذى يرغبون فى الوصول إليه. اما السبب الثانى وفقا للحجج التى يقودها التجار لتبرير ارتفاع الاسعار فهو الاعتماد على النقل البرى مرتفع التكاليف، بينما يمكنهم الاعتماد على السكة الحديد والنقل النهرى منخفض التكلفة، أما فيما يتعلق بارتفاع نسب الفاقد فى المنتج لحين وصوله إلى المستهلك التى تصل إلى 25% فهى نسبة كبيرة تحتاج لتدخل من مراكز البحوث الزراعية ومحطات الفرز. واضاف هيكل أنه لمواجهة بعض تجار الجملة والكثير من تجار التجزئة الذين يضعون هوامش ربح كبيرة لأنفسهم طرحنا مبادرة المقاطعة ودعونا إلى انشاء منافذ بيع من المنتج إلى المستهلك مباشرة ولكننا فوجئنا بصعوبات عديدة اهمها أن بعض التجار يقومون بشراء البساتين والمزارع الكبرى المتخصصة فى زراعة صنف واحد وذلك قبل زراعتها وبالتالى يتحكمون فى سعر المنتج فى السوق وبالتالى هم السبب المباشر فى ارتفاع الاسعار، ولذا نرى أن على وزارة التموين أنه تتعاقد مع جهات من المزارع الكبيرة بدلا من الشراء من التجار. ولا يتوقف الاستغلال على بعض كبار التجار ولكن ايضا داخل بعض سلاسل السوبر ماركت ومحلات بيع الخضار والفاكهة التى تختلف اسعارهما بحسب المنطقة السكنية التى يصفها هيكل بالتسعير حسب «جيب الزبون» ومقدار دخله والتى تصل فى بعض المناطق الراقية مثل «الكمبوندات» السكنية والمناطق الجديدة 3 اضعاف اسعارها فى المناطق الشعبية. ويرى أن المقاطعة - التى مازالت فى حاجة إلى المزيد من المشاركة الشعبية - هى الحل الامثل لحين تفعيل التعاونيات بشكل أكبر وتسهيل إجراءات انشائها لتكون الحلقة الوحيدة من المنتج إلى المستهلك وكذلك تعدد بورصات السلع المختلفة وانتشارها سوف يؤدى إلى ضبط السوق تحرك الدولة ضروري وللاقتصاد رأى تعبر عنه د. يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس، قائلة إن هذه الدعوات ليس لها أى تأثير على الاطلاق على حركة البيع والشراء أو على الاقتصاد بصفة عامة.. لكن يجب التشديد على هؤلاء المحتكرين وتفعيل دور حماية المستهلك ووضع حلول وبدائل عن طريق فتح منافذ بيع هذه السلع بأسعار مخفضة تلبى بها احتياجات المواطنين . بينما قال د.رشاد عبده الخبير الاقتصادى إن ارتفاع الاسعار بصورة مبالغ فيها هو ما دفع المواطن إلى تلبية تلك الدعوات لمقاطعة السلع لفرض ثقافة جديدة والقضاء على الوساطة حتى يخرج المنتج إلى التاجر وبعده إلى المستهلك عن طريق عمل منافذ بيع للجمهور كمثال القوات المسلحة ووزارة الداخلية. د.سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق يرى ان هذه الحملات لا تؤثر على الاقتصاد تماما ولكنها قد تكون سببا فى توفير هذه السلع، وعلى جمعيات حماية المستهلك ان تتحرك لمواجهة هذا الغلاء وعلى الجهات الرقابية أن تحاصر هؤلاء التجار الجشعين، وبهذا قد تنجح تلك المقاطعات.