كم روحا تسربت إلى روحى؟، وكم شخصا يصول ويجول فى دمائى الآن؟.. لم أعد أحسب عددهم بعد.. فهم كثر. فمنذ أن بدأت فى عمليات نقل الخلايا الجذعية بغرض التعافى من مرض الذئبة الحمراء وأنا أسير على جدول زمنى منتظم فى اصطياد فريسة تتبرع لى بعشرة سنتيمترات من النخاع من عضمة الحوض كل أسبوعين، وبقيت على هذه الحالة عاما ونصف عام ومازلت مستكملة ذلك العلاج. الذى لم أعرف، ولا طبيبى يعلم، متى يمكن أن نتوقف عن امتصاص جزء من حياه الآخرين؟، وكلما سألته أجابنى بكل بساطة: اعتبريها جرعة علاج دائمة أو حقنه مستمرة. بقدر ما طمأنتنى هذه العبارة التى تعنى أنى أسير على طريق صحيح فى خطة علاج، بقدر ما أفزعتنى وجعلتنى أتخيل مدى معاناتى فى البحث عن متبرع يرتضى وهو بكامل قواه العقلية أن يمنحنى جزءا من أعز ما يملك من خلاصة روحه من أساس تكوينه، وكم الأزمات التى أتعرض لها أسبوعيا فى اقتناص مشاعره بعد أن يأتى طوعا.
ومعاناتى تلك تقضى برفع ضغط الدم، الذى لا ولن ينخفض إلا بعد انتهاء سحب عينة النخاع منه، فطوال الأسبوعين قد يحدث الكثير من المفاجآت، التى من شأنها أن يطير المتبرع بكل خفة، قد تأتى هذه المفاجآت فى صورة ظروف صحية، أو ابتزاز بطلب مبالغ لا أستطيع دفعها، أو تراجع بسبب الخوف، أو اعتراضه بحجة أن أحد أصدقائه الأطباء أشار عليه بخطورة العملية على صحته.
وأخطر الأنواع هو من يتركنى إلى يوم التبرع نفسه بعد عمل كل التجهيزات وإجراء كافة التحاليل التى أتكفل بقيمتها ويختفى دون سبب واضح ويأخذ سر تراجعه معه و"هذا مر لو تعلمون عظيم"، لأنه بذلك الاختفاء أفقدنى جرعه كاملة، علاج شهر ونصف، لأن المتبرع الذى يليه تظل عينته فى مزرعه طوال أسبوعين قبل أن يتم حقنى بها، وهذه المدة كفيلة بأن تخل بوظائف الكلى مرة أخرى.
ولكى تبدأ الكلى فى إصلاح هذا الخلل يلزمها ثلاث متبرعين بست جرعات، فهى تختل بسرعة لكن تتعافى ببطء، ورغم هذا الكم من التوتر والانفعال والقلق إلا أنى بمجرد أن أحصل على جرعتى من أرواح الآخرين أشعر بالارتياح، وما أن يمر يومان بعد عملية نقل الخلايا، إلا وأشعر بالتحسن والطاقة، قبل ان تهاجمنى نوبة توتر جديدة مع المتبرع التالى. لمزيد من مقالات ناهد السيد