اللهم إني رضيت عن عثمان فارض عنه, عثمان في الجنة, عثمان حيي تستحي منه الملائكة, عثمان رفيقي في الجنة, عثمان ولي في الدنيا والآخرة, عثمان أحيا أمتي وأكرمها.. عثمان رفيقي في الجنة, عثمان ولي في الدنيا والآخرة, عثمان أحيا أمتي وأكرمها.. كل هذا وأكثر قاله سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) في سيدنا( عثمان) رضي الله عنه, مما يزيد الحسرة والألم علي نهايته البشعة, التي تحملها تنفيذا لوصية الرسول( صلي الله عليه وسلم) الذي قال له: ياعثمان ستبلي في الدنيا فلا تقاتلن. تمسك( عثمان) رضي الله عنه بالعهد, حتي يستطيع أن يلقي الرسول (صلي الله عليه وسلم) في الجنة, ويقول بكل قوة, كنت علي العهد القديم مقيما, فرفض كل النصائح التي تطالبه بالحزم والشدة مع الخصوم, ورموز الفتنة, فقال له أصحاب رسول الله, إن وصية الرسول, أن من دعا إلي نفسه, أو إلي أحد, وعلي الناس إمام, فعليه لعنة الله, فاقتلوه, فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا, ولانحاد أحدا, حتي يرتكب حدا, أو يبدي كفرا فعصم دماء المسلمين, فصار رمزا عربيا وإسلاميا في مكارم الأخلاق, حيث إيثار الصالح العام علي الصالح الشخصي, عكس ما أتهمه رموز الفتنة تماما!! رد عثمان بالحجة والعقل علي كل ما اتهموه به, فقال: هؤلاء ذكروا أمورا ليوجبوها علي, عند من لا يعلم, وهي: قالوا أتم الصلاة في السفر, وكانت لا تتم إلا إنني قدمت بلدا فيه أهلي فاتممت وقالوا عني, وإني وليت وإني لأكثر العرب ثراء بعيرا وشاه, فمالي اليوم شاه ولا بعير غير بعيرين لحجي!. وقالوا كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا, إلا أن القرآن واحدا جاء من عند واحد قالوا, إني رددت( الحكم) قريب عثمان الذي عاقبه الرسول( صلي الله عليه وسلم) إنما رسول الله هو الذي أبعده وهو الذي رده! قالوا, استعملت الأحداث أي ولي صغار السن وقد ولي من قبلي أحدث منهم, واستعمل الرسول( أسامة) وهو حدث!, يعيبون للناس ما لا يفسرون. قالوا, أحب أهل بيتي وأعطيهم, فأما حبي فإنه لم يمل معهم علي جور, بل أحمل الحقوق عليهم, أما إعطاؤهم فإني أعطيهم من مالي, ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي أو لأحد, فقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة, من صلب مالي, أزمان رسول الله وأبو بكر وعمر, أفحين أتيت علي أسنان أهل بيتي, وفني عمري, وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا؟!. سيظل السؤال مطروحا مهما تعددت الاجتهادات, كيف يقتل( عثمان) رغم ماله من أفضال علي الرسالة المحمدية, أشاد بها الرسول وبشره بسببها بالجنة!. أما الاتهامات فهي مردود عليها, وحتي إن كانت صادقة فليس منها ما يستحق القتل, بينما الفتنة هي التي أشد من القتل!. حاول عثمان وأد الفتنة بكل الطرق المتاحة, التي عرضها عليه خلصاؤه, فكان رده: والله أن رحي الفتنة لدائرة, فطوبي لعثمان إن مات, ولم يحركها, وأوفي بعهده فرفض أن يكون أول من خالف رسول الله, وعرض عليه معاوية عروضا شتي, رفضها جميعا, فعرض أن ينطلق معه للشام, فقال لا أبيع جواد رسول الله,واقترح أن يزوده بأربعة آلاف فارس, فقال لا أضيق عل جيران رسول الله. ولا أنفق عليهم من بيت مال المسلمين لحرز دمي, فلم يبق إلا أن يفرق خصومه, فلا يجتمع منهم اثنان في بلد واحد, فقال لا أخرج شيوخ المهاجرين, وكبار أصحاب رسول الله, من ديارهم, وأفرقهم عن أهلهم, فحذره معاوية قائلا: والله لتغتلن أو لتغزين, فقال: حسبي الله ونعم الوكيل!.. شيء واحد سمح به لمعاوية وهو أن جعل له الأمر في الطلب بدمه إن قتل, فقال: إن قتلت فلا يطل دمي. عثمان رمز مكارم الأخلاق ضحي بحياته, لم يخن مبادئه ولا رسالته, ولم يعلق في رقبته دم إنسان, ومات شهيدا طاهرا, إلا إنه بشر, قد لا يحسن التقدير, كما يري العديد, خاصة أن كبار الصحابة, أخذوا عليه حبه لأقاربه وتوليتهم, وكان عليه أن يتقي ذلك, حتي و لو كان عنده مبرراته, فكان يري أنه ولي منهم من ولاه( عمر بن الخطاب), وليس من العدل عزلهم, لأنهم أقاربه, وتلك المسألة هي ما أغضبت الصحابة من سيدنا( عثمان) وعلي رأسهم سيدنا( علي ابن أبي طالب) الذي نستغرب أن تدور رحي الفتنة في وجود شخصية مثله, وكان محبا لعثمان فيقول: أنا وعثمان وطلحة والزبير, ماينطبق علينا قول الله تعالي: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا علي سرر متقابلين. صدق الله العظيم. كان( علي) رضي الله عنه يعلم قدر( عثمان) وفضله وأياديه البيضاء علي الإسلام, ولكنه كان ساخطا عليه, لتركه أمور البلاد لأقاربه, يستغلون حيائه ولينه والرقة في طبعه وبره لأهله, وأيضا كبر سنه, ونصحه علي عندما طلب منه عثمان النصيحة والمساعدة أكثر من مرة, حتي قال له علي: إني قد كلمتك غير مرة, وكل مرة تخرج وتقول ما أقول, ثم ترجع عنه, وهذا من فعل مروان بن الحكم, وابن عامر, ومعاوية, وعبد الله بن سعد, فإنك أطعتهم وعصيتني. يري بعض الباحثين أن خطأ (عثمان) الكبير أنه استعان بأقاربه في أغلب المناصب, ولكن الأكثر سوءا, إنه لم يستعن بكبار الصحابة وحصر المناصب المهمة في أقاربه, وهو لم يخرج من سطوة العقلية القبلية السائدة في مجتمع بدوي, جاء الإسلام ليرقيه ويهذبه, فهو لم يستعن بسيدنا علي أو طلحة أو الزبير وغيرهم من كبار الصحابة: فأهدر الإرادة العامة التي تحدث عنها( روسو) من بعده لقرون طويلة!. المواءمة السياسية كانت تتطلب توزيع السلطة, كما فعل سابقاه( أبو بكر) و( عمر), وهو مانصحه به( ابن عباس) الذي أري في كلامه لسيدنا (عثمان) حكمة بالغة فقال: يا أمير المؤمنين أن رأيي لك أن يجل سنك, ويعرف قدرك, وسابقتك, ووالله لوددت أنك لم تفعل مافعلت إلا ما ترك لك الخليفتان قبلك, فإن كان شيئا تركاه عندما رأيا إنه ليس لهما, علمت إنه ليس لك كما لم يكن لهما, وإن كان ذلك لهما تركاه أيضا,خيفة أن ينال منهما مثل الذي نيل منك, تركته لما تركاه له, ولم يكونا أحق بإكرام أنفسهما منك بإكرام نفسك..! ماتحدث به( ابن عباس) ماهو إلا الإرادة العامة لروسو!. أهم عبرة مازالت غائبة عن المجتمع العربي خاصة, والإسلامي عامة, هي فكرة( تداول السلطة), فلو كانت حاضرة في زمن (عثمان), كانت قد حفظت دمه, وحمت التاريخ الإسلامي من مأساة (قميص عثمان) الملطخ بدمائه الشريفة, ومازالت الفتنة دائرة حتي الآن, كلما خمدت أوقدها أعداء الأمة, بإحياء خلافات الماضي, لا لنأخذ منها العبر, كما هو خليق بدراسة التاريخ, ولكن ليشتعل إوار الفتنة مرة أخري, لنفني أنفسنا بأيدينا!. رفض رمز الفضيلة ومكارم الأخلاق سيدنا (عثمان) كل دعاوي القتال والحرب وكان قادرا علي ذلك حتي لايخلق فتنة دائمة, ويتحمل ذنب إراقة دماء المسلمين, وهو نبل نادر, عندما تتأمله في زمننا الرديء الحاضر, حيث نجد الدماء تراق بلا ثمن ولا هدف, إلا أهداف الأعداء فنجل عثمان أكثر واكثر, فهو من رفض القتال رغم الحصار الجائر (50) يوما, بلا ماء ولاغذاء, إلا إنه أيضا رفض أن يعزل نفسه قائلا: لا أخلع قميصا ألبسنيه الله عز وجل, ورغم أن هذه الفكرة التي سجن نفسه فيها, تحتاج الي إعادة نظر, في الثقافة العربية كلها, إلا إنه سيظل حتي قيام الساعة, رمز مكارم الأخلاق, الذي تستحي منه الملائكة.! المزيد من مقالات وفاء محمود