فى واحدة من أشرس المعارك الثقافية فازت مدينة الإسكندرية المصرية على 12 دولة أوروبية باستضافة المؤتمر الدولى للمتاحف عام 2022. ورغم أن المنطقة العربية وكل دول إفريقيا لم تنل شرف استضافة هذا المؤتمر الذى يعقد كل 3 سنوات منذ عام 1946 كان آخرها فى ميلانو بإيطاليا عام 2016.. ثم القادم فى «كيوتو» باليابان عام 2019.. فإن المنافسة كانت على استضافة مؤتمر عام 2022. وترجع أهمية هذا المؤتمر إلى ما يحققه من تنمية اقتصادية وسياحية رائعة للمدن المستضيفة لكل مؤتمر.. حيث يحضر 4 آلاف خبير ومسئول ومختصون إلى المعارض والمتاحف والتسويق التراثي، ويضخ المؤتمر فى المدينة المستضافة استثمارات سياحية هائلة ويجتذب وسائل الإعلام العالمية وشركات السياحة الكبرى. (الملف المصرى) وقد شاركت فى المعركة جهود دبلوماسية وثقافية منهما خبيرة التراث العالمى الدكتورة سونيا أبادير، رئيسة جمعية أصدقاء المتحف المصرية التى حشدت خبراء عالميين لدعم ملف مصر، كما تضمن الملف المصرى الفائز فى السباق عناصر تفوق يشرحها الدكتور خالد عزب رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف : أن مدينة الإسكندرية صاحبة تاريخ عريق ومركز تاريخى للعلم والثقافة، حيث ضمت فى تاريخها العريق جامعة «الموسيون» ومكتبة تاريخية أيضاً ضمت 700 ألف كتاب وتعتبر كلمة الموسيون هى المصدر الأول لكلمة متحف فى كل اللغات “Museum” كما كانت تملك فنار الإسكندرية إحدى عجائب الدنيا السبع مازالت بقاياه تحت مياه الميناء الشرقى بالمدينة والمدينة حالياً تضم مكتبة الإسكندرية الجديدة والعديد من المواقع الأثرية مثل قلعة قايتباى وعمود السوارى وقصور المنتزه ورأس التين ومجموعة متاحف رائعة فى مقدمتها المتحف القومى والمتحف اليونانى الرومانى الذى يضم كنوزا رائعة من تماثيل أثرية نادرة ومتحفا للمجوهرات الملكية وللفنون الجميلة كما تحتوى المدينة على مزارات إسلامية ومسيحية ويهودية، وبها أكبر معبد يهودى «الياهو» وكنيسة المرقسية، كما تحتوى مواقع للتراث العالمى مثل منطقة مارمينا الأثرية التى أقرتها اليونسكو ضمن 57 منطقة فى العالم كتراث إنسانى بالإضافة إلى سعى المدينة لإقامة متحف تحت مياه الميناء الشرقى لمعالم الإسكندرية القديمة التى غرقت عقب زلزال مدمر. وقد خضعت الدول الاثنتى عشرة المتقدمة إلى تصفية أولى حيث أسفرت عن اختيار ثلاث مدن فقط هى أوسلو وبراغ والإسكندرية المصرية. (زيارة تفقدية للإسكندرية) وقبل التصويت على المرحلة النهائية قامت لجنة متخصصة من المجلس الدولى للمتاحف بزيارة تفقدية للمدن الثلاث لتقييم قدراتها ومواقعها التاريخية، وجاء الوفد إلى الإسكندرية فى الفترة من 17-19 مارس 2018. وأقام فى أعرق فنادقها «سيسل» المطل على الميناء الشرقى، ثم زارت مكتبة الإسكندرية بما تحتويه من مركز مؤتمرات ومبنى المكتبة وقاعة الاطلاع المقترح عقد مراسم افتتاح المؤتمر بها، كما زارت متحف السادات ومتحف الآثار فى المكتبة، ثم تناولوا الغداء فى أشهر مطعم للأسماك «فيش ماركت» على ضفاف الميناء الشرقى وأبرزوا إعجابهم بالمنظر الرائع للميناء الشرقى وأيضاً إعجابهم بالطعام المصري، ثم اتجه الوفد لزيارة المتاحف حيث زاروا المتحف القومي، الذى يضم 1800 قطعة أثرية ويحكى تاريخ الإسكندرية وتعاقب الحضارات عليها منذ العهد الفرعوني، ثم المتحف اليونانى الرومانى الذى يضم 24 قاعة تموج بكنوز من التماثيل والتحف الفنية والأثرية، ومجموعة أخرى رائعة من المتاحف فى مقدمتها متحف المجوهرات الملكية ومتحف الأحياء المائية ومتحف التاريخ الطبيعى ومتحف محمود سعيد والمتحف البحرى ومتحف المخطوطات ومتحف السادات. (مواقع تراثية) ثم زار الوفد ما تزخر به مدينة الإسكندرية من المزارات السياحية الدينية سواء إسلامية أو مسيحية أو يهودية، حيث يوجد بها كنيسة المرقسية التى تعد أول كنيسة أنشئت فى إفريقيا وأيضاً المعبد اليهودى «الياهو هتابي».. وأيضاً مواقع التراث العالمى مثل منطقة «مارمينا» الأثرية فى غرب المدينة التى أولتها اليونسكو عناية خاصة، وأقرتها ضمن 57 منطقة فى العالم كتراث إنساني، بالإضافة إلى سعى المدينة إلى إنشاء أول متحف فى أعماق البحر لمشاهدة الآثار الغارقة من مدينة الإسكندرية القديمة خلال عصر كليوباترا وقصرها الموجود تحت مياه الميناء الشرقى.. وأن إقامة المؤتمر فى الإسكندرية سوف يعرض إنشاء هذا المتحف الذى كان فى خطة اليونسكو وتم إعداد تصميماته فى فرنسا ولكن توقف بسبب قيام ثورة مصرية عام 2011. وفضلاً عن ذلك فإن المدينة لديها العديد من الفنادق التاريخية، وهى تقع على مسافة قريبة من مركز المؤتمرات، وقد صممت على الطراز المعمارى الأوروبى وتحتوى مجموعات من الأثاث الكلاسيكى والتحف القديمة. (المنتزه تبهر اللجنة) أما زيارة الوفد لمنطقة قصر المنتزه، فقد تركت انطباعاً مذهلاً على الوفد بعد تفقدهم للقصر الرائع وحديقته، وفندق فلسطين وشاهدت غرفه وإمكانياته وإطلالته على حديقة المنتزه وخليجها وقصر السلاملك وكشك الشاى الذى كان معداً لاستقبال ملك البلاد خلال فترة العصارى لاحتساء الشاى مع رفاقه من علية القوم والسياسيين. ثم غادر الوفد إلى القاهرة حيث زار متحف الحضارة وبعدها إلى مطار القاهرة عائداً إلى باريس مقر منظمة اليونسكو. وتصل اللجنة الدولية بكل خبراتها إلى مقر المنظمة الدولية، فى باريس لتضع تقريرها التفقدى لمدينة الإسكندرية مرفقاً به الملف الذى أعدته مصر، أمام أعضاء المجلس الدولى للمتاحف، المنوط بهم التصويت لاختيار مدينة المؤتمر لعام 2022. (يوم التصويت) وأمام أعضاء المجلس الدولى للمتاحف تم وضع الملف المصرى ومعه التقييم الذى حررته اللجنة المختصة للدول الثلاث. كان ذلك صباح يوم 8 يونيو الماضي.. وشهد التصويت تحالف عربى أفريقى لم تشهده المنظمة على طول تاريخها.. وعملت وفود دول السعودية والإمارات والمغرب وتونس وعمان والأردن ولبنان والكويت، وهى الدول الأعضاء فى المجلس الدولى للمتاحف وتقاسموا الأدوار مع وفود الدول الأفريقية ليكون لأول مرة للمجموعة العربية والأفريقية صوت مسموع واحد قوى داخل المنظمات الدولية. وخرجت نتائج تصويت 130 عضواً هم كل أعضاء المجلس الدولى للمتاحف.. وحصلت مدينة أوسلو على 11 صوتاً.. ثم حصلت مدينة براغ على 52 صوتاً.. ثم كانت المفاجأة المذهلة بحصول الإسكندرية المصرية على 67 صوتاً.. ويعلن المجلس فوز المدينة العريقة باستضافة المؤتمر الدولى للمتاحف عام 2022، وتنقل وكالات الأنباء الخبر إلى كل أنحاء الدنيا. وشهادة حق يجب قولها.. فإن نجاح هذه المعركة التى قادها د.مصطفى الفقى رئيس مكتبة الإسكندرية لم تكلف الدولة مليماً واحداً، حيث كانت موارد اللجنة المصرية المحدودة هى السند.. بل كان فريق العمل يدفع من ماله الخاص. كما شاركت سيدة يونانية مصرية من الإسكندرية متطوعة وقدمت خبراتها.. وصمم شباب مصرى «انفوجراف» للدعاية عن الإسكندرية بكل لغات العالم دون مقابل، وآخر صمم «اللوجو» الخاص بالمؤتمر ولم ينتظر منا أجراً.