استكمالا ً لمقالنا السابق (أساطين الموسيقى والشعراء العرب) الذى عرضنا فيه كيف كان الشعراء العرب يتابعون أساطين الموسيقى من كبار الملحنين فى زيارتهم خارج البلاد ليتصلوا بهم ويتقابلوا معهم لإهدائهم بعض قصائدهم لتتغنى بها سيدة الغناء أم كلثوم و كبار النجوم المصريين والعرب، حدث هذا عندما علم الشاعر الكبير نزار قبانى بأن الموسيقار عبدالوهاب يقضى فترة صيفه فى فندق انتركونتيننتال بباريس ذهب إليه وأهداه قصيدة «أيظن» لتغنيها الفنانة القديرة نجاة وعلم أيضاً بوجود عندليب الغناء عبدالحليم حافظ يرقد فى مستشفى لندن كلينك للعلاج وإلى جواره الموسيقار محمد الموجى فذهب إليهما وأهداهما قصيدتين ليغنيهما العندليب وهما «قارئة الفنجان ورسالة من تحت الماء»، وأعرض اليوم حكاية الفنانة ميادة الحناوى التى اختارت الموسيقار بليغ حمدى من بين الملحنين المصريين أمل مصر فى الموسيقى (كما كان يسميه العندليب) ليقدمها بليغ فى حفل كبير يذاع على الهواء ليفتح لها باب الشهرة كمطربة كبيرة وشاءت الظروف أن يبدع لها بليغ أغنيتين جديدتين كتبهما بنفسه أثناء وجوده خارج البلاد متنقلا ً بين بيروتولندن وباريس لعدم وجود الشعراء الذين كان يتعامل معهم إلى جواره فى غرفته وهما «أنا باعشقك» و«الحب اللى كان» وبدأت مياده فى حفظهما من خلال الاتصال به بالخارج وتدربت عليهما لأول مرة بعد ارساله شريطا مسجلا ً بصوته ، وتمر الأيام وتتلقى الفنانة ميادة دعوة لإحيائها حفلاً غنائيا ً كبيرا ً فى سلطنة عمان وتقابلا معاً فى بيروت واتفقا على إحياء هذا الحفل، وكان بليغ قد غادر القاهرة بعد حادث سقوط إحدى المغتربات من شرفة شقته فى ميدان سفنكس وتحرير محضر بالواقعة خشية صدور حكم يدينه بذلك وأوكل أحد محاميه لمتابعة القضية. وعلم كاتب هذه السطور بموعد وصول بليغ وميادة لإحياء حفلهما فى السلطنة وذهبت لاستقباله بعد غيابه عن القاهرة وأمام سلم الطائرة فوجئ بوجودى مع مستقبليه العمانيين وكانت فرحته كبيرة وسألنى كيف جئت إلى هنا وعلم أننى المستشار الإعلامى لسفارتنا المصرية بعمان، فتابعت معه بروفات الأغنيتين على المسرح وقبل موعد الحفل كان بليغ قد سجل الأغنيتين لميادة بنظام البلاى باك حيث تظهر على المسرح وكأنها تغنى معتمدة على الشريط المسجل الذى توقف فجأة بعد المذهب الذى يقول «أنا باعشقك أنا.. أنا كلى لك أنا.. يا من ملك روحى بهواه.. الأمر لك طول الحياة.. الماضى لك وبكره لك وبعده لك.. وبأسألك بتحبنى ولا الهوى عمره ما زارك.. بتحبنى ولا انكتب ع القلب نارك.. قول يا ملاك..» فصفق الجمهور منبهراً بصوت مياده وألحان بليغ وكلماته العبقرية التى كتبها فى غربته فصنعت منه الغربة شاعراً مبدعاً، ولمحت بليغ يهمس فى أذن ميادة وأدركت أنه طلب منها أن تغنى مع الفرقة الموسيقية دون الاعتماد على الشريط الذى توقف وهو ما كان يفعله مع أغانى العندليب مثل زى الهوا وسواح وموعود وغيرها، وانتهت الأغنية بسلام وسط تصفيق الجمهور وعدم شعوره بما حدث، وجاءت الاستراحة لتغنى ميادة أغنيتها الثانية «الحب اللى كان» وراجع معها وراء الكواليس الكلمات واللحن والآداء وطلب منها الغناء مع الفرقة الموسيقية دون الاعتماد على التسجيل وغنت المذهب باقتدار وإلى جوارها بليغ الذى كان يقود الفرقة (كان يا ماكان الحب مالى بيتنا ومدفينا الحنان.. زارنا الزمان.. سرق منا فرحتنا والراحة والأمان.. حبيبى كان هنا.. مالى الدنيا عليه بالحب والهنا.. حبيبى ياأنا نسيت مين أنا.. أنا الحب اللى كان) وانتهى الحفل وسط انبهار العمانيين بليلتهم الغنائية الرائعة ويعود بليغ وميادة وتمر الأيام ويصدر الحكم فى صالحه ويتعرض بعد ذلك لأزمة صحية ويغادر الحياة بمستشفى لندن كلينك ويعود جثمانه للقاهرة ليستقبله أصدقاؤه وعشاق فنه من كبار النقاد والصحفيين . لمزيد من مقالات مصطفى الضمرانى