تستطيع أن تعرف كيف يحترم الناس فى أى دولة، العديد من القيم، وكيف يتعاملون معها، من خلال السير فى شوارعها، فعندنا فى مصر، مشهد الازدحام قد يخبىء بعضاً من التفاصيل التى ننفرد بها. فطريقة القيادة اللولبية التى لا تعرف نمطا محدداً للسير فى الشارع، كما لا تُلزم نفسها بتعليماته، هى السمة الرئيسية المميزة للشارع الآن، ولا يختلف الحال إذا كنا فى منطقة راقية، أو شعبية، أو حتى عشوائية، فالطرق الرئيسية تجمعهم فى النهاية، لنشاهد مزيجا من حالات الخروج عن نص القيادة المنضبطة، يتكرر يوميا، حتى بات نموذج القيادة المستهترة هو الغالب، وبات الخطأ هو السائد، واللامبالاة مسيطرة على الوضع فى الآونة الأخيرة. وتماشيا مع الواقع الجديد، تبدلت الأوضاع، وتُجبر المخطئ، فعندما تصف سيارتك فى المكان المسموح به، وحينما تعود، قد تجد من يضع سيارته بطريقة تمنعك من التحرك بها، وأحياناً مجرد ركوبها، ويمكن أن تقضى وقتا طويلا، منتظراً صاحب السيارة التى تمنعك من الخروج، لتراه آتياً معتزاً بنفسه، غير عابىء بما فعله، معتبراً فعلته تعبر عن حق اكتسبه يسمح له بنزع حرية الملتزم، وعقابا للملتزم، الذى عرضه لضياع وقته، ناهيك عن أن ما يحدث يمثل هدر لقيم الاحترام بإصرار عجيب. هذه الظاهرة انتشرت بشكل واضح، وأصبح الخطأ هو الصواب، والصواب ألبسناه ثوب الخطأ، وأخذنا نتندر على تلك الأوضاع مطلقين عليها كل سهام التهكم والسخرية، متناسين أنها تحدث بيننا وبموافقتنا، وأن انتشارها ينم عن كم الإقبال عليها. أضرب لك مثالين، قد يستحقان التوقف أمامهما، الأول، ما يحدث فى شهر رمضان بالتحديد، بعد الإفطار، يبدأ الناس فى الزحف إلى الشوارع، فريق يتوجه للمقاهى، يعشق الجلوس خارجها على الرصيف فى الهواء الطلق، ويصف سيارته فى عرض الطريق، ليغلقه، وليقينه بأن الحابل اختلط بالنابل، قد تشاهد مباراة فى أدبيات الخروج علي المألوف، لدرجة مفزعة، ولكن هذا الفزع قد يتحول إلى هدوء وسكينة إذا نظرنا للفريق الثانى، الذى يتوجه للمساجد للصلاة، وأمسى وجود أكثر من صف للسيارات أمام أو بالقرب من المساجد، بشكل قد يسمح بمرور سيارة واحدة أمراً طبيعياً، ولكن الجديد هو من يوقف سيارته فى نهر الطريق ليلحق بالصلاة، و ليذهب الطريق إلى الجحيم و كذلك المارة!. وتعمد السهو عن حديث المصطفى «لا ضرر ولا ضرار»، فقد أحل من سد الطريق لنفسه تعطيل مصالح الناس وكذلك التضييق عليهم، بلا سند ولا ضرورة، تبيح هذا الوضع، ولا أعرف كيف تهرول من أجل اللحاق بالصلاة إرضاءُ لله، وسعياً وراء حصد الحسنات، وأنت تتعمد تعطيل الناس، لتجنى من وراء فعلتك الكثير من اللعنات! إنها عادات جديدة علينا، تتسلل ليومياتنا، بيسر وسلاسة، ونكاد نعطيها بريقاً يحميها وينميها، عادات تؤكد أن هناك خللاً فى نظرة الناس لمحيطهم، وكيفية التعامل معه، فيمكن أن ينتقد أحدنا هذا الوضع الغريب، حينما يدور الحديث عنه، ولكنه قد يكون أحد الفاعلين المؤثرين فيه، مبرراً خروجه علي النص، بأنه فعل ذلك مضطراً!. نشاهد جميعا من يسير عكس الاتجاه، معرضا حياة الناس للخطر، ليوفر مسافة سير قد تكون 1000 متر أكثر أو أقل، لو التزم المرور من الاتجاه الصحيح، وأضحت مشاهدة نسبة تتزايد مع مرور الأيام، تسير عكس الاتجاه، أمراً عاديا، وبنفس القياس، قد يضجر الناس من عدم وجود كبارى للمشاة، وهذا حقهم، لكن الغريب ما يفعلونه، يصر بعضهم على عبور الطريق على قدميه، غير مستخدم الكوبرى الذى طالما طالب بإنشائه!. وقد يكون التوكتوك هو النموذج المعبر عن الشارع الآن، فسيره محظور، لأنه بلا ترخيص، ولكنه تحول الى هدف لشباب يعانى من البطالة، ويرى فى امتلاكه فرصة عمل تؤمن له قدرا معقولا من متطلبات الحياة، طريقة سيره المستهترة فى الشوارع تعكس رؤية قائده، الذى يتعامل مع الشارع من منظور ضيق جدا، واضعا فى اعتباره أنه يسير دون ترخيص، مما يعنى صعوبة الوصول إليه حال ارتكابه المخالفات. ورغم ذلك ومع تجاوز عدد مركباته لما يجاوز ال 3.5 مليون، تسير فى شتى أنحاء الجمهورية، تجد الإقبال عليه كبيرا، بالدرجة التى تجعل سوق إنتاج التوكتوك منتعشة، لكن الغريب، يظهر من شكوى الناس من موبقاته، ثم تجدهم يستخدمونه! قد يرد أحدهم، وما البديل، الإجابة، عدم وجود بديل لا يلزمك بقبول تجاوزاته فى الشارع، ولو حرص الراكب على توضيح امتعاضه ممن يراه أثناء ركوبه، سيضطر سائقه لتقويم نفسه. ولكننا ننتقد الوضع ولا نسعى لتطويره، بل نتركه حتى يتحول للأسواء. ويوما بعد يوم، يتطور الأمر، ليصل إلى مداه، تجاوزا فى بعض الحدود قد نراه مقبولا اليوم، ولكن من ازدياده لن يكون متحملا، لأنه وقتها سيصبح واقعا معتاداً مفروضاً، فكرة الاقتراب من تعديله ستواجه بالصعوبات.عزيزى القارىء من أنت؟ الذى مازال يصف سيارته بطريقة سليمة، سواء ذهب لبيت العبادة، أو للمقهى، أم الطرف الآخر؟, فإذا كنت من الملتزمين، الذين لم تغرهم برائق التكاسل واللامبالاة، فأنت على صواب ونقيضك هو المخطئ، فأنت وأمثالك، الأمل الباقى لاستعادة الصواب لمكانته مرة أخرى.