حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا حدث للديمقراطية؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 05 - 2018

فى كتابه الشهير (الديمقراطية فى أمريكا) الذى نشر فى سنة 1835، أى منذ أقل قليلا من قرنين، كتب الكاتب الفرنسى أليكس دى توكفيل أنه منذ القرن الحادى عشر، مرت الدول (وليست فقط فرنسا) بموجات من الديمقراطية، حيث تصعد شرائح من السكان كانت فى أسفل السلم الاجتماعي، عدة درجات إلى أعلي، فتبدأ فى التمتع بطيبات الحياة التى لم تكن تتمتع بها، وتتكرر هذه الظاهرة كل نحو مائتى عام، ومن ثم يصبح المجتمع أكثر ديمقراطية من ذى قبل.
قد يكون فى هذا القول بعض التبسيط ولكنه ينطوى أيضا على بعض الحقيقة. ومن الممكن تقديم تفسير لهذه الظاهرة بما تحرزه المجتمعات من تقدم تكنولوجي. فمن طبيعة التقدم التكنولوجى إتاحة بعض متع الحياة إلى شرائح أوسع من المجتمع، وينطوى هذا على تحسن المركز الاجتماعى لهذه الشرائح مما قد نصفه باتساع الديمقراطية.
لقد لاحظنا هذا فى تطور المجتمع الأوروبى من النظام الاقطاعى إلى بدايات النظام الرأسمالي، ثم مرة أخري، أو عدة مرات، منذ نهايات القرن الثامن عشر حتى العصر الحالي، حيث تقطف ثمار التقدم التكنولوجى شرائح جديدة من المجتمع كانت محرومة منها، وتسعى هذه الشرائح، وتنجح بالفعل، بسبب صمودها الاقتصادي، فى تأكيد وجودها السياسى واشتراكها فى إدارة المجتمع.
من المؤكد أن هذا المد الديمقراطى قد يواجه نكسات، فتستولى على السلطة فئات تمارس دكتاتورية ساحقة، كما حدث فى صعود النازية فى ألمانيا والفاشية فى إيطاليا، على الرغم مما أنجزته هذه المجتمعات من تقدم تكنولوجي، بل قد تستخدم هذه الفئات التقدم التكنولوجى لإحكام سيطرتها وترسيخ دكتاتوريتها. ولكن هذا لا ينفى أن الأثر طويل المدى للتقدم التكنولوجى هو تقوية الفرد العادى وزيادة قدرته على المساهمة فى الحياة السياسية.
كذلك فإن للتقدم التكنولوجي، فيما يبدو أثرا سلبيا على حرية المواطنين يتمثل فيما يسمح به ويتجه بالفعل، من زيادة قدرة الشركات التجارية على غسيل المخ وتوجيه الناس إلى ما يحقق مصالحها حتى ولو لم يكن فى ذلك تحقيق مصالح حقيقية للناس، فتوجه المستهلكين إلى شراء سلع وخدمات قد لا يحتاجون اليها، ومن ثم يفقدون جزءا من حريتهم دون أن يشعروا بفقده. وفى هذه الحالة يكون التقدم التكنولوجى قد استخدم لمصلحة فئة صغيرة من المنتجين ضد مصلحة الأغلبية، وتصبح النتيجة مشابهة لما فعله التقدم التكنولوجى فى الحياة السياسية، حينما يصعد الدكتاتور إلى قمة الحكم ويستخدم وسائل الاعلام لتكريس سلطته وتثبيت دعائم حكمه.
أى الاتجاهين يا ترى له الغلبة فى حياتنا المعاصرة؟...
هل يزيد التقدم التكنولوجى مما نتمتع به من حرية أم يزيد من قدرة حكامنا على التحكم فى مصائرنا وسلوكنا؟.
لدينا عدة تجارب تاريخية فى هذا الصدد. لدينا التجربة الأوروبية التى يبدو أن التقدم التكنولوجى استخدم فيها، فى معظم الأحوال، لزيادة حرية المواطنين، ولدينا التجربة السوفيتية التى انتهت فى 1990، حيث استخدم التقدم التكنولوجى لفرض مزيد من القهر. ولكن لدينا أيضا التجربة الأمريكية التى رفعت شعارات الحرية السياسية ولكن خضع فيها المستهلك لنوع من القهر الذى مارسته الشركات التجارية لترويض المستهلكين. وفى أثناء ذلك مرت الدول التى سميت تارة بالمتخلفة وتارة بالنامية، بتجارب جمعت فيها أحيانا بين القهر السياسى وقهر المستهلكين، وتفاوتت درجة هذا القهر وذاك بحسب درجة النمو الاقتصادى فى كل من هذه الدول.
ما الذى يمكن أن نتنبأ به لمستقبل الديمقراطية؟ لا يبدو أن هناك نهاية لما يمكن أن يحققه التقدم التكنولوجى من آثار فى حياة الناس. ولابد أن يخلق هذا التقدم فرصا جديدة لتمتع الناس بطيبات الحياة، ولكنه لابد أيضا أن يتيح فرصا جديدة أمام الحكام لممارسة الدكتاتورية، وأمام الشركات التجارية للانتقاص من حريات الناس. قد يعى الناس جيدا قسوة الحكم الدكتاتورى ويحاولون بنجاح أحيانا، صده ومقاومته، ولكن قدرة الناس على مقاومة ما تمارسه الشركات التجارية من قهر قد تكون ضئيلة. ذلك أن القهر الذى يأتى من جانب الشركات التجارية هو من قبيل القهر «الناعم» الذى يعتمد جزء كبير من تأثيره على الخضوع الإرادى من جانب المستهلكين. لابد أن يذكرنا هذا القهر بالكتابين الشهرين لجورج أورويل وألدوس هكسلي. تكلم الأول فى عقب الحرب العالمية الثانية عن خطر القهر الذى تمارسه السلطة السياسية، وتكلم الثانى (فى كتاب عالم جديد رائع) قبل أورويل بخمسة عشر عاما، أى فى أوائل الثلاثينيات، عن القهر الذى يمارسه منتجو السلع ويخضع له المستهلكون بإرادتهم. قد لا يمس هذا النوع الأخير من القهر نظام الديمقراطية فى الحكم، إذ أنه لا يتعلق بالسياسة بل بالحياة اليومية، ولكن أثره فى الانتقاص من حرية الناس ليس أقل وضوحا، بل قد يكون هو الأشد خطرا.
فى نهاية رواية أورويل (1984) جملة شديدة القسوة، إذ تشير إلى أن السلطة السياسية لم تنجح فقط فى التفرقة بين البطل وحبيبته جوليا، بل نجحت أيضا فى أن تنتزع الحب من قلبه، فإذا به لا يوجه إليها التحية، بل ولا يكاد يلتفت إليها إذا تصادف وقابلها فى الطريق.
لمزيد من مقالات ◀ د. جلال أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.