► دعم الوكالة مهمة عالمية.. ولا يجب ربط المساعدات الإنسانية بالمواقف السياسية تعانى وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» أزمة خطيرة بعد إعلان أمريكا وقف تمويلها، الذى يقدر ب365 مليون دولار، الأمر الذى يهدد الملايين من لاجئى فلسطين وما يحصلون عليه من الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية والإغاثة فى حالات الطوارئ والتدخلات الاجتماعية والتمويل الصغير والبنية التحتية وتحسين المخيمات.. فما دوافع أمريكا وراء هذا القرار؟، وكيف ستواجه الأونروا هذا التحدى لاستكمال مهمتها فى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين؟، وهل يستطيع العرب تعويض الوكالة وسد تلك الفجوة المالية؟، وما الدور الأوروبى فى دعم الوكالة؟، وأيضا دور الأزهر الشريف والمنظمات الإسلامية الكبرى؟، وكيف يمكن حل مشكلة اللاجئين بشكل جذرى ودعم حق العودة للفلسطينيين؟.. سحر الجبورى، رئيسة مكتب الأونروا بالقاهرة، أجابت عن هذه التساؤلات وغيرها فى هذا الحوار مع «الأهرام». رئيسة مكتب الأونروا خلال حوارها مع مندوبة الأهرام ما تأثير إعلان أمريكا وقف تمويلها للأونروا، الذى يقدر ب365 مليون دولار، على عمل الوكالة فى المرحلة المقبلة؟ كما صرح المفوض العام للأونروا، بيير كرينبول، فإن خفض التمويل الأمريكى أمر خطير وضار، لأنه يهدد أحد مساعى التنمية البشرية الأكثر نجاحا وابتكارا فى الشرق الأوسط، حيث إن هذا الخفض يضع حصول 525 ألف صبى وفتاة على التعليم فى 700 مدرسة من مدارس الأونروا وكذلك مستقبلهم على المحك، كما يضع على المحك كرامة الملايين من لاجئى فلسطين ممن هم فى حاجة للمعونات الغذائية الطارئة وإلى سبل الدعم الأخرى فى الأردنولبنانوسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة فضلاً عن أمنهم الإنساني، إضافة إلى سبل حصول اللاجئين على الرعاية الصحية الأولية، بما فيها رعاية الحوامل وغيرها من الخدمات المنقذة للأرواح، وأخيرا حقوق وكرامة مجتمع بأكمله، وغنى عن القول إن خفض التبرعات أيضا يمس الأمن الإقليمي، فى وقت تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط مخاطر وتهديدات متعددة، لا سيّما المخاطر المرتبطة بالمزيد من التطرف. وما دوافع أمريكا وراء قرارها بوقف الدعم؟، وهل تعتبرين أنها تقوم بتسييس أموال الأونروا من أجل خدمة إسرائيل؟ تستطيع الولاياتالمتحدة الإجابة عن هذا السؤال بشكل أفضل، لكن على كل حال لا يتوجب ربط المساعدات الإنسانية بالمواقف السياسية، أما نحن فلا نزال فى مرحلة استيعاب الخفض الأمريكى للتمويل والتعامل مع تداعياته، وذلك فى إطار التزامنا بالمحافظة على الخدمات فى مناطق العمليات الخمس للوكالة، ونقول قولنا هذا ونحن نعلم أن لاجئى فلسطين معرضون للخطر للغاية فى هذه المناطق، ومع كامل أسفنا للقرار الأمريكي، إلا أننا سنبذل كل ما بوسعنا لمواصلة خدمتهم بكل كرامة وبالشغف الذى يستحقونه، ونتقبل حقيقة كون تمويل أى مؤسسة إنسانية هو مسألة طوعية بالكامل، وهى من صلاحيات الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة، وما اتخذته الولاياتالمتحدة. كيف ستواجهون هذا التحدى؟ كما أوضح المفوض العام، الأونروا تعمل بكل عزيمة من أجل ضمان استمرارية خدماتها، وقد أكّد على وجه التحديد لمجتمع اللاجئين أن المدارس ستظل مفتوحة، وقال للموظفين إن هذه اللحظة هى لحظة للتماسك وشدّ أزر بعضنا البعض، وليس هناك من شك أننا نواجه تحديات هائلة فى الأسابيع والأشهر المقبلة، ولكى نضع الأمور فى نصابها، فإن الولاياتالمتحدة قد تبرعت للأونروا بمبلغ إجمالى مقداره 350 مليون دولار عام 2017، ولم نتسلم منه سوى 60 مليون دولار عام 2018، وفى الوقت الراهن، بل وحتى قبل القرار الأمريكي، اتخذت الوكالة تدابير تقشفية صارمة، كما نعمل بلا كلل بحثاً عن تحالفات تمويلية جديدة من خلال التواصل مع الدول الأعضاء والصناديق الائتمانية والمؤسسات والجمعيات الخيرية والقطاع الخاص والأفراد، وفى هذا الصدد، فقد أطلقنا حملة عالمية طموحة لحشد التبرعات تحت عنوان «الكرامة لا تقدر بثمن»، ليتسنى لنا مواصلة فتح مدارسنا وعياداتنا للاجئى فلسطين، ونحن ندعو الأشخاص الطيبين الرحماء فى كل مكان للتضامن مع لاجئى فلسطين المستضعفين والوقوف بجانبهم من خلال التبرع لحملة «مولوا الأونروا» على الموقع الإلكترونى www.unrwa.org/donate أو على حساب الأونروا رقم 101005488001 فى بنك الإسكندرية. هل تعتبرين دعم الأممالمتحدة كافياً للوكالة؟ يأتى معظم التمويل للأونروا من التبرعات الطوعية، وعلى الأغلب من الدول المانحة، وتقوم الأمانة العامة للأمم المتحدة بتمويل أكثر من مائة وظيفة دولية من موازنتها العادية، فى حين تقوم اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية بتمويل عشر وظائف تابعة لبرامج التعليم والصحة، واستنادا إلى تقرير الأمين العام حول عمليات الأونروا والصادر فى أبريل 2017 فقد أشرف الأمين العام على سلسلة من الجهود الجماعية بهدف تحقيق الاستقرار المالى للأونروا وزيادة التبرعات لها من أجل استدامة العمل الذى تؤديه الوكالة يوما بعد يوم فى المنطقة. ما الدور العربى فى دعم المنظمة لممارسة أنشطتها، وهل يمكن للعرب أن يعوضوا وقف التمويل الأمريكي؟ منذ نشأة الوكالة قبل نحو 70 عاما وجامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها يسهمون ماديا ومعنويا باعتبارهم شركاء مهمين للوكالة، فضلاً عن الدعم السياسى القوي، فعلى سبيل المثال تلعب مصر دورا مهما فى دعم الوكالة، خصوصا من خلال ترؤسها للجنة الاستشارية للوكالة، وأخص بالذكر هنا السفير طارق عادل، سفير مصر لدى الأردن، على جهوده المتميزة من خلال رئاسته هذه اللجنة، وقد كان للجهود المصرية والأردنية كبير الأثر فى حشد تعهدات إضافية للأونروا بلغت قيمتها 100 مليون دولار من المانحين من خلال مشاركتهما السويد فى رئاسة المؤتمر الوزاري، الذى عقد فى العاصمة الإيطالية روما فى 15 مارس الماضى تحت عنوان «المحافظة على الكرامة والمشاركة بالمسئولية.. الحشد من أجل عمل جماعى للأونروا، الأمر الذى أسهم فى خفض العجز المالى الحالي، والذى بلغ مع بداية العام 446 مليون دولار، ولا يفوتنى التأكيد أن أهم مصدر لاستمرارية عمل الوكالة على مدى العقود السبعة الماضية هى الشراكة الميدانية والقوية والثابتة مع الدول المضيفة للاجئين (السلطة الفلسطينيةوالأردنولبنانوسوريا)، والتى لا تسهل وتحفظ وتدعم عمل الوكالة فحسب، لكنها توفر الميزانيات الكبيرة لخدمات الأونروا وتقديم خدمات حيوية للاجئين لا توفرها الأونروا، كما أن الدول العربية (المضيفة والمتبرعة) تسهم مساهمة جادة فى دعم خدمات الأونروا خصوصا خدمات الطوارئ فى سوريا والأراضى الفلسطينيةالمحتلة، وتسهم بشكل كبير فى دعم المشاريع الكبيرة والمكلِّفة كإعادة بناء المنازل والمنشآت التى هُدّمت خلال الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة وهى بعشرات الآلاف، وكذلك إعادة بناء مخيم نهر البارد فى لبنان، الذى كان قد دمر على بكرة أبيه، لكن الأونروا تصبو إلى أن ترتقى تبرعات الدول العربية للميزانية العادية للوكالة (وهى محور عمل الأونروا) إلى مستوى أفضل؛ لتسهم مجتمعة بتوفير 7.8% من إجمالى الميزانية العادية للأونروا، والعرب قادرون على نصرة إخوانهم اللاجئين الفلسطينيين خصوصا فى هذه الظروف العسيرة، ويحدونا الأمل أن تقوم الشعوب العربية بسد هذه الفجوة التمويلية، ولكن اسمحى لى أن أقول أيضاً إن دعم الأونروا ماليا وتوفير الدعم الميدانى للاستمرار بخدماتها الإنسانية هى مهمة عالمية وليست عربية فقط. ما دور الأزهر الشريف والمنظمات الإسلامية الكبرى فى دعم الأونروا؟ حقيقة، للأزهر مواقف مشرفة فى نصرته للضعفاء والمحتاجين واللاجئين، وبإمكانه وغيره من المنظمات الإسلامية مد يد العون فى حشد التبرعات والصدقات وأموال الزكاة للاجئين الأكثر حاجة من الأرامل واليتامى والأطفال، وفى لقائى مع فضيلة شيخ الأزهر لمست كامل تعاطفه مع المحنة التى يعيشها لاجئو فلسطين والممتدة دون حل فى الأفق، والأونروا تعمل جاهدة لتطوير آليات التنسيق مع الدول الإسلامية والمقتدرين فى العالم العربى والإسلامي، لتقديم مستوى أعلى من الدعم، والقصد هنا ليس فقط الدعم المالى ولكن الدعم المعنوى والإعلامى وغيره. ما أولويات وكالة الأونروا خلال الفترة المقبلة، وما الذى يميزها عن غيرها من وكالات الأممالمتحدة؟ وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وكالة متخصصة تأسست بالقرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، ووفقاً للولاية المنوطة بها فهى تقدّم الخدمات الأساسية للاجئى فلسطين وتضم خدماتها التعليم الأساسى (والتعليم الثانوى فى لبنان) والرعاية الصحية الأولية الشاملة والإغاثة فى حالات الطوارئ والتدخلات الاجتماعية والتمويل الصغير والبنية التحتية وتحسين المخيمات. ولدى الأونروا 32 ألف موظف لتقديم الخدمات لما يزيد على خمسة ملايين و300 ألف لاجئ مسجل لديها فى غزة والضفة الغربية (بما فيها القدسالشرقية)، والأردنوسورياولبنان، وفى غزة وحدها نقدم المساعدة لحوالى مليون ونصف المليون شخص، وفى سائر أرجاء المنطقة، يتولى العاملون فى مجال التعليم فى الأونروا تعليم 525 ألف طفل، يوجد أكثر من نصفهم فى غزة، ويقدّم أطباؤنا تسعة ملايين استشارة صحية سنويا، بالإضافة إلى ذلك يتلقى 1.7 مليون لاجئ ممن يعانون انعدام الأمن الغذائى معونات غذائية ونقدية -مليون منهم فى غزة- كما نقوم بمساعدة 40 ألف لاجئ من ذوى الإعاقة، ونقدم أنشطة ترفيهية ل 200 ألف طفل، فيما يحصل 38 ألف لاجئ على قروض صغيرة تصل قيمتها إلى ما يقارب 40 مليون دولار، الأمر الذى يتيح لهم فرصة تفادى الوقوع فى مصيدة الفقر ويعزّز اعتمادهم على الذات، كما نعمل من أجل تمكين المرأة وحماية الأطفال المعرضين للخطر، وعلى بناء مجتمعات تتمتع بصحة أفضل من خلال نحو 150 عيادة صحية أولية، ويتميز عمل الأونروا عن غيرها من وكالات الأممالمتحدة فى أنها تقدم خدمات مباشرة وحيوية ومنقذة للأرواح بالاستناد إلى المبادئ الإنسانية للأمم المتحدة والمتمثلة بالإنسانية والحيادية وعدم الانحياز واستقلالية العمليات. من وجهة نظرك كيف يمكن حل مشكلة اللاجئين بشكل جذرى ودعم حق العودة للفلسطينيين؟ مهام الأونروا محددة فى إطار ولايتها الممنوحة لها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى يقدم أعضاؤها دعما قويا وواسعا لمهمة الوكالة فى مجالات التنمية البشرية والمجالات الإنسانية، وما يعمل على إدامة أزمة اللاجئين هو فشل الأطراف فى التعامل مع القضية، وهو أمر يتعين حلّه من جانب أطراف النزاع فى سياق محادثات السلام، استنادا إلى قرارات الأممالمتحدة والقانون الدولي، كما يتطلب مشاركة فاعلة من المجتمع الدولي.