مايو الحالي، سيرسم ملامح مستقبل شرق أوسط جديد عبر اتخاذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قرارين فى غاية الخطورة : نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتحديد موقفه من الاتفاق النووى مع إيران الذى يتراوح بين التعديل أو الإلغاء. فى ديسمبر الماضي، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ضاربا بعرض الحائط القرارات الدولية والرفض الفلسطينى والدولى لهذا القرار، بل إنه فتح الباب أمام إمكانية حضوره حفل افتتاح السفارة الشهر الحالي، لتدشين خطة السلام التى وضعتها إدارتها أو ما يعرف باسم «صفقة القرن»، والتى وصفها الرئيس الفلسطينى محمود عباس بأنها «صفعة العصر». الرئيس الأمريكى يعتمد فى سياسته تجاه قضية السلام على صهره جاريد كوشنر، المحاط بسلسلة من فضائح الفساد، والذى يبدو كيهودى متشدد أكثر من كونه سياسيا يتفهم طبيعة المنطقة والتاريخ الذى يريد العبث به وقلب حقائقه من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يهدد بتصعيد خطير على الأرض، وبإشعال النيران فى منطقة مضطربة، حسب وصف مكرر من الرئيس الأمريكي، وأنهى دور واشنطن كوسيط فى عملية السلام. وتأتى قضية الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى كعقبة جديدة، حيث أنها بمثابة دق لطبول الحرب ضد طهران، التى لم تفلح معها سياسات فرض العقوبات، ونجحت فى تطوير سلاحها النووى كما استطاعت التغلغل فى دول تشهد صراعات مثل سوريا واليمن والعراق، هذا بالإضافة إلى اكتسابها قوة من التحالف مع روسيا. وبسبب ظاهرة «الخوف من إيران»، استغلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة والقوى العالمية ذلك، وسعت إلى إشعال سباق تسلح فى الشرق الأوسط، عبر صفقات أسلحة بمليارات الدولارات، حيث عقد ترامب نفسه خلال حضوره القمة العربية- الإسلامية- الأمريكية فى الرياض صفقة بحوالى 400 مليار دولار. وباتخاذ هذين القرارين، يحقق ترامب يحقق ركنين أساسيين من أركان سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وهما محاولة وهمية لاحتواء إيران والدعم المطلق لإسرائيل. أما فيما يخص الحرب ضد الإرهاب، فإن ترامب يكرر طلبه للدول العربية بدفع الأموال مقابل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. والمدهش أن ترامب يتخذ قرارات بناء على نصائح مستشارين غائبين، فالسفارات الأمريكية ما زالت بعد 15 شهرا من دخوله البيت الأبيض، بلا سفراء، بل أنه أقال الحمائم فى إدارته الذين يرفضون سياساته، واستعان بصقور من أمثال جون بولتون مستشاره للأمن القومى ومايك بومبيو وزير الخارجية الجديد. بولتون مهندس غزو العراق، والمعجب بالنموذج الليبى الذى يطالب به فى كوريا الشمالية لتفكيك البرنامج النووى لبيونج يانج، تغاضى عن الفوضى والخراب التى تعيش فيه الدولتان، بل إنه قصد الشرق الأوسط فى أولى رحلاته الخارجية من أجل التحذير من الخطر الإيراني. ويواصل ترامب تأكيداته، على فترات، على أن بعض دول الشرق الأوسط «لن تصمد أسبوعا دون الحماية الأمريكية»، متناسيا ما تسبب فيه التدخل الأمريكى فى العراق وليبيا من صراع دائم قضى على مستقبل بعض شعوب المنطقة، وكان سببا فى انتشار الإرهاب. ولم يكتف الرئيس الأمريكى بهذا، بل قرر استهداف سوريا وقصفها مرتين حتى الآن، بدعوى ضرب منشآتها الكيمياوية، متغاضيا عن أن سوريا تشهد حربا بالوكالة من القوى العالمية على أراضيها. ترامب إذن ينفذ «أجندة أمريكية» تقليدية بامتياز، حيث تظل منطقة الشرق الأوسط فى صراع دائم، بدون حلول سياسية، لرسم خريطة جديدة تكون بها دولة إسرائيل، مع استمرار الحرب فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، وإشعال سباق تسلح خوفا من «البعبع» الإيراني.