كل عام وأمهات مصر بألف خير.. الأم هى المدرسة الأولى التى نتعلم منها كل الأشياء.. الحب والانتماء والشرف والولاء..لا تزال الأم المصرية هى التى تغرس حب الوطن والتضحية فى نفوس أبنائها.. وهى نفسها الأم التى تصبر وتحتسب ابنها شهيدا عند الله بكل صبر ونفس راضية.. قدمت الندوة التثقيفية للقوات المسلحة فى احتفالية بعنوان «يوم الشهيد» نماذج واقعية لأمهات الشهداء كانت كلماتهن تحمل اسمى معانى الفخر والكرامة وحب الوطن رغم مرارة الفراق وألم البعد عن فلذة كبدها الذى قدم حياته فداءً للوطن. على أرض سيناء الغالية مازال أبطال مصر من القوات المسلحة ورجال الشرطة يقدمون أروع بطولات الفداء والتضحية فى العملية العسكرية الشاملة (سيناء 2018)، حيث اتخذت الشهادة بعدا إنسانيا يجسد شعور الدفاع عن ارض الوطن واجتثاث جذور الإرهاب واستعادة حق الشهداء الذين ارتوت أرض سيناء بدمائهم الطاهرة.. وصارت الشهادة أمنية من القلب يكتبها الأبطال بخط اليد أو على صفحاتهم الشخصية.. على مواقع التواصل الاجتماعى حتى نكتشف ان الأمنية تحققت، وأن الدعاء بالشهادة لا يأتى الا من بطل من طراز خاص.. هم خير أجناد الأرض يقدمون للوطن اغلى ما يملك الإنسان وهو حياته.. ومن هنا تكمل مسيرة العطاء حلقاتها عندما يسطر هؤلاء الأبطال فى كل صفحة بطولة.. يسجلها التاريخ بكل الفخر والاعتزاز. تختلط ذكريات الشهداء وبطولاتهم بدموع ترقرقت فى مآقى الصغار ، وآهات زوجة، وانين أم ينزف جرحا لم يندمل، وذكريات عمر.. للبطل، وصارت أسماء الشهداء تعتلى الميادين الكبرى والشوارع والمدارس والمكتبات العامة وقاعات الدراسة فى الكليات العسكرية.. ام الابطال السيدة أميمة محمود عبد الحميد عوض هى الأم المثالية لأمهات الشهداء، وهى والدة الشهيد البطل عقيد أركان حرب محمد سمير إدريس ابو يوسف. هى سيدة من طراز خاص فقد رزقها الله سبحانه وتعالى بخمسة من الأبناء زرعت فى قلوبهم حب مصر والانتماء لهذا الوطن فكان منهم ثلاثة ضباط اثنان بالقوات المسلحة وضابط بالشرطة واختارت لابنتها زوجا ضابطا بالشرطة ايضا، وقد أصيب ابنها ضابط الشرطة فى احدى العمليات الأمنية وبعدها بعدة أشهر استشهد ابنها الأكبر وهو يقاتل فى سيناء فصبرت واحتسبت ابنها عند ربها شهيدا. وقد جاءت كلمات السيدة اميمة والدة الشهيد البطل فى الاحتفال كى تجسد بنبرات قوية كل معانى الصبر والحكمة وحب الوطن.. وعندما التقيتها جاءت, كلماتها بنبرة يغلفها الرضا والفخر معا.. قائلة.. أنا والدة الشهيد البطل العقيد أركان حرب محمد.. هو ابنى الأكبر أول فرحتى هادى وبشوش وصاحب قرار.. كان بطلا رياضيا ومتفوقا. فى كل مراحل حياته كان قارئا للقرآن.. ومواظبا على الصلاة.. إننى فخورة بأبنائى الشهيد محمد، ومحمود الرائد بالقوات الجوية وابنى الثالث احمد نقيب شرطة مصاب عمليات امنية فى مداهمة ناجحة لاحدى بؤر الإرهاب.. كان الشهيد.. منذ صغره يحب الاستماع لحكايات الأبطا، وكان يتمنى الشهادة منذ طفولته عندما زار هو وإخوته منطقة (تبة الشجرة) وشاهد دبابة عساف ياجورى، وقد امسك برمال سيناء وتمنى الشهادة على أرضها منذ ان كان عمره 11 عاما، ومنذ ذلك الوقت تقريبا فى الصف الأول الإعدادى واعتاد أن يكتب اسمه على الكتب الدراسية مصحوبا بعبارة ضابط بالقوات المسلحة.. شهيد إن شاء الله. حلم حياته تستكمل قائلة.. كان حلم حياته الالتحاق بالكلية الحربية لكونها مصنع الرجال وكان مجموعه فى الثانوية العامة 95%.. وتخرج فيها عام 2000 دفعة المشير احمد إسماعيل والتحق بالمشاة وقوات الصاعقة، والقوات الخاصة كما حصل على فرق القوات الخاصة بتفوق ومشهود له فى الوحدة 777 قتال بالكفاءة والتميز. لكنه كان عاشقا لسيناء وللعمل فيها وقدم طلبات عديدة للعمل بها وتحققت أمنيته وقال الحمد لله ألف حمد وشكر.. وسافر الى سيناء قبل أول عملية لحق الشهيد وكان سعيدا بتحقيق أمنيته.. كان موضع تقدير وثقة من كل القادة.. الجنود بيشهدوا له بالأخلاق العالية. وانه يعاملهم مثل الأخ الاكبر وكان يتقدم الصفوف. ويقول لهم انتوا أمانة فى رقبتى.. رغم صعوبة الاتصالات كنا نشعر بالقلق.. لكننا لا نملك له سوى الدعاء. سيادة القائد العام للقوات المسلحة.. كرم إدريس ثلاث مرات قبل تكرم ربنا له بالشهادة وقاله «سلم لى ع الوالد والوالدة وقول لهم تسلم التربية» قاله بلغ سيادته ان أنا وأولادى وأحفادى فداء لتراب مصر. وتضيف قائلة.. عندما كنت فى العمرة طلبنى الشهيد محمد وقال لى ادعى لى.. يا أمى أنول الشهادة خالصة لوجه الله.. لم يطاوعنى قلبى.. كلم شقيقته وطلب منها ان تدعو له بهذا الدعاء ونحن فى الحرم.. قلنا يا رب اعمل له الخير فى دينه ودنيته.. لن أنسى آخر زيارة للشهيد كلمنى قبل ما ينزل وقاللى عاوز اقضى الأجازة معاكم يا امى وقضينا احلى وقت وقبل انتهاء الاجازة.جاء خبر الهجوم على كمين الغاز ،لازم أسافر اطمن على رجالتى.. بس عاوز ازور قبر والدى وفعلا ذهبنا.. وسلم على أقاربنا والجيران فى طنطا.. واستقل سيارته فى طريقه لسيناء وبعد ان ابتعد بالسيارة عاد للوراء فتح باب السيارة وطلب منى قاللى انزلى يا امى عاوز اخدك فى حضنى كلها اربعة ايام وارجع وفعلا اربعة ايام واصيب محمد ونال الشهادة.. أنا راضية تمام الرضا.. إن كان محمد تاج على رأسى وهو على قيد الحياة ..فهو الآن وسام على صدرى.. والده الدكتور سمير قال أنا وأولادى وأحفادى فدا مصر. وكل ليلة قبل ان تغفو عيناى كنت أدعو له، واستيقظ و دموعى على وجهى وكأننى كنت انتظر من يأتى يوما ليخبرنى باستشهاده وكان يراودنى هاجس بانه ربما يطرق الباب احد ليخبرنى بحدوث مكروه له.. لكننى تلقيت خبر إصابته من شقيقه.. وتلقيت نبأ استشهاده بنفس راضية.. وترك ثلاثة من الاطفال هم احمد 9 سنوات، واياد 8 سنوات، وعمر 5 سنوات.. إننى فخورة بأبنائى كلهم والشهيد محمد.. كان فخرا لى وكل صفاته تؤهله لان يكون شهيدا.. واحتسبه عند الله شهيدا وفداء للوطن. حب الوطن السيدة فايزة حسن الصياد والدة البطل الشهيد عقيد اركان حرب احمد محمود شعبان ..قائد كتيبة الدبابات فى الشيخ زويد .. وقد زرع حب الوطن فى قلب ابنته حبيبة التى تتمنى ان تصبح ضابط دكتور عندما تكبر وتضيف بقولها استشهد يوم 8 نوفمبر 2017 فى أثناء مداهمة لمحاربة الإرهاب وتطهير سيناء كما تقول زوجته السيدة رشا اسماعيل ..هو ابن خالتى و ترك لى ابنتنا التى لم تكمل عامها السادس هى حبيبة التى أحبت العسكرية من والدها كما أحبته .. وكان يحكى لها عن البطولات وحب الوطن .. ولعل آخر مرة كان والدها يوصلها الى مدرستها كانت نظرته لها وكأنه يودعها ..كل من رآه فى ذلك اليوم أكد هذا المعنى .. كان يتمنى الشهادة وطلبها فى الدعاء أمام الكعبة . _ تقول ام الشهيد.. احمد منذ صغره كان يعشق العسكرية.. وقدم بطولات يذكرها كل من اقترب منه سواء..الرؤساء أو الجنود.. كل مرة كان يسافر سيناء كنت بادعى له هو وزملائه.. وفى الإجازة كان دائم الاطمئنان والسؤال على زملائه المصابين فى المستشفى أوزيارة أهالى وأسر الشهداء من زملائه..كان ابنا بارا بوالديه فعلا.. واوصى شقيقه التوأم بالاهتمام بى واسرته وابنته ، وآخر زياره له أعطى أرقام تليفونات زملائه لشقيقه وقال له: «خليها ح تنفعك لو جرى لى حاجة انت اول واحد ح يتصلوا بيه!». السيدة رشا اسماعيل زوجة البطل تحكى واقعة استشهاده فتقول انها كانت فى عملية حق الشهيد وكنا فى إجازة اضطر لقطع الإجازة، واوصلنى للبيت وذهب لمهمته فى الموقع وعرفت من زملائه انه كلم احد الضباط معه وطلب منه ان يحاسبه على ما لديه من نقود من المقصف قاله ليه يا فندم خليها وقت تانى، فأصر على ذلك واستغرب من حوله من الموقف وازداد خوفهم عليه. وفى صبيحة اليوم التالى..استيقظ مبكرا وصلى الصبح.. وجلس يقرأ القرآن قبل المداهمة.. ودخل عليه احد جنوده ورآه مبتسما.. وعلق البطل شعبان لمن معه قائلا.. حاسس إنى مش راجع من المداهمة دى، قال له: ليه يا فندم بتقول كده؟..رد عليه بقوله: كله نصيب وطنى أهم من حياتى. عرفت بعدها ان البطل كان يتوجه بالدبابة فى المقدمة وفى أثناء التعامل مع العناصر الإرهابية.. أخرج رأسه من الدبابة يستطلع الأمر، وفى هذه اللحظة اطلق عليه قناص إرهابى عدة رصاصات نفذت من الخوذة التى يرتديها وأصيب على الفور بنزيف وارتجاج فى المخ.. ونادى على الجندى الذى كان يرافقه لاستكمال القتال والقضاء على الإرهابيين.. فاحتضنه ، وناوله شربه ماء ولقنه الشهادة فرددها اربع مرات.. ولم يتكلم بعدها ودخل فى غيبوبة، وتم نقله الى مستشفى العريش لوقف النزيف فى المخ ، ولصعوبة الحالة تم نقله الى المركز العالمى واستشهد هناك .. لكن زملاءه استكملوا عملهم وقاموا بالقضاء على الإرهابى الذى صوب الرصاص على الشهيد واخذوا حقه. شرف الشهادة السيدة نورا محمد كامل والدة الشهيد احمد خالد زهران ضابط صاعقة «قوات خاصة» عندما حددت معها موعدا للقاء فى البيت كانت تصف لى المكان بقولها صورة الشهيد تتوسط شارعنا.. تقول بكل الفخر هو الابن الأكبر والولد الوحيد على بنتين..احمد اجتمعت فيه كل الصفات الحميدة التى تؤهله ليكون متميزا وبكونه الابن الأوحد وليس له تجنيد كان شغوفا بالالتحاق بالكلية الحربية ووعدته بذلك والحمد لله.. عندما التحق بالكلية الحربية.. اثناء توصيلى له فى اول يوم للكلية الحربية قالى فى الطريق يا ماما لو استشهدت ما تزعليش ولا تبكى!.. سالته ليه كده.. قال لى هى الشهادة وحشة قلت له لا يا حبيبى بعد عمر طويل. فى أول زيارة له فى الكلية كانت سعادتى لا توصف وانا أراه للمرة الاولى يرتدى الزى العسكرى وقد اثنى قائده على التزامه وانضباطه فى الكلية وتفوقه وفى سنة التخرج من الكلية الحربية طلب منى احمد ان اذهب معه الى مكان اقامته فى الكلية وطلب منى ان أعلق النجمة على كتفه ورجعنا الى البيت وفوجئت به يطلب منى أن ادعو له ان يذهب الى سيناء وعلقت أخته وقتها بان مكانه فى سيناء وقالى لى ان تراب مصر يستاهل كل غال.. لكن فكرة الاستشهاد كانت تراودنى.. وتسيطر على قلبى خوفا عليه. عندما جاء قرار ذهابه الى سيناء اخفى خبر سفره عنى والوحيدة التى كانت تعلم هى شقيقته منى يومها اخذ يسلم علينا ويحتضن اخواته ووالده وسافر احمد وفوجئت بهاتف من والدة احد زملائه قالت لى اولادنا راحوا سيناء من غير ما يقولوا اسألى على ابنك ..طلبت ابنى فى التليفون مرات عديدة حتى رد وسمعت منه كلمة ماما فى الخامسة فجرا لآخر مرة وكان قادما فى اجازة فى نفس اليوم ، وطلبته الساعة العاشرة رد على صديقه وكنت على يقين اننى سوف اسمع خبر استشهاده والحمد لله كان اول تعليق لى «إنا لله وإنا إليه راجعون». تلك كانت صفحة من الصفحات التى سيذكرها التاريخ فى المحروسة لتكون درسا فى العطاء والفداء عبر الأجيال.