زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى مصر الاسبوع الماضى، هى زيارة تاريخية بالمعنى المباشر، وليس المجازى، وتأتى فى مرحلة صعبة تمر بها أمتنا، من حيث مستوى البرنامج و المعالم والمؤسسات التى طاف بها، كنت قد أشرت فى هذا المكان، فى أكثر من مقال، إلى ايمانى بتعزيز المحور السعودى المصرى، من أجل إبقاء الامة طافية على سطح التحديات الاقليمية والدولية التى نشهدها اليوم، فهذا المحور أساسى وقاعدى لتنسيق السياسات، ومواجه التحديات، لان مصر بكثافتها السكانية و تطورها التاريخى عمود أصيل للامة، كما أن السعودية بحجمها وما تحتويه تحت أرضها وفوقها ( البيت الحرام والنفط) هى عمود آخر، قبل الزيارة شهدنا فى السعودية لاول مرة (ماراثون) سباق نسائى فى منطقة الاحساء، المنطقة الشرقية فى المملكة العربية السعودية ، ذلك غير مفكر فيه منذ سنوات قليلة خلت! وقبلها شهد الجمهور فى الرياض مسرحية شاركت فى التمثيل فيها، فتاة من الجيل الجديد من السعوديات، كما أن الاصلاحات الحادثة فى السعودية، وهى كثيرة وللبعض مفاجئة، غير مسبوقة من حيث الكم ولا الدرجة ولا التوقيت، إنها مسيرة حثيثة تواكب الاحداث، وتتفاعل مع متطلبات العصر، زيارة الامير الى البابا تواضروس فى العباسية هى رمزية، لكن لها علاقة مباشرة باللحمة الوطنية المصرية والعربية، كما لها علاقة بمؤشرات رفض الارهاب القائم على المذهب أو الدين، ومحاولة تضليل الناس! كان ذلك بجانب ما يعرفه الاقتصاديون حق المعرفة، من أهمية الاقتصاد لدعم الاستقرار ، فقد كان الاتفاق على المشروعات العملاقة بين السعودية ومصر، التى سوف تؤتى أكلها فى المستقبل هى دعامة لهذا المحور العربى وترسيخ للاستقرار . الرسالة الاهم أننا كعرب، ليس لنا اليوم إلا أنفسنا، فالارض العربية تتآكل، والحروب الاهلية تنتعش، والهجمة على العرب لها اول ولكن لا يبدو أن لها حتى الان آخر، تصوب الاقلام و المقالات ووسائل الاتصال الاجتماعى والشائعات، والبنادق والطائرات على بعض شعوبنا، وغيرها من الاجهزة الصلبة والناعمة، تصوب نارها على كل من القاهرةوالرياض، من أجل هدف واحد، هو اصابة هذين البلدين بالوهن ومن ثم بالضرر اللذين هما الان السد المنيع امام الهجمة الشعواء ضد العرب كافة ، وتتنوع الوسائل والسبل والادوات فى تلك الهجمة، من بينها تقليل الانجازات التى تتم، او اعتبار تلك الانجازات مثالب. فى المملكة العربية السعودية نجد ان الاصلاحات التى تقوم بها الادارة تفسر على انها والعياذ بالله ( ردة عن الاسلام)! فى محاولة لتصيد العقول غير المحصنة، وكما الاصلاحات التى تقوم بها مصر، سواء اقتصادية أو سياسية يشنع عليها و تهاجم من نفس القوى ، كل ذلك من أجل تعطيل الدولة ألا تفعل شيئا، وبالتالى تتراكم المشكلات وتقود الى التفجر!. فى السبعين سنة الماضية واجهت السعودية الكثير من التحديات، ولكنها استطاعت ان تتغلب عليها ، فى تلك العقود السبعة نبتت فى خلفية المشهد السعودى العديد من الانجازات الصامتة، على رأسها التوسع فى التعليم، لقد تحول التعليم من كمى الى كيفى، وهو ما نشاهد اليوم، غير العليم بتحولات المجتمع السعودى، ربما لا يعرف كم من الاعداد من الرجال والنساء اليوم فى هذا البلد الذين يبهرون من يستمع الى انجازاتهم، فهناك طبقة كبيرة من المتعلمين والمتعلمات، على أعلى مستوى رفيع من التدريب والخبرة فى مجالات شتى، من الطبابة التى مكنت الخبرة فيها من القيام بأصعب العمليات الجراحية، إلى الأعمال الهندسية، الى الاعمال الابداعية ، يكفى ان يشير المتابع الى الكم الكبير من الانتاج الادبى لدى النخبة السعودية ،والذى يفوق من حيث النسبة اعلى النسب فى العالم، من الرواية الى القصة القصيرة الى الابداع الادبى بشكل كامل، والى امتهان التعليم على المستوى الجامعى وفوق الجامعى. لمن لا يعرف فإن جيلا جديدا يشب عن الطوق فى كل دول الخليج اليوم، جيلا لمن يطلع على انجازاته يصبح مبهورا بهذا الانتاج الكبير والكثيف فى مجالات الانتاج المختلفة، ان أضفنا كل ذلك على ما هيئ للمملكة من (إرادة) سياسية وتوجهات مستقبلية نعرف على وجه اليقين ان المستقبل فى أيد تعرف تحدياته وتعرف كيف تواجهها. فى حقيقة الامر فى عقود سابقة كان كثير من دول الخليج (متلقى) او كان ( مخزنا) للتمويل، فى العقود الاخيرة اختلف الامر ، كانت مواقف دول الخليج تأخذ موقف السلب لا الايجاب فى الكثير من الامور الصعبة ،تحوطا و اتقاء، ولكنه اليوم مع ( الارادة السياسية) التى ذكرت، يقتحم المخاطر المستقبلية بوعى وثبات، ويغادر المسلمات السابقة، و كانت فى معظمها سلبية ، الى قناعات جديدة وحديثة ، لخصها مرة محمد بن سلمان عندما قال، فى الثلاثين سنة الماضية اتبعنا (تصور للدين هو خارج عن السياق) وآن لنا اليوم ان نعود الى الدين الصحيح ، المتسامح و القابل لافكار التطور . نحن فى الغالب فى سنوات طويلة خضعنا لخلطة مسمومة ،وهى خلطة التقاليد مع الدين ، والاخير منها براء ، لذلك فان الافكار الاصلاحية لمحمد بن سلمان تتوجه الى صلب الموضوع ، تخليص الدين من التقاليد، وفك اسره من السياسة، التى كانت خلطتها بالدين مطية لقوى واحزاب عربية ،وهى الان (اى تلك الخلطة) يتبناها رجال الدين (السياسيون فى طهران) وتعود على بلادهم و شعوبهم وايضا الشعوب المجاورة بالويل والثبور. لدينا اليوم خطط إصلاحية فى كل من مصر وفى المملكة العربية السعودية، سوف تنقل تلك المجتمعات الى مكان أفضل، وبالتاكيد ستكون المثال الناجح للامة فى المستقبل. لمزيد من مقالات د.محمد الرميحى