ارتفاع مخزونات النفط الخام والوقود بأمريكا الأسبوع الماضي    وزير الخارجية القطري: نطالب إسرائيل بإنهاء الحرب في غزة    جوميز يجتمع بالفريق ويحذر من قوة سيراميكا    بقيادة رونالدو.. 5 نجوم يخوضون كأس أمم أوروبا لآخر مرة في يورو 2024    درجة النجاح في امتحان الاقتصاد والإحصاء للثانوية العامة.. «التعليم» توضح    إجمالي إيرادات فيلم السرب قبل ساعات من انطلاق موسم عيد الأضحى.. يغرد في الصدارة    توتر مستمر وتهديدات متبادلة.. الاحتلال الإسرائيلي يوسع المواجهة مع حزب الله    سبورتنج يهزم الترسانة ويزاحم حرس الحدود في صدارة مجموعة الترقي    وصول مبابي ألمانيا رفقة المنتخب الفرنسي استعدادًا لليورو    أوكرانيا تصد هجمات جوية روسية شديدة على كييف    كشف غموض مقتل سيدة مسنة داخل شقتها بشبرا الخيمة    الكويت.. ارتفاع عدد ضحايا حريق الأحمدي إلى 49    أسعار فائدة شهادات البنك الأهلي اليوم الاربعاء الموافق 12 يونيو 2024 في كافة الفروع    أحمد حلمي ينعي وفاة المنتج فاروق صبري    أفضل الأدعية وتكبيرات العيد مكتوبة.. أدعية يوم عرفة 2024    خالد الجندي للمصريين: اغتنموا فضل ثواب يوم عرفة بهذه الأمور (فيديو)    أبو الغيط يدعو إلى هدنة فورية في السودان خلال عيد الأضحى المبارك    محافظ الغربية يستقبل الأنبا أغناطيوس أسقف المحلة للتهنئة بعيد الأضحى    دخول جامعة العريش لأول مرة تصنيف THE العالمي لمؤسسات التعليم العالي    لطلاب الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بالكلية العسكرية التكنولوجية ونظام الدراسة    استجابة ل«هويدا الجبالي».. إدراج صحة الطفل والإعاقات في نقابة الأطباء    ضبط تشكيل عصابي انتحل صفة ضباط شرطة بأكتوبر    اتحاد الكرة يرد على تصريحات رئيس إنبي    وزارة الصحة تتابع مشروع تطوير مستشفى معهد ناصر وتوجه بتسريع وتيرة العمل    يورو 2024| ألمانيا يبدأ المغامرة وصراع ثلاثي لخطف وصافة المجموعة الأولى.. فيديوجراف    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 37 ألفًا و202 أشخاص    حملات مكثفة بالإسكندرية لمنع إقامة شوادر لذبح الأضاحي في الشوارع    مجدي البدوي: «التنسيقية» نجحت في وضع قواعد جديدة للعمل السياسي    المدارس المصرية اليابانية: تحديد موعد المقابلات الشخصية خلال أيام    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    7 نصائح للوقاية من مشاكل الهضم في الطقس الحار    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية    بالأسعار.. طرح سيارات XPENG الكهربائية لأول مرة رسميًا في مصر    "سيبوني أشوف حالي".. شوبير يكشف قرارا صادما ضد محترف الأهلي    القوات المسلحة توزع كميات كبيرة من الحصص الغذائية بنصف الثمن بمختلف محافظات    مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف ART خلال إجازة عيد الأضحى 2024    جامعة سوهاج: مكافأة 1000 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لجميع العاملين بالجامعة    الجلسة الثالثة من منتدى البنك الأول للتنمية تناقش جهود مصر لتصبح مركزا لوجيستيا عالميا    إصابة 3 طلاب في الثانوية العامة بكفرالشيخ بارتفاع في درجة الحرارة والإغماء    أسماء جلال تتألق بفستان «سماوي قصير» في العرض الخاص ل«ولاد رزق 3»    وفاة الطفل يحي: قصة ونصائح للوقاية    مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي يعقد اجتماعا موسعا بقيادات مطروح    مسؤول إسرائيلى: تلقينا رد حماس على مقترح بايدن والحركة غيرت معالمه الرئيسية    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى 2024    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    وزير الإسكان يوجه بدفع العمل في مشروعات تنمية المدن الجديدة    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    الأرصاد تكشف عن طقس أول أيام عيد الأضحي المبارك    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    رئيس الحكومة يدعو كاتبات «صباح الخير» لزيارته الحلقة السابعة    "مقام إبراهيم"... آية بينة ومصلى للطائفين والعاكفين والركع السجود    اليونيسف: مقتل 6 أطفال فى الفاشر السودانية.. والآلاف محاصرون وسط القتال    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    النمسا تجري الانتخابات البرلمانية في 29 سبتمبر المقبل    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    «اتحاد الكرة»: «محدش باع» حازم إمام وهو حزين لهذا السبب    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 12-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم باشا.. نابليون الشرق
هزم الأتراك وفتح بلاد الشام
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 02 - 2018

أسر قائد الجيش التركى.. وحرمه تردد محمد على من إحتلال أسطنبول

كان والى عكا عبدالله باشا يجعل من بلاده مأوى لكل الفارين من حكم محمد على حتى بلغ عددهم ستة آلاف شخص. وكتب إليه محمد على يطلب إعادتهم إلى مصر. فرد عليه هذا الوالى بجفاء شديد: إن هؤلاء رعايا السلطان، وشأنهم هنا كشأنهم فى مصر، وإن شئت فاحضر لأخذهم.
فأجابه محمد علي: سأحضر لأخذ الستة آلاف وواحدا فوقهم ! يقصد عبدالله باشا نفسه والى عكا.
...............................................................وبالفعل تحرك إبراهيم باشا قائدا لجيش مصر واحتل يافا وضرب حصارا حول عكا لتبدأ معارك الشام تلك التى نبهت الدول الكبرى إلى خطورة مصر وقائدها الأسطورى إبراهيم باشا الذى أطلقوا عليه نابليون الشرق. ففعلوا كل الوسائل لإيقاف هذا الفاتح الذى لم يهزم فى أى معركة، وعندما أعيتهم الحيل تكتلوا وأجبروا محمد على على أن يسحب جيوشه، تلك التى أصبحت بقيادة إبرهيم باشا على بعد 50 فرسخا فقط من إستانبول. ولا يوجد ما يمنع القائد المظفر من إسقاط عاصمة الخلافة واحتلالها غير تردد محمد على باشا الكبير .
رهينة لدى السلطان
إبراهيم باشا الذى ولد عام 1789 هو الابن البكر لمحمد على من زوجته أمينة الشوربجى التى أنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل وتوحيدة ونازلى. ومنذ صغره ظهرت عليه إمارات التميز والتطلع للمعرفة وكان محمد على ترك الأسرة، وجاء إلى مصر مع الحملة العثمانية، وعندما أصبح واليا عام 1805 أحضر الأسرة وكان عمر إبراهيم 16 سنة فاصطحبه إلى القلعة وعينه حاكما عليها، لكن حادثا كبيرا كان ينتظر الشاب اليافع سيكون له الأثر فى تشكيل اسطورته بعد ذلك. فإذا كان لكل إنسان حادث ما يشكل اسطورته الخاصة التى تحكم مجرى حياته، فإن قيام محمد على بإرسال ابنه إبراهيم كرهينة لدى السلطان العثمانى ضمانا لالتزاماته الحالية المطلوبة. كان لها أثرها فى مشاعر هذا الشاب جعلته يكره الأتراك بشدة، ويحب المصريين، يحس أنهم مثله رهائن لدى السلطان الظالم يفعل بهم ما يشاء إذا لم يدفعوا الجباية فعمل على أن يحرر مصر من هذه التبعية الفاشية، وأن ينزل بالاتراك الهزائم فى كل معاركه.
عاد إبرهيم إلى مصر فى ديسمبر 1807 عقب فشل حملة فريزر بعد أن قضى عاما فى تركيا. فعينه والده «دفتر دار» أى وزير مالية، ثم أرسله إلى الصعيد والوجه البحرى لتوطيد أركان الدولة بعد حدوث اضطرابات هناك.
كان دور إبراهيم باشا فى البداية تأسيسيا لا غنى عنه، ولا يستطيع القيام به طوسون الذى عرف عنه التهور والاندفاع، أو إسماعيل الذى عرف عنه الاستهتار، بينما كان إبراهيم يتسم بالدهاء وقوة الحجة لا يلجأ للعنف إلا عندما لا يجد للحيلة سبيلا. على حد قول الدكتور رءوف عباس.
وقد منحه السلطان العثمانى الباشوية ذات الثلاثة أذناب عام 1817 نجاحه عسكريا كما منحه ولاية جدة والحبشة ومشيخة الحرم المكى والمدينة المنورة حتى أصبح أعلى رتبة من محمد على، وربما أراد السلطان بذلك أن يضع بذرة عداء بين إبراهيم ووالده طبقا للدكتورة لطيفة سالم.
بداية حروب الشام
كان تحطيم الأسطولين المصرى والعثمانى من قبل الدول الأوروبية فى موقعة نفارين انذارا لمحمد على ليعيد ترتيب أوراقه بعيدا عن الدولة العثمانية التى أصبحت الرجل المريض. وبدأ يخطط ليحل محلها، وكان منذ فترة يوجه ناظريه إلى الشام يوسع حدود دولته وعرض الأمر على إبراهيم باشا فقال له: إن مصر لن تأمن على نفسها إلا إذا كانت حدودها الشرقية آمنة حتى جبال طوروس، وان ضم الشام ليس هجوما لكنه تأمين ودفاع عن مصر.
وهنا التقت الإراداتان السياسية للأب والقتالية للابن فى ضرورة استقلال مصر عن الخلافة العثمانية المتداعية.
وفى سيره نحو الشام وتحقيق حلمه وأسطورته أحكم إبراهيم باشا حصار عكا برا وبحرا وراح يرميها بالقنابل وصمدت المدينة التى استعصت على نابليون لكن عندما دخل شهر مايو من العام التالى أحس والى عكا أنه لا مفر من التسليم فألقى هو والحامية السلاح وربط منديلا فى عنقه دلالة على الاستسلام والخضوع.
ويقول داود بركات فى كتابه «البطل الفاتح إبراهيم باشا»: إن إبراهيم كان كريما معه رفعه بيديه وقال له: ذنبك لا يغتفر، أنت تجرأت على محمد على وهو أكبر حلما! فرد الوالى كل أخطائى أنى اعتمدت على الباب العالى الذى لا يزيد شرفه فى نظرى على شرف المومس، ولو أنى عرفت ذلك لاتخذت الحيطة ولما كنت اليوم ملقى بين يديك.
وبعد أن سقطت عكا غضب السلطان العثمانى محمود الثانى غضبا شديدا، ولم يجد أمامه سوى السلاح الدينى ليستخدمه ضد محمد على فأمر بأن يعقد المجلس الشرعى فى 13 إبريل 1832 والذى كان يضم ثلاثة مفتين واثنى عشر قاضيا وتسعة من أئمة السراى السلطانية. ثم أصدر هؤلاء المشايح حكما بتجريد محمد على وولده إبراهيم من جميع الرتب والمناصب الديوانية وألقاب الشرف الممنوحة لهما من لدن أمير المؤمنين، ثم القصاص منهما مع سائر من شاركهما فى العصيان والخروج على طاعة السلطان.
وضحك محمد على من هذا الحكم وقال أمام قناصل الدول: هل يسمح السلطان لنفسه أن يحاربنى باسم الدين، وأنا أحق منه بمهبط الدين والوحى، لأنى انقذت الحرمين الشريفين وأعدت للدين سلطانه وأنا الآن أحكم مكة والمدينة المنورة.
دخل إبراهيم باشا دمشق فى يونيو 1832 ثم زحف على حمص وحلب التى كانت آخر ما يريده محمد على لو قبل السلطان العثمانى ذلك وقبل أن يدخل إبراهيم حلب كتب إلى والده: ها قد فتحنا الشام التى يقول المصريون إنها جنة، فماذا يريدون منا فوق ذلك.
كان إبراهيم باشا هو القائد الاسطورى الذى تبحث عنه مصر دائما، تنفض عن نفسها رداء الضعف والتخلف، كما فعلت مع صلاح الدين وبيبرس من قبل، وها هو إبراهيم باشا يحمل علم مصر منتصرا منذ سنة 1814 إلى 1840 فى حروب اليونان وجزيرة العرب والشام والسودان والأناضول، وكان إبراهيم باشا الذى يتكلم العربية والتركية والفارسية قادرا على قيادة جيش من الفلاحين وتدريبهم على الوسائل القتالية الحديثة. كما كان دائما فى مقدمة جيشه ومثل القدوة لهؤلاء المصريين الذين أحبهم وسمح لهم بالترقى إلى رتبة يوزباشى (نقيب) فى الجيش ضد رغبة والده الذى كان يحرم الترقى على المصريين.
محمد على مترددا
انفتح الطريق امام الجيش المصرى لتحقيق انتصارات غير مسبوقة بقيادة بطله الاسطورى لكنه اصطدم بتردد والده، وتكشف المراسلات بين إبراهيم باشا ووالده (محمد على ) مدى الاختلاف بين القائدين، فإبراهيم باشا يؤمن بالقوة، بينما محمد على رجل سياسى يناور مرة ويتردد مرات، خوفا من الموقف الدولى، لكن الأيام تبين أن إبراهيم كان الابعد نظرا.
فبعد فتح الشام كتب إبراهيم باشا إلى والده يستأذنه فى الزحف على قونية والاستانة أيضا، وأن يحمل خطباء المساجد على إلقاء الخطبة باسمه لكن محمد على بدا مترددا خوفا من تدخل الدول الأوروبية وقناصل فرنسا وانجلترا والنمسا الذين يحيطون به، فكتب إلى إبراهيم: «تقول لى فى كتابك إنك تريد أن تمسك المعدن وهو حام، وأنك تريد أن يخطب باسمى فى جميع المساجد، فأعلم يا ولدى أنا لم نصل إلى مركزنا إلا بقوة الوداعة، وخفض الجانب.
وبعد ثلاثة أشهر من التردد سمح محمد على لإبراهيم بالزحف على قونية ثم الإنسحاب منها. فكتب إليه إبراهيم: يجب علينا حسب أوامرك أن نتقهقر إلى الوراء بعد الاستيلاء على قونية فالشائع أن الصدر الأعظم يزحف علينا بقوة كبيرة فإذا تقهقرنا عزوا ذلك إلى الجبن والخوف.. فأقره والده على رأيه ولكن بشرط ألا يتجاوز قونية، فالدول لا تنظر بعين الرضا إلى ما وراءها.
واستطاع الجيش المصرى أن يهزم الجيش التركى هزيمة منكرة فى قونية وأن يأسر ثلاثة آلاف جندى، وعندما وصل الخبر إلى محمد على أمر بإقامة الأفراح وإطلاق المدافع لمدة ثلاثة أيام. لكنه ظل مترددا فى الزحف أكثر من ذلك، وعلم إبراهيم باشا أن السلطان عين رشيد باشا صدرا أعظم وولاه قيادة جيش كبير لقتاله.
فكتب إلى والده يقول:
يا والدى.. منذ عشرين يوما ابحت إلى إعلان سقوط السلطان والآن تحرمه على انما كانت فائدة الرجوع وتغيير الرأى من جانبنا لا يجوز لنا أن ننسى أن جيشا قويا باسلا مثل جيشنا لا يحتمل سياسة التردد وجس النبض، وهى السياسة التى لا تعرف الانتفاع من وراء الواقع على أن هذا الجيش لا يستطيع الوقوف طويلا مكتوف الأيدى ونحن ذهبنا اتباعا لأوامرك، لقد أمرتنى قبل الآن أن أقف فى حلب، ثم سمحت لى بالتقدم إلى قونية، فدعنا الآن يا والدى نهزم جيش العدو الأعظم.
وبرغم ذلك رأى محمد على أن يكتب إلى الانجليز قائلا: إذا أرادت انجلترا أن نقف موقفنا الحالى فإنى قادر على أن أكره على ذلك.
وزحف رشيد باشا على رأس جيش تركى كبير لملاقاة إبراهيم باشا الذى كان زميلا له فى حرب المورة ويعرفان بعضهما جيدا. وقبل المعركة طلب من إبراهيم الانسحاب حقنا للدماء فرد عليه إبراهيم باشا أن تبعة ذلك تقع على من أمرونا به.
وبدأت المعركة فى 21 ديسمبر وكان إبراهيم باشا يعرف أخلاق خصمه الذى ينقض مثل الصقر. فتظاهر بالخوف منه وسحب قواته إلى ما وراء قونية فى مكان يمكنه من أخفاء الميمنة والميسرة. ثم انقض الجيش المصرى على اليمين والشمال فمزقوا الجيش التركى شر ممزق، ووقع رشيد باشا قائده فى الاسر.
خلع السلطان حالا
ينقل داود بركات عن الوثائق المصرية أن إبراهيم باشا ومحمد رشيد باشا الذى وقع فى الأسر اتفقا على خلع السلطان محمود الثانى وتعيين ابنه عبدالمجيد بدلا منه.
وكتب إبراهيم باشا إلى والده: استطيع أن اصل إلى الاستانة ومعى محمد رشيد باشا وأستطيع خلع السلطان حالا، وبدون صعوبة لكنى مضطر لأن أعرف هل تسمح لى بتنفيذ هذه الخطة حيت اتخذ الوسائل اللازمة. لأن مسألتنا لن تسوى إلا فى أسطنبول. فالواجب أن نذهب إليها حتى نملى إرادتنا.. وإن من العبث أن نقف عند قونية ولا نتقدم إلى الأمام، وأن رجال الاستانة لن يقبلوا بعقد الصلح معنا إلا إذا دخلنا عليهم العاصمة كما فعلوا مع الروس. وأنا لولا الأمران الأخيران اللذان تلقيتهما منك لكنت الآن على أبواب أسطنبول. إنى لأسأل نفسى ما هو الداعى الذى دعا إلى إهدار تلك الأوامر؟ أهو الخوف من أوروبا أم شيء لا أعرفه التمس منك ان تنيرنى فى هذه المسألة قبيل انفلات الفرصة من أيدينا.
فلما وصل الكتاب إلى محمد على أذن إلى إبراهيم بالتقدم، وتقدم بالفعل حتى وصل إلى كوتاهية وهناك وصله كتاب من والده يأمره بالتوقف مرة أخرى. وهو يعلم يقينا أنه لا يوجد جندى واحد للسلطان فى الطريق إلى أسطنبول.
وشعر السلطان بالخوف بعد هزيمة آخر جيوشه وأرسلت روسيا تعرض عليه مساعدتها البرية والبحرية لكن ذلك كان يحتاج شهرا على الأقل بينما الجيش المصرى على بعد خمسة أيام من الاستانة، وكتب إبراهيم باشا إلى أبيه يرجوه قائلا:بحق حبنا للأمة الإسلامية وغيرتنا الدينية، أرى الواجب المحتم علينا لا العمل لمصلحتنا فقط، لكن العمل فوق كل شيء وقبل كل شيء لمصلحة هذه الأمة كلها، من أجل ذلك يجب علينا خلع السلطان المشئوم، ووضع ابنه ولى العهد على العرش، ليكون ذلك بمثابة محرك يحرك هذه الأمة من ثباتها العميق، فإذا اعترضت على بأن أوروبا تعترضنا، قلت لك إننا لا ندع لها الوقت للتدخل، وبذلك ينتفى الخطر من ذلك الجانب، لأن مشروعنا ينفذ قبل أن يعرف، وبذلك نضع أوروبا أمام الأمر الواقع، وإذا كانت أوروبا تغتنم الفرصة لإشباع مطامعها من هذه الدولة فأية تبعة تقع علينا؟ وهل نستطيع أن نمنعها من تحقيق خطة تسعى لتحقيقها منذ 84 سنة؟ ولا وقت عندى لتلقى شيء منك أو من أسطنبول يحرم على التقدم. وقبل أن يصل إبراهيم إلى بورصة وموديانا تلقى الأمر من والده بأن يقف مرة أخرى، وبعد مفاوضات شاقة بين قناصل الدول ومحمد على ورسل السلطان نجحت فرنسا فى أن تصل بالطرفين إلى صلح كوتاهية عام 1833 الذى تنازلت بموجبه الدولة العثمانية لمحمد على عن الشام مع ولايته لمصر وكريت، ومنحت إبراهيم أدنة مع ولاية الحجاز.
وكانت تلك أحد أخطاء محمد على الكبيرة التى أضاعت عليه فرصة لن تتكرر بالاستيلاء على الاستانة ووراثة الخلافة العثمانية.
فرصة للمؤامرة
منح تردد محمد على الفرصة للدولة العثمانية والدول الأوروبية للتكتل ضده وإخراجه من الشام، ولم يكن ما حصل عليه كثيرا، قياسا بالانتصارات الكبيرة للجيش المصرى ووقوفه على مسافة 50 فرسخا من الاستانة. فسعت هذه الدول إلى تحجيم النفوذ المصرى وتزعمت بريطانيا الموقف، فكان محمد على يصرخ ويقول إينما أتجه أجد بريطانيا أمامى.
وكانت البداية باشعال الثورات ضد الجيش المصرى، ثم تحركت القوات التركية لاسترداد الشام فى يونيو 1839 وانتصر الجيش المصرى على التركى فى معركة نصيبين واستطاع إبراهيم باشا أن يفرض سيطرته التامة على هذه الأراضى الشاسعة نحو تسع سنوات تقريبا.
وبعد هذا الانتصار لم تجد الدول الأوروبية مفرا من أن تتدخل بشكل حاسم ضد مصر خاصة بعد أن استسلم الاسطول العثمانى لمحمد على بالإسكندرية عقب تولى السلطان عبدالمجيد عرش السلطنة 1839.
كانت الخطة تقوم على ضرب مشروع محمد على وأبعاد التدخل الروسى من منطقة البسفور وتأجيل أطماع الدول الأوروبية مؤقتا فتم إبرام معاهدة لندن 1840 التى وقعتها بريطانيا وروسيا والنمسا والدولة العثمانية. وأجبرت محمد على على الانسحاب من الشام والجزيرة وأن يسمح له يحكم مصر وراثيا. وعندما رفض محمد على الاتفاقية فى البداية. قام الأسطول الانجليزى بضرب بيروت وعكا، وأصدر السلطان فرمانا بعزل محمد على وتوليه عزت باشا خلفا له، واستولى الأتراك على بيروت وعكا.
الانسحاب الكبير
بعد قبول محمد على معاهدة 1840م صدرت الأوامر إلى إبراهيم باشا وجيشه الذى يبلغ 65 ألف مقاتل بالانسحاب والعودة إلى مصر، وكانت عملية صعبة جدا بسبب تربص الأتراك والانجليز والثوار بالجيش المنسحب. وقسم إبراهيم باشا جيشه ثلاثة أقسام لكل واحد طريق يبعد عن الطرق التى يتربصون فيها واستطاع أن يفلت من أيديهم حتى قالوا فى وصف إرتداده إنه ربح أكبر معركة سلمية بالارتداد طبقا لداود بركات وتحمل الجيش متاعب كبيرة لانه كان يسير فى الصحراء واضطروا أن يعيشوا أياما على أكل العشب.
واتسمت فترة حكم إبراهيم للشام التى أمتدت نحو 10 سنوات بالعدل، فكان يتفقد رعاياه ليقف على كل كبيرة وصغيرة، ويحكم فى المظالم أحيانا بنفسه، ومن شدة صرامته خشى الناس عقابه بعد أن تصدى للخارجين على القانون بكل قوة. وفتح باب الوظائف أمام المسيحيين وأصبحوا أعضاء فى مجالس الشورى التى أنشأها. كما شجع الصناعة وأهتم بالصحة والخدمات لكن كانت أكبر العقبات التى أججت الثورة ضده بعد ذلك التجنيد الإجبارى الذى فرضه محمد على لاستتباب الأمن.
وكان تأثير حكومة محمد على وإبراهيم باشا فى سوريا لم يضع مع إنسحاب الجيش المصرى لأنها أحدثت طبقا للمؤرخ السورى سليمان أبوعزالدين انقلابا عظيما فى نظام الحكم وأدخلت أنظمة فى الإدارة والقضاء والجندية، وكان لذلك تأثيرات جمة فى حياة البلاد الاجتماعية والأدبية والاقتصادية والسياسية.
استقبال حافل من ملوك أوروبا
بعد وصوله إلى مصر لم يستسلم إبراهيم باشا ولا محمد على إلى المؤامرة الغربية، وإنما قاما بعمل مشروع القناطر الخيرية لتوفير المياة والطاقة وكان المشروع حدثا أبهر العالم فى القرن التاسع عشر.
وحدث أن اشتد مرض الدوسنتاريا على إبراهيم باشا وسافر للعلاج بإيطاليا متخفيا، لكن ما أن اكتشفت شخصيته كما يروى الكاتب محمد عودة حتى انتفضت إيطاليا شعبا وحكومة للحفاوة بنابليون الشرق، كما فوجئ إبراهيم باشا بدعوة من جلالة الملك لويس الثامن عشر ملك فرنسا لزيارته، وخرجت باريس كلها للاحتفال بالبطل المصرى، وقارنته بالإسكندر وقيصر ونابليون.
كما فوجئ بجلالة الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا وإمبراطورة ما وراء البحار تدعوه دعوة رقيقة للنزول ضيفا عليها. وقد استقبله ورافقه زوج الملكة، وعقد مجلس العموم واللوردات جلسة خاصة لاستقباله وتحيته. وحرص كل القادة العسكريين وأمراء البحر الذين حاربوه على المشاركة فى حفلات ومأدب تكريمه.
وكانت آخر حفلة أقيمت لإبراهيم باشا هى حفلة رئيس الوزراء اللورد بالمرستون خصمه اللدود الذى عبأ أوروبا لكى تقضى عليه وخلال هذه الاحتفالات طلب إبراهيم باشا زيارة المدن الصناعية وأحواض بناء السفن فى فرنسا، ومصانع يوركشاير ولنكشاير وأحواض السفن فى لندن.
وأثناء العودة جعل طريقه على بلاد البرتغال حيث لقى الملك والملكة. وأهداه الملك وسام البرج والسيف.
النهاية الحزينة
وانجب إبراهيم باشا ثلاثة أولاد: أحمد وإسماعيل (الخديو إسماعيل) ومصطفى وقد وقر فى وجدان المصريين هذا البطل القوى إبراهيم باشا الذى مازال تمثاله باقيا فى أشهر ميادين مصر لم يجرؤ أى نظام على إزالته. وبرغم أنه وصل إلى الحكم فى حياة والده بعد أن أشتد المرض الزهايمر على محمد على عام 1848م إلا أن القدر لم يمهله ليحكم مصر طويلا. حيث أصيب بالتهابات خطيرة فى الرئة، وكان يتقيأ دما مما أدى إلى وفاته عن عمر 59 عاما فى حياة والده بعد أن حكم ستة أشهر فقط. وبعد ذلك بعام توفى محمد على عام 1849م عن 82 عاما. فارتبط مصيرهما فى الحياة والموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.