أثارت ندوة «كيف تدير مصر قوتها الناعمة؟» الجدل مجددا، وألقت حجرا كبيرا فى بحيرة الفكر الراكدة، عصر أول من أمس فى قاعة عبد الرحمن الشرقاوى بالمعرض. التى أدارها الإعلامى «محمود الورواري»، مستهلا حديثه بتأكيد أهمية القوة الناعمة فى حياة الشعوب بلا استثناء، وأن الكلمة بات لها تأثير كبير قد يفوق تأثير المعدات العسكرية، مشيرا إلى أن تركيا تصدر 142 عملا دراميا توجد بها أرضية لها فى العالم، مذكّرا بأن مصر كانت تنتج فى الماضى نحو 52 فيلما فى العام الواحد، وتساءل الوروارى إذا كانت مصر تمتلك كل عناصر القوة الناعمة فلماذا تراجعت الآن؟ وألقى د.«عبد المنعم سعيد» كلمة مكتوبة عن القوة الناعمة، أشار فيها إلى أنها من أدوات التأثير، وليست «بروباجاندا» كما يتوهم البعض. واستخدام القوة الصلبة بات مكلفا بسبب نتائجها الأخلاقية، معترفا بتراجع المكانة المصرية خلال العقود الستة الماضية لاسيما بعد هزيمة 67، وأصبحت مصر تعتمد على الخارج فى السلاح الروسي، والقمح الأمريكي، وباتت تعتمد فى حل مشكلاتها على معونات خليجية. مؤكدا أن مصر لديها الكثير الذى يمكن أن تقدمه، لكن هذا لن يحدث دون عمليات إصلاح كبرى جذرية ومصارحة النفس بكل الحقائق. ودعا سعيد إلى ما سماه «البعث الجديد للحضارة المصرية» التى تعد مجمعا لحضارات العالم، واستبعاد ما يسمى نظرية المؤامرة. وخلص إلى أنه لاجدوى من الحديث عن قوة ناعمة من دون تحول ديمقراطى وتعددية، فمصر بحاجة إلى عملية جراحية. وقدم الكاتب «صلاح سالم» خلفية فلسفية رائقة لفكرة القوة الناعمة، مستعرضا التحول المعرفى فى حركة التطور البشري، وقال إن مصر تكاد تتوافر فيها كل عناصر القوة الناعمة، مشيرا إلى أن ما تملكه هو تاريخها وآثارها وعراقتها وفهمها المستنير المتسامح للدين، والأزهر عنصر أساسى فى قوة مصر الناعمة، وقد كان الأزهر خلال 200 سنة خلت الجامعة الوحيدة التى تجذب الدارسين من أنحاء العالم. وعدد سالم مصادر القوة الناعمة، منها المصادر العلمية والفنية والثقافية والرياضية، وضرب مثلا بالنادى الأهلى وتاريخه ممتد التأثير فى الدول العربية رياضيا. وأشاد بدور جامعة القاهرة التى باتت بعد إنشائها مكونا حداثيا فى المجتمع المصري، ولولا حركة الاستنارة التى شهدتها مصر آنذاك ما كان لعلى عبد الرازق أن يقدم كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وما كان لطه حسين أن يؤلف «فى الشعر الجاهلي»، وما كان لعباس العقاد أن يقف فى البرلمان مهددا بسحق الملك أكبر رأس فى البلد إذا أراد العبث بالدستور.