◙ 11 حالة اغتصاب كل ساعة.. المحققون يهملون الأدلة.. القضاء يدين نحو 6 % فقط
الشعور بالظلم، نتيجة تهم باطلة، طعمه بالغ المرارة. وفقدان الثقة فى العدالة لا يقل مرارة.الظلم من جانب الشرطة واهتزاز الثقة فى العدالة حديث الناس فى بريطانيا. خلال أسبوع واحد عصفت بالشرطة فضيحتان. تفجرت الفضيحة الأولى عندما اضطرت شرطة العاصمة لندن لإسقاط قضيتى اغتصاب بسبب التقصير المهنى فى فحص الأدلة أو إخفائها أو تقديمها للنيابة. وفى واحدة من هاتين القضيتين، لم تكشف الشرطة أدلة تشمل سجل اتصالات هاتفية ورسائل نصية على هاتف شاب جامعى متهم فى قضية اغتصاب فتاة قاصر (تحت 16 سنة). فقد قدمت النيابة، بناء على المعلومات والأدلة المنقوصة التى وفرتها لها الشرطة، الشاب للمحاكمة ب 12 تهمة اغتصاب واعتداء جنسي. وحسب القانون، فإنه فى حالة الإدانة، كان الشاب سيواجه السجن 12 عاما مع إدراجه فى سجل المجرمين جنسيا بقية حياته. وبعد أن قضى الشاب، 22 سنة، نحو عامين فى الحبس رهن المحاكمة، تبين أن الشرطة أخفت، على النيابة، معلومات يؤكد بعضها أن الفتاة التى ادعت أنها ضحية الشاب البريء هى التى كانت تلاحقه سعيا لممارسة الجنس معه. انهارت القضية، وأفرج عن الشاب الذى قرر مقاضاة الشرطة. وتم إجبار قادة جهاز الشرطة البريطانية العام «سكوتلانديارد» على إعلان إجراء مراجعة عاجلة لنظام العمل فى قضايا الاغتصاب. ولم تجرؤ الشرطة على الكذب، واعترفت بأن الضابط المسئول عن القضيتين لا يزال فى الخدمة ولم يوقف حتى عن العمل فى وحدة التحقيقات فى الجرائم الجنسية. وأعلنت النيابة العامة أنها »سوف تجرى مراجعة إدارية مع شرطة العاصمة لبحث الطريقة التى تم بها التعامل مع هذه القضية«. ولأن الأمر يتعلق بالعدالة والحقوق والمحاسبة، تعهدت الشرطة باحترام حق الناس فى أن يعرفوا نتائج المراجعة أيا تكن دون التذرع بالخوف من زعزعة ثقة الناس فى الجهاز أو هز صورته فى عيونهم. وتصاعدت أصوات تطالب بأن تمتد المراجعة لتشمل أسلوب عمل جهاز الشرطة فى كل أنحاء البلاد، خشية أن تكون هناك «مشكلة تمس نظام عمل الشرطة العام». ففى مكاتب محققى الشرطة، تُكتب أولى أوراق القضايا وفقا لنظام التقاضى فى بريطانيا. فعندما تقبض الشرطة على شخص يشتبه فى ضلوعه فى جريمة اغتصاب أو غيره، يحقق معه محققوها فى إطار زمنى محدد. ولو وجدوا ما يعتقدون أنها أدلة قوية لتوجيه اتهام رسمي، يعرضون الأمر على النيابة التى تستأجر محامين ذوى خبرة لتمثيل الادعاء. وبعد مناقشة الأدلة مع محققى الشرطة، يقرر هؤلاء المحامون (المدعون): إما إحالة الملف إلى القضاء لو اقتنعوا بأن هناك فرصة الحصول على إدانة للمتهم، أو إسقاط الاتهامات وإغلاق الملف. وفى فضيحة انهيار قضيتى الاغتصاب الأخيرتين، لم تدافع الشرطة عن نفسها، ولم يجد نفعا دفاع بعض قادتها السابقين عنها بالقول إن الجهاز فقد نحو 10 آلاف ضابط بسبب سياسة التقشف وتخفيض الميزانية. لم تكد تبدأ المراجعة الموعودة لطريقة عمل الشرطة، حتى أطلت الفضيحة الثانية، فقد كشف تقرير مكتب «مفوض اعتراض الاتصالات» عن أن الشرطة اقترفت «أخطاء مطبعية»، أدت إلى احتجاز وتوجيه أصابع الاتهام لأكثر من عشرين شخصا بريئا فى قضايا استغلال الأطفال جنسيا. وقال المفوض إنه وضع هذه الحالات فى ملف قدم رسميا إلى رئيسة الوزراء التى أعلنت، بحكم القانون، تقرير المفوض «المدمر» للشرطة. ونبه الملف إلى أن مثل هذه الأخطاء تغرق المتهمين الأبرياء فى «كوارث إنسانية هائلة». ورغم إشادات السياسيين، وعلى رأسهم رئيسة الوزراء ووزيرة الداخلية ووسائل الإعلام، بجهود الشرطة فى مكافحة الإرهاب، فإن هذا لم يشفع لها عندما يضر سلوكها أو تقصيرها فى العدالة، سواء للمتهمين ظلما أو ضحايا الاغتصاب. ويشار إلى أن عدد هؤلاء ليس قليلا. ونايجل إيفنز، عضو مجلس العموم، من بين هؤلاء المظلومين. فقد اتهم فى عام 2014 بجريمة اغتصاب وتمت تبرئته منها. وصب إيفنز، بحكم شهرته وعضويته فى البرلمان، الكثير من الزيت على نيران الغضب من سلوك الشرطة، ودعا الشاب الجامعى المظلوم إلى لقاء فى مجلس العموم. وقبل اللقاء، قال، إن «حياة بشر تدمر بسبب الفشل فى نظام العمل فى الشرطة، ويجب أن أقول ذلك صراحة». ويقول إيفنز أيضا «يبدو أنه فى الكثير من القضايا، تنتقى الشرطة الأدلة التى تمكنها من الحصول على حكم بالإدانة.. لاعلاقة لهذا بنظام العدالة.. على الشرطة أن تتبع الأدلة «سواء أدت إلى البراءة أو الإدانة». وتأججت نيران الغضب بعد الكشف عن إحصاءات وزارتى العدل والداخلية بشأن ظاهرة الاغتصاب المخيفة، للبالغين فقط وليس للأطفال، فى إقليمى انجلترا وويلز. وتشير الإحصاءات إلى أن 85 ألف سيدة و12 ألف رجل يغتصبون فى الإقليمين سنويا، مما يعنى حدوث 11 حالة اغتصاب لشخص بالغ، امراة أو رجل، كل ساعة. ولكنه بسبب أخطاء كثيرة، ومنها سوء تعامل الشرطة مع الملفات، لا تنتهى سوى 5.7 فى المائة من القضايا التى تحال إلى المحاكمة بالحصول على حكم بإدانة المتهمين. وهذا هو أحد الأسباب التى دفعت النائب إيفنز، الذى يتزايد التأييد لحملته، للتحذير من أن أى تقصير فى المراجعة والكشف عن مواطن الخلل، سوف يعزز فقدان ثقة الناس، سواء كانوا من الضحايا أو المتهمين، فى نظام العدالة، الذى يبدأ من الشرطة.