قالت لى حماتى فى يوم خطبتي: «لقد أعطيتك ابنى الذى لم أرفض له طلباً طيلة حياته، فحافظى عليه واعملى على إسعاده» . وقتها ظننت أن هذا الكلام مجرد نصيحة أو فرحة بارتباط ابنها بمن اختارها قلبه، فابتسمت من دون تعليق، ولكن مع مرور الأيام اكتشفت أن زوجى بالفعل حبيب أمه، وطفلها المدلل. فهى لا تحتمل غضبه ولو للحظات فى حال نشوب مشاكل عادية بينى وبينه كتلك التى تحدث فى بيوت عدة، وبمجرد أن تهدأ الأمور، تعمل جهدها لتعكير يومى من باب الانتقام له، أما فى الأيام العادية التى لاتشوبها أية مشاكل أو منغصات فهى لا تمل من تذكيرى بدورى تجاهه، مشيرة إلى أن ما أقوم به من خدمات وتفان فى إرضائه لا تذكر لأنه من واجبي، الأمر الذى يشجع ابنها «قرة عينها» على طلباته التى لا تنتهى وأنانيته المفرطة ليس معى وحدى ولكن مع أبنائنا أيضاً. هكذا انسابت كلمات «نادية».. التى رفضت الإفصاح عن اسمها بالكامل معلنة عن ظاهرة تعانى منها بعض البيوت وهى ذات شقين: زوج أناني، وحماة لا ترى فى الدنيا غير ابنها. تختلف آراء الخبراء فى تقييم شخصية هذا الرجل ومدى إمكانية التعايش معه، خاصة مع ما يتصف به من حب الذات الذى يسيطر عليه إلى أبعد الحدود دون أن يهتم بما قد ينتج عنه من تعاسة الزوجة وشقاء الأبناء. وهناك نساء يتكيفن مع طبيعة هذا الزوج ويتحملن نرجسيته واهتمامه الزائد بنفسه الذى يصل فى بعض الأحيان إلى إلقاء عبء كل المسئوليات على الزوجة. وهناك نساء لايستطعن إكمال المسيرة، خاصة إذا كن هن الأخريات بشخصيات أنانية تبحث عمن يستجيب لمطالبهن فى الحياة. الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بكلية الطب جامعة الأزهر يقول: نتحدث عن قضية ذات طبيعة خاصة لأنها لا تتناول الرجل الأنانى فقط، ولكنها تشير إلى الأم التى أنتجت هذه الشخصية وأخرجتها للحياة .ولاشك أن هناك عوامل وراثية تتحكم فى شخصية وطباع الإنسان، لكن الإنسان أيضاً ابن البيئة التى يعيش فيها، ونتاج التنشئة التى تترك بصماتها على شخصيته، فبعض الامهات تمنحن للمجتمع أبناء أنانيين، لأنهن يغرس فى الأبناء قيماً تتغلغل فى نفوسهم على مر الأيام فيشبوا على مبدأ «أنا ومن بعدى الطوفان»، وذلك من فرط تدليلهن لهم فى الصغر. فمن الصعب أن تسمح تلك الأم لأحد بإغضاب أطفالها أثناء لعبهم، وعندما يخطئون لاتردهم عن خطئهم فهى أم لاتعاقب فلذات أكبادها. وغالباً ما تكرر أمامهم أنهم متميزون عن غيرهم، وتنصحهم بعدم السماح لأحد بأن يكون أعلى أو أفضل منهم، فالناس لدى تلك الأم خلقوا لهدف واحد هو خدمتها مع أبنائها الذين يتخطى حبهم بداخلها كل الحدود. ويضيف د. حمودة: علاقات هؤلاء الأطفال الاجتماعية فى الغالب لا تستمر طويلاً، لأنه لا أحد يتحمل ذلك النمط من الشخصيات، خاصة أن الأم لا تترك لأبنائها الحرية فى تحديد شكل العلاقة أو اتخاذ القرارات الخاصة بما تمر به من مواقف، فما بالنا عندما يصبح هؤلاء الأبناء أزواجاً وزوجات، هنا تكون الكارثة لأنه يقع على عاتق الطرف الآخر تحمل عبء مسئوليات كل أفراد الأسرة بدءًا من الاهتمام الزائد بشريك الحياة نفسه، وانتهاء بالأبناء. لكن الأزمة تزداد عندما يكون الزوج شديد الأنانية، لأننا فى مجتمعاتنا العربية تمنح المرأة العذر فى التدلل وإلقاء عبئها هى وأولادها على عاتق الزوج لا العكس. وكثيراً ما نرى زوجات يعشن تلك المأساة اليومية، ويؤكدن لى أنهن بين طرفى سندان الزوج من ناحية، ومطرقة الحياة من ناحية أخري. فالزوج لا يكف عن ترديد كلمة «أريد» وعن التفكير فى ذاته، والحماة لاتكف عن مراقبة الأداء اليومى للزوجة ومدى جودته. العلاج ليس مستحيلا وعلى الرغم من حجم المعاناة فإن العلاج ليس مستحيلا وإن كان يحتاج إلى قدر من الصبر ومقدار من الحب للزوج لإكمال مسيرة الحياة معه، حسب ما يقول د. عادل مدنى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: القلب عضو وظيفته العطاء والمنح العاطفي، ومادام أن الزوجة لن تترك زوجها الأنانى وستواصل حياتها معه من أجل الأبناء، فلتصبر وتكملها معه بالحب وتحاول تعليمه كلمة «نحن» بدلاً من كلمة «أنا».. فمن خلال التعامل مع الزوج برفق وحب دائم ولين يمكن أن يتعلم من زوجته ما فاته فى الحياة، على شرط ألا تخبره بنيتها فى تغييره فيعاند، وهذا هو دور المرأة المحبة إذا ما أرادت ترويض زوجها الأناني، عليها أن تبدأ بترويض قلبه على الحب، وتخرجه عن عالمه الخاص. أما الحماة فمشكلتها هينة فما على الزوجة إلا تجاهل نوبات غضبها والتركيز مع زوجها وتطوير علاقته بالحياة.